﴿فِيهَا﴾ متصرفين في أطرافها متقلبين في أكنافها
﴿أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ العدولُ عن الإضمار إلى الإظهار ليكون أدلَّ على طغيانهم الذي أدّاهم إلى هذه المرتبةِ وليكون أنسبَ بمن شُبّه هلاكُهم بهلاكهم أعني ثمود وإنما شُبّه هلاكُهم بهلاكهم لأنهما أُهلكتا بنوع من العذاب وهو الصيحة غير أن هؤلاءِ صيح بهم من فوقهم وأولئك من تحتهم وقرىء بعُدت بالضم على الأصل فإن الكسرَ تغييرٌ لتخصيص معنى البُعد بما يكون سببَ الهلاك والبعدُ مصدرٌ لهما والبُعدُ مصدرٌ للمكسور
هود (٩٦ ٩٧)
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾ وهي الآيات التسع المفصلات التي هي العصا واليدُ البيضاءُ والطوفانُ والجَرادُ والقُمّلُ والضفادعُ والدمُ ونقصُ الثمراتِ والأنفس ومنهم من جعلهما آيةً واحدةً وعدّ منها إظلالَ الجبل وليس كذلك فإنه لقبول أحكامِ التوراةِ حين أباه بنو إسرائيلَ والباءُ متعلقةٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من مفعول أرسلنا أو نعتاً لمصدره المؤكّد أي أرسلناه حال كونِه ملتبساً بآياتنا أو أرسلناه إرسالا ملتبسا بها
﴿وسلطان مُّبِينٍ﴾ هو المعجزاتُ الباهرةُ منها أو هو العصا والإفرادُ بالذكر لإظهار شرفِها لكونها أبهرَها أو المرادُ بالآيات ما عداها أو هما عبارتان عن شيء واحد أي أرسلناه بالجامع بين كونِه آياتِنا وبين كونِه سلطاناً له على نبوّته واضحاً في نفسه أو موضّحاً إياها من أبان لازماً ومتعدّياً أو هو الغلبةُ والاستيلاءُ كقوله تعالى وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا ويجوز أن يكون المرادُ ما بينَهُ عليه السَّلامُ في تضاعيف دعوتِه حين قال له فرعونُ مِنْ رَبّكُمَا فَمَا بَالُ القرون الاولى من الحقائق الرائقةِ والدقائقِ اللائقةِ وجعلُه عبارة عن التوراة أو إدراجها في جملة الآيات يردّه قوله عز وجل
﴿إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ فإن نزولَها إنما كان بعد مهلِك فرعونَ وقومِه قاطبةً ليعمل بها بنو إسرائيلَ فيما يأتُون وما يَذَرُون وأما فرعونُ وقومُه فإنما كانوا مأمورين بعبادة ربِّ العالمين عز سلطانه وترك العظيمةِ الشنعاءِ التي كانَ يدَّعِيها الطاغيةُ ويقبلُها منهُ فئتُه الباغيةُ وبإرسال بني إسرائيلَ من الأسرِ والقسر وتخصيصُ ملئه بالذكر مع عموم رسالتِه عليه السلام لقومه كافة لأصالتهم في الرأي وتدبيرِ الأمور واتباعِ غيرِهم لهم في الورود والصدور وإنما لم يصرَّح بكفر فرعونَ بآيات الله تعالى وانهماكه فيما كان عليه من الضلال والإضلال بل اقتصر على ذكر شأن ملئه فقيل
﴿فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ أي أمرَه بالكفر بما جاءَ به موسَى عليهِ السلام من الحق المبين للإيذان بوضوح حالِه فكأن كفرَه وأمْرَ ملئِه بذلك أمرٌ محققُ الوجودِ غيرُ محتاجٍ إلى الذكر صريحاً وإنما المحتاجُ إلى ذلك شأن ملئِه المترددين بين هادٍ إلى الحق وداعٍ إلى الضلال فنعى عليهم سوءَ اختيارِهم وإيرادُ الفاء في اتّباعهم المترتبِ على أمر فرعونَ المبنيِّ على كفره المسبوقِ بتبليغ الرسالةِ للإشعار بمفاجأتهم في الاتباع ومسارعةِ فرعونَ إلى الكفر وأمرِهم به فكأن ذلك كلّه لم يتراخَ عن الإرسال والتبليغِ بل وقع جميعُ ذلك في وقت واحد فوقع إثرَ ذلك اتباعُهم ويجوز أن يرادَ بأمر فرعونَ شأنُه المشهورُ وطريقتُه الزائغةُ فيكون معنى فاتبعوا فاستمرّوا على الاتّباع والفاءُ