تفسير سورة الكوثر

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحدادي اليمني .

﴿ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ ؛ الخطابُ للنبيِّ ﷺ، والكوثَرُ في اللغة : الخيرُ الكثير، وهو فَوْعَلُ من الكَثرَةِ كنَوْفَلٍ من النَّفلِ. واختلفوا في الكوثرِ في هذه السُّورة، قال ابنُ مسعودٍ :((أُريدَ بهِ الْقُرْآنَ))، وقال الحسنُ :((النُّبُوَّةُ وَرفَعَةُ الذِّكْرِ وَالنَّصْرُ عَلَى الأَعْدَاءِ)).
وعن أنسٍ وأبي سعيدٍ الخدري أنَّ النبي ﷺ قالَ :" رَأيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي نَهْراً فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ اللُّؤْلُؤُ - وَقِيْلَ : مِنَ الزُّبُرْجَدِ، وَقِيْلَ : مِنَ الذهَب - وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَطِينُهُ أطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ، وَمَاؤُهُ أشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا أبَداً ".
وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّها قالت :((الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، مَنْ أدْخَلَ إصْبعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ سَمِعَ خَرِيرَ ذلِكَ النَّهْرِ)).
والكوثرُ يصبُّ في حوضِ رسولِ الله ﷺ، وصفةُ الحوضِ : حصاؤُه الياقوتُ الأحمر، والزبرجدُ الأخضرُ، والدرُّ والمرجان، وَحَمْأَتُهُ المسكُ الأذفر، وترابه الكافورُ، ماؤهُ أشدُّ بَياضاً من اللبنِ وأحلى من العسلِ، وأبردُ من الثلجِ، يخرجُ من أصلِ سِدرَةِ المنتهى، عرضهُ وطوله ما بين المشرقِ والمغرب، وحولهُ من الآنيةِ والأباريق عددَ نجومِ السَّماء، لا يشربُ منه أحدٌ فيظمأُ بعدَهُ أبداً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ ؛ أي فاشكُرِ اللهَ على هذه النعمةِ العظيمة بالصَّلاة والنحرِ، قال ابنُ عبَّاس :((إنَّهُ أرَادَ بذلِكَ صَلاَةَ الْعِيْدِ، ثُمَّ نَحْرَ الْبُدْنِ يَوْمَ الأَضْحَى)). وَقِيْلَ : أرادَ بذلك صلاةَ الفجرِ في يوم النحرِ. وَقِيْلَ : أرادَ بذلك جميعَ الصَّلوات المكتوبةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ ؛ أي مُبغِضُكَ هو الأبترُ الذي لا عَقِبَ له ولا خيرَ له في الدُّنيا والآخرة، ونزلَ ذلك في العاصِ بن وائل السَّهمي، كان يكلِّمُ النبيَّ ﷺ على باب المسجد الحرام بعد موتِ عبدِالله بن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
فلما انطلقَ النبيُّ ﷺ قيل للعاصِ : مَن هذا الذي كُنتَ معه قَائماً تُكلِّمهُ ؟ قال : هذا الأبترُ محمد. يريدُ أنه ليس له ابنٌ يخلفُه ويقوم مقامَهُ، فأنزلَ اللهُ هذه السُّورة إكراماً للنبيِّ ﷺ وجواباً للخبيثِ، يقول : سَنُمِيتُهُ عن أهلهِ وماله فلا يُذكَرُ بخيرٍ أبداً، وأما أنتَ يا مُحَمَّدُ فقد جَعَلْتُ ذِكرَك مع ذكرِي فلا ينقطعُ ذِكرُكَ أبداً، والشَّانِئُ من الشَّنَئَانِ وهو البُغْضُ.
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).