هود من آية ٥٧ إلى آية ٥٩
﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي تتولَّوا بحذف إحدى التاءين أي أن تستمرّوا على ما كنتم عليه من التولي والإعراض
﴿فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ﴾ أي لم أعاتَبْ على تفريط في الإبلاغ وكنتم محجوجين بأن بلغكم الحقَّ فأبيتم إلا التكذيبَ والجحود
﴿وَيَسْتَخْلِف رَبِّي قَوماً غَيرَكُم﴾ استئنافٌ بالوعيد لهم بأن الله تعالى يهلكهم ويستخلف في ديارهم وأموالِهم قوماً آخرين أو عطفٌ على الجواب بالفاء ويؤيده قراءةُ ابن مسعود رضي الله عنه بالجزْم عطفاً على الموضع كأنه قيل فإن تولّوا يعذرني ويهلكهم ويستخلفْ مكانكم آخرين وفي اقتصار إضافةِ الربِّ عليه الصلاة والسلام رمزٌ إلى اللطف به والتدميرِ للمخاطبين
﴿وَلاَ تَضُرُّونَهُ﴾ بتولّيكم
﴿شَيئاً﴾ من الضرر لاستحالة ذلك عليه ومن جزم ويستخلف أسقط منه النون
﴿إنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَفِيظٌ﴾ أي رقيبٌ مهيمنٌ فلا تخفى عليه أعمالُكم فيجازيكم بحسبها أو حافظٌ مستولٍ على كل شيء فكيف يضُرّه شيءٌ وهو الحافظُ للكل
﴿ولما جاء أمرنا﴾ أي نزل عذابُنا وفي التعبير عنه بالأمر مضافاً إلى ضميره جل جلاله وعن نزوله بالمجيء ما لا يَخفْى من التفخيم والتهويلِ أو ورد أمرُنا بالعذاب
﴿نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ وكانوا أربعةَ آلافٍ
﴿بِرَحْمَةٍ﴾ عظيمةٍ كائنةٍ لهم
﴿منا﴾ وهي الإيمان الذي أنعمنا به عليهم بالتوفيق له والهدايةِ إليه
﴿وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ أي كانت تلك التنجيةُ تنجيةً من عذاب غليظ وهي السَّمومُ التي كانت تدخل أنوفَ الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطعهم إرْباً إرْباً وقيل أريد بالثانية التنجيةُ من عذاب الآخرةِ ولا عذاب أغلظ منه وأشدُّ وهذه التنجيةُ وإن لم تكن مقيدةً بمجيء الأمرِ لكن جيء بها تكملةً للنعمة عليهم وتعريضاً بأن المهلَكين كما عُذّبوا في الدنيا بالسَّموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ
﴿وتلك عاد﴾ أنث الاسم الإشارةِ باعتبار القبيلةِ أو لأن الإشارةَ إلى قبورهم وآثارهِم
﴿جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِم﴾ كفروا بها بعدما استيقنوها
﴿وَعَصَوْا رُسُلَهُ﴾ جمعَ الرسلَ مع أنه لم يرسِلْ إليهم غيرَ هودٍ عليه الصلاة والسلام تفظيعاً لحالهم وإظهاراً لكمال كفرِهم وعنادِهم ببيان أن عصيانهم له عليه الصلاة والسلام عصيانٌ لجميع الرسلِ السابقين واللاحقين لاتفاق كلمتِهم على التوحيد لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رسلِه فيجوز أن يرادَ بالآيات ما أتى به هودٌ وغيرُه من الأنبياءِ عليهم السلام وفيه زيادةُ ملاءمةٍ لما تقدم من جميع الآياتِ وما تأخر من قوله
﴿واتبعوا أمر كل جبار عَنِيدٍ﴾ من كبرائهم ورؤسائِهم الدعاةِ إلى الضلال وإلى تكذيب الرسلِ فكأنه قيل عصَوا كلَّ رسولٍ واتبعوا أمرَ كلِّ جبارٍ وهذا الوصفُ ليس كما سبق من جحود الآياتِ وعصيانِ الرسلِ في الشمول لكل فردٌ منهم فإن الاتباعَ للأمر من أوصاف الأسافلِ دون الرؤساء


الصفحة التالية
Icon