من كل بطنٍ غلاماً وتعطوه سيفاً فيضرِبوه ضربةً واحدة فيتفرقَ دمُه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريشٍ كلِّهم فإذا طلبوا العقلَ عقَلْناه فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه فأتى جبريلُ النبيِّ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وأخبره بالخبر وأمره بالهجرة فبيّت علياً رضي الله تعالى عنه على مضجعه وخرج هو مع أبي بكرٍ رضيَ الله عنْهُ إلى الغار
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله﴾ أي يرد مكرَهم عليهم أو يجازيهم عليه أو يعاملهم معاملةَ الماكرين وذلك بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حمَلوا عليهم فلقُوا منهم ما لقُوا
﴿والله خَيْرُ الماكرين﴾ لا يُعبأ بمكرهم عند مكرِه وإسنادُ أمثالِ هذا إليه سبحانه مما يحسن للمشاكلة ولا مساغَ له ابتداءً لما فيهِ من إيهامِ ما لا يليقُ به سبحانه
سورة الأنفال من الآيات (٣١ ٣٣)
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ التي حقها أن يخِرَّ لها صُمُّ الجبال
﴿قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا﴾ قاله اللعين النضر بن الحرث وإسنادُه إلى الكل لما أنه كان رئيسَهم وقاضيَهم الذي يقولون بقوله ويأخُذون برأيه وقيل قاله الذين ائتمروا في أمره ﷺ في دار الندوة وهذا كما ترى غايةُ المكابرة ونهايةُ العِناد كيف لا ولو استطاعوا شيئاً من ذلك فما الذي كان يمنعهم من المشيئة وقد اتحدوا عشرَ سنين وقُرعوا على العجز وذاقوا من ذلك الأمرَّيْن ثم قورعوا بالسيف فلم يعارضوا بما سواه مع أنَفتهم وفرْطِ استنكافِهم أن يُغلَبوا لاسيما في باب البيان
﴿إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين﴾ أي ما يسطرونه من القصص
﴿وإذ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هَذا هُوَ الحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماءِ أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ هذا أيضاً من أباطيل ذلك اللعين
روي أنه لما قال إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين قال له النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم ويلَك أنه كلامُ الله تعالى فقال ذلك والمعنى أن القرآن إن كان حقاً منزلاً مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا الحجارةَ عقوبةً على إنكارنا أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ سواه والمرادُ منه التهكمُ وإظهارُ اليقينِ والجزمِ التامِّ على أنه ليس كذلك وحاشاه وقرىء الحقُّ بالرفع على أن هو مبتدأ لأفضل وفائدةُ التعريفِ فيه الدِلالةُ على أن المعلق به كونُه حقاً على الوجه الذي يدعيه ﷺ وهو تنزيلُه لا الحقُّ مطلقاً لتجويزهم أن يكون مطابقاً للواقع غيرَ منزلٍ كالأساطير
﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ جوابٌ لكلمتهم الشنعاءِ وبيانٌ للموجِب لإمهالهم والتوقفِ في إجابة دعائِهم واللامُ لتأكيد النفي والدِلالةِ على أن تعذيبَهم عذابَ استئصال والنبي ﷺ بين أظهرِهم خارجٌ عن عادته تعالى غيرُ مستقيمٍ في حُكمه وقضائه والمرادُ باستغفارهم في قوله تعالى
﴿وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ إما استغفارُ مَنْ بقِيَ منهم من المؤمنين أو قولُهم اللهم


الصفحة التالية
Icon