تفسير سورة الشمس

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة الشمس من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
( ٩١ ) سورة الشمس
مكية، وآيتها خمس عشرة
بسم الله الرحمان الرحيم
في هذه السورة ترغيب في تزكية النفوس وتطهيرها بالإيمان والطاعة. وترهيب من خسرانها بالكفر والمعاصي. وإنذار لكفار مكة وأضرابهم، أن يصيبهم من النكال ما أصاب ثمود حين كذبوا رسولهم، وعقروا الناقة، وهي آية الله على صدقه في رسالته. وقد أقسم الله تعالى فيها بكائنات عظيمة النفع والآثار في العالم العلوي والسفلي ؛ دالة بوجودها واختلاف أحوالها على كمال قدرته تعالى ووحدانيته. وأقسم بنفسه تعالى ؛ إذ كان سبحانه الموجد المبدع والمدبر لها. أو بفعله الحكيم المتقن

فقال :﴿ والشمس وضحاها ﴾ أقسم بالشمس، وهي من العظم والنفع للخلق بالمكان الذي لا يخفى. وبضحاها أي ضوئها، إذا أشرقت وارتفعت.
﴿ والقمر إذا تلاها ﴾ أي تبعها وخلفها في الإضاءة ؛ بأن يطلع مضيئا بعد غروبها آخذا من نورها، سواء كان ذلك من غير تراخ، وهو في النصف الأول من الشهر، أو بعد مدة وهو في النصف الثاني منه.
﴿ والنهار إذا جلاها ﴾ أي جلى الشمس وأظهرها ؛ فإنها تتجلى إذا انبسط النهار ومضت منه مدة، وهو وقت الضحى والضحاء. وقيل : جلى الدنيا ؛ أي وجه الأرض وما عليه.
﴿ والليل إذا يغشاها ﴾ أي يغشى الشمس فيغطى ضوءها، أو يغشى الدنيا بظلمته.
﴿ والسماء وما بناها ﴾ أي ومن أوجدها وأنشأها بقدرته. وإيثار " ما " على " من " لإرادة الوصفية تفخيما وتعظيما ؛ كأنه قيل : والقادر العظم الذي بناها.
﴿ والأرض وما طحاها ﴾ أي ومن بسطها من كل جانب، للاستقرار عليها ؛ كدحاها.
﴿ ونفس وما سواها ﴾ أي والنفوس ومن أنشأها وأبدعها مستعدة لكمالها ؛ وذلك بتعديل جميع قواها وأعضائها. وقيل : إن " ما " في الآيات الثلاث مصدرية ؛ فيكون القسم ببناء السماء وطحو الأرض وتسوية النفوس في الخلقة.
﴿ فألهمها فجورها وتقواها ﴾ عرفها ما ينبغي لها أن تأتى أو تذر من خير أو شر، أو طاعة أو معصية ؛ بحيث تميز رشدها من غيها.
﴿ قد أفلح من زكاها ﴾ جواب القسم، وحذفت منه اللام لطول الكلام المقتضى للتخفيف. أي لقد فاز بالمطلوب، ونجا من المكروه من أنمى نفسه وأعلاها بتطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال.
﴿ وقد خاب ﴾ أي خسر. ﴿ من دساها ﴾ نقصها وأخفاها بالفجور ؛ جهلا وفسوقا. وأصل دسى : دسّس، مبالغة في دس بعنى أخفى.
﴿ كذبت ثمود ﴾ نبيها. ﴿ بطغواها ﴾ أي بسبب طغيانها وتجاوز الحد بالكفر. مصدر كالطغيان ؛ واختير التعبير به لأنه أشبه برءوس الأى.
﴿ إذا انبعث أشقاها ﴾ أي قام مسرعا أشقى ثمود، وهو قدار بن سالف ومن معه من الأشقياء لعقر الناقة. وانبعث مطاوع بعث، تقول : بعثت فلانا على الأمر، إذا أرسلته ؛ فانبعث له.
﴿ ناقة الله وسقياها ﴾ أي احذروا عقر ناقة الله، واحذروا سقياها ؛ أي شربها الذي اختصها الله به في يومها، فلا تمنعوها عنه في نوبتها ولا تستأثروا به عليها ؛ منصوب على التحذير. والسقيا : مصدر كالرجعى.
﴿ فدمدم عليهم ربهم ﴾ أهلكهم وأطبق عليهم العذاب﴿ بذنبهم ﴾ وهو الكفر والعقر. يقال : دمدم عليه القبر، أي أطبقه، أو أتم العذاب عليهم. والدمدمة : إهلاك باستئصال. ﴿ فسواها ﴾ جعل الدمدمة عليهم سواء ؛ فلم يفلت منهم أحد إلا من آمن مع صالح عليه السلام.
﴿ ولا يخاف عقباها ﴾ أي ولا يخاف الله من أحد تبعة إهلاكهم ؛ كما يخاف المعاقبون من الملوك تبعة ما يفعلون. وفي ذلك غاية الاحتقار لهم.
والله أعلم.
سورة الشمس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الشَّمْسِ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشَّمْس)، وبيَّنتْ قدرةَ الله عز وجل، وتصرُّفَه في هذا الكون، وما جبَلَ عليه النفوسَ من الخير والشرِّ، وطلبت السورة الكريمة البحثَ عن تزكيةِ هذه النفس؛ للوصول للمراتب العليا في الدارَينِ، وخُتِمت بضربِ المثَلِ لعذاب الله لثمودَ؛ ليعتبِرَ المشركون، ويستجيبوا لأمر الله ويُوحِّدوه.

ترتيبها المصحفي
91
نوعها
مكية
ألفاظها
54
ترتيب نزولها
26
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
16
العد البصري
15
العد الكوفي
15
العد الشامي
15

* سورة (الشَّمْسِ):

سُمِّيت سورة (الشَّمْسِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشمس).

1. القَسَم العظيم وجوابه (١-١٠).

2. مثال مضروب (١١-١٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /149).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «تهديدُ المشركين بأنهم يوشك أن يصيبَهم عذابٌ بإشراكهم، وتكذيبِهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما أصاب ثمودًا بإشراكهم وعُتُوِّهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم إلى التوحيد.
وقُدِّم لذلك تأكيدُ الخبر بالقَسَم بأشياءَ معظَّمة، وذُكِر من أحوالها ما هو دليلٌ على بديعِ صُنْعِ الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيرُه؛ فهو دليلٌ على أنه المنفرِد بالإلهية، والذي لا يستحِقُّ غيرُه الإلهيةَ، وخاصةً أحوالَ النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضَّلال، والسعادة والشقاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /365).