تفسير سورة الكوثر

التفسير الشامل

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب التفسير الشامل
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مدنية، وقيل : مكية. وآياتها ثلاث.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إنا أعطيناك الكوثر ١ فصل لربك وانحر ٢ إن شانئك هو الأبثر ﴾.
يخبر الله رسوله الكريم بما منّ عليه من جزيل العطاء يوم القيامة وهو نهر الكوثر. وفي ذلك روى مسلم في صحيحه عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : " نزلت علي آنفا سورة " فقرأ ﴿ إنا أعطيناك الكوثر ١ فصل لربك وانحر ٢ إن شانئك هو الأبتر ﴾ ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم. فيختلج العبد منهم فأقول : إنه من أمتي. فقال : إنك لا تدري ما أحدث بعدك ".
قوله :﴿ فصلّ لربك وانحر ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها. أي فاعبد ربك بما خوّلك من نعمة وشرف، وأقم الصلوات المفروضة. وقيل : أدّ صلاة العيد يوم النحر ثم انحر نسكك. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينحر ثم يصلي، فأمر أن يصلي ثم ينحر. فالمراد بذلك صلاة العيد، ثم نحر الأضحية. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر نسكه ويقول : " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له ".
قوله :﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾ شانئك يعني مبغضك. يقال : شنأه يشنأه شنئا وشنانا أي أبغضه بغضا. والشانئ، المبغض١ والأبتر : الذي لا عقب له، وكل أمر انقطع من الخير أثره٢، وقد كانت العرب تسمي من كان له بنون وبنات ثم مات البنون وبقي البنات : أبتر. وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية أن العاص بن وائل وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه فقال له جمع من صناديد قريش : مع من كنت واقفا ؟ فقال : مع ذلك الأبتر. وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عيله وسلم وكان من خديجة، فأنزل الله جل جلاله ﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾ أي إن مبغضك يا محمد هو المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة.
وذكر عن ابن عباس قال : أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا : بتر فلان، فلما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد. فأنزل الله سبحانه ﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبتر. فهو سيد الأولين والآخرين، وهو إمام المهتدين والمتقين. وهو الذي ملأت الآفاق نسائم ذكره العاطر، واستحوذ اسمه وحبه على القلوب والألباب. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم البشرية وهاديها إلى سواء السبيل، وإمامها في الدنيا والآخرة، لهو المكرم المفضال الذي حفل بذكره ملكوت السماء والأرض.
أما ذلك الشقي الأثيم المبغض- وكل من هو على شاكلته من المبغضين الحاقدين المتربصين برسول الله صلى الله عليه وسلم السوء- لهو المقطوع الأثر من الخير، أو الذكر الحسن في الدنيا حيث اللعائن تتوالى عليه، فهي تترا. ثم هو في الآخرة صائر إلى جهنم وبئس الورد المورود٣.
١ مختار الصحاح ص ٣٤٨..
٢ مختار الصحاح ص ٤٠..
٣ تفسير الرازي جـ ٣٢ ص ١٢٠- ١٣٥ وتفسير القرطبي جـ ٢٠ ص ٢١٦- ٢٢٤..
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).