تفسير سورة الكوثر

الجامع لأحكام القرآن

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب الجامع لأحكام القرآن
لمؤلفه القرطبي . المتوفي سنة 671 هـ

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر " قِرَاءَة الْعَامَّة.
" إِنَّا أَعْطَيْنَاك " بِالْعَيْنِ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف :" أَنْطَيْنَاك " بِالنُّونِ ; وَرَوَتْهُ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهِيَ لُغَة فِي الْعَطَاء ; أَنْطَيْته : أَعْطَيْته.
و " الْكَوْثَر " : فَوْعَل مِنْ الْكَثْرَة ; مِثْل النَّوْفَل مِنْ النَّفْل، وَالْجَوْهَر مِنْ الْجَهْر.
وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَثِير فِي الْعَدَد وَالْقَدْر وَالْخَطَر كَوْثَرًا.
قَالَ سُفْيَان : قِيلَ لِعَجُوزٍ رَجَعَ اِبْنهَا مِنْ السَّفَر : بِمَ آبَ اِبْنك ؟ قَالَتْ بِكَوْثَر ; أَيْ بِمَالٍ كَثِير.
وَالْكَوْثَر مِنْ الرِّجَال : السَّيِّد الْكَثِير الْخَيْر.
قَالَ الْكُمَيْت :
وَأَنْتَ كَثِير يَا بْن مَرْوَان طَيِّب وَكَانَ أَبُوك اِبْن الْعَقَائِل كَوْثَرَا
وَالْكَوْثَر : الْعَدَد الْكَثِير مِنْ الْأَصْحَاب وَالْأَشْيَاع.
وَالْكَوْثَر مِنْ الْغُبَار : الْكَثِير.
وَقَدْ تَكَوْثَرَ إِذَا كَثُرَ ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقَدْ ثَارَ نَقْع الْمَوْت حَتَّى تَكَوْثَرَا
الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكَوْثَر الَّذِي أُعْطِيَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِتَّة عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّل : أَنَّهُ نَهَر فِي الْجَنَّة ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْكَوْثَر : نَهَر فِي الْجَنَّة، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَب، وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرّ وَالْيَاقُوت، تُرْبَته أَطْيَب مِنْ الْمِسْك، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَبْيَض مِنْ الثَّلْج ).
هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
الثَّانِي : أَنَّهُ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْقِف ; قَالَهُ عَطَاء.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَة، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَك يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَة - فَقَرَأَ - بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم :" إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر.
فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ.
إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر " - ثُمَّ قَالَ - أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر ؟.
قُلْنَا اللَّه وَرَسُول أَعْلَم.
قَالَ : فَإِنَّهُ نَهَر وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْر كَثِير هُوَ حَوْض تَرِد عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة آنِيَته عَدَد النُّجُوم، فَيُخْتَلَج الْعَبْد مِنْهُمْ فَأَقُول إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدك.
وَالْأَخْبَار فِي حَوْضه فِي الْمَوْقِف كَثِيرَة، ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة ".
وَأَنَّ عَلَى أَرْكَانه الْأَرْبَعَة خُلَفَاءَهُ الْأَرْبَعَة ; رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ.
وَأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ يَسْقِهِ الْآخَر، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَنْ يَطَّرِد عَنْهُ.
فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوف عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلَهُ هُنَاكَ.
ثُمَّ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى ذَلِكَ النَّهَر أَوْ الْحَوْض كَوْثَرًا، لِكَثْرَةِ الْوَارِدَة وَالشَّارِبَة مِنْ أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام هُنَاكَ.
وَيُسَمَّى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْر الْكَثِير وَالْمَاء الْكَثِير.
الثَّالِث : أَنَّ الْكَوْثَر النُّبُوَّة وَالْكِتَاب ; قَالَهُ عِكْرِمَة.
الرَّابِع : الْقُرْآن ; قَالَهُ الْحَسَن.
الْخَامِس : الْإِسْلَام ; حَكَاهُ الْمُغِيرَة.
السَّادِس : تَيْسِير الْقُرْآن وَتَخْفِيف الشَّرَائِع ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل.
السَّابِع : هُوَ كَثْرَة الْأَصْحَاب وَالْأُمَّة وَالْأَشْيَاع ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش وَيَمَان بْن رِئَاب.
الثَّامِن : أَنَّهُ الْإِيثَار ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان.
التَّاسِع : أَنَّهُ رِفْعَة الذِّكْر.
حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ.
الْعَاشِر : أَنَّهُ نُور فِي قَلْبك دَلَّك عَلَيَّ، وَقَطَعَك عَمَّا سِوَايَ.
وَعَنْهُ : هُوَ الشَّفَاعَة ; وَهُوَ الْحَادِي عَشَرَ.
وَقِيلَ : مُعْجِزَات الرَّبّ هُدِيَ بِهَا أَهْل الْإِجَابَة لِدَعْوَتِك ; حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ، وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ.
الثَّالِث عَشَرَ : قَالَ هِلَال بْن يَسَاف : هُوَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه.
وَقِيلَ : الْفِقْه فِي الدِّين.
وَقِيلَ : الصَّلَوَات الْخَمْس ; وَهُمَا الرَّابِع عَشَرَ وَالْخَامِس عَشَرَ.
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : هُوَ الْعَظِيم مِنْ الْأَمْر ; وَذَكَرَ بَيْت لَبِيد :
وَصَاحِب مَلْحُوب فُجِعْنَا بِفَقْدِهِ وَعِنْد الرَّدَاع بَيْت آخَر كَوْثَر
أَيْ عَظِيم.
قُلْت : أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال الْأَوَّل وَالثَّانِي ; لِأَنَّهُ ثَابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصّ فِي الْكَوْثَر.
وَسَمِعَ أَنَس قَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَوْض فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى أَنْ أَعِيش حَتَّى أَرَى أَمْثَالكُمْ يَتَمَارَوْنَ فِي الْحَوْض، لَقَدْ تَرَكْت عَجَائِز خَلْفِي، مَا تُصَلِّي اِمْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا سَأَلَتْ اللَّه أَنْ يَسْقِيهَا مِنْ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي حَوْضه يَقُول الشَّاعِر :
يَا صَاحِب الْحَوْض مَنْ يُدَانِيكَا وَأَنْتَ حَقًّا حَبِيب بَارِيكَا
وَجَمِيع مَا قِيلَ بَعْد ذَلِكَ فِي تَفْسِيره قَدْ أُعْطِيَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَة عَلَى حَوْضه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" فَصَلِّ " أَيْ أَقِمْ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة عَلَيْك ; كَذَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ قَتَادَة وَعَطَاء وَعِكْرِمَة :" فَصَلِّ لِرَبِّك " صَلَاة الْعِيد وَيَوْم النَّحْر.
" وَانْحَرْ " نُسُكك.
وَقَالَ أَنَس : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَر ثُمَّ يُصَلِّي، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّي ثُمَّ يَنْحَر.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا : صَلِّ لِرَبِّك صَلَاة الصُّبْح الْمَفْرُوضَة بِجَمْعٍ، وَانْحَرْ الْبُدْن بِمِنًى، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا : نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَة حِين حُصِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْت، فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُصَلِّي وَيَنْحَر الْبُدْن وَيَنْصَرِف ; فَفَعَلَ ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَصَلِّ " : الصَّلَوَات الْخَمْس ; فَلِإِنَّهَا رُكْن الْعِبَادَات، وَقَاعِدَة الْإِسْلَام، وَأَعْظَم دَعَائِم الدِّين.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّهَا صَلَاة الصُّبْح بِالْمُزْدَلِفَةِ ; فَلِأَنَّهَا مَقْرُونَة بِالنَّحْرِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم، وَلَا صَلَاة فِيهِ قَبْل النَّحْر غَيْرهَا ; فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ مِنْ جُمْلَة الصَّلَوَات لِاقْتِرَانِهَا بِالنَّحْرِ ".
قُلْت : وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاة الْعِيد ; فَذَلِكَ بِغَيْرِ مَكَّة ; إِذْ لَيْسَ بِمَكَّة صَلَاة عِيد بِإِجْمَاعٍ، فِيمَا حَكَاهُ اِبْن عُمَر.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَأَمَّا مَالِك فَقَالَ : مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَاَلَّذِي يَقَع فِي نَفْسِي أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ صَلَاة يَوْم النَّحْر، وَالنَّحْر بَعْدهَا.
وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُحَمَّد بْن كَعْب : الْمَعْنَى ضَعْ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى حِذَاء النَّحْر فِي الصَّلَاة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَيْضًا : أَنْ يَرْفَع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِير إِلَى نَحْره.
وَكَذَا قَالَ جَعْفَر بْن عَلِيّ :" فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ " قَالَ : يَرْفَع يَدَيْهِ أَوَّل مَا يُكَبِّر لِلْإِحْرَامِ إِلَى النَّحْر.
وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ " قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل :[ مَا هَذِهِ النَّحِيرَة الَّتِي أَمَرَنِي اللَّه بِهَا ] ؟ قَالَ :[ لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَأْمُرك إِذَا تَحَرَّمْت لِلصَّلَاةِ، أَنْ تَرْفَع يَدَيْك إِذَا كَبَّرْت، وَإِذَا رَفَعْت رَأْسك مِنْ الرُّكُوع، وَإِذَا سَجَدْت، فَإِنَّهَا صَلَاتنَا وَصَلَاة الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ فِي السَّمَوَات السَّبْع، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْء زِينَة، وَإِنَّ زِينَة الصَّلَاة رَفْع الْيَدَيْنِ عِنْد كُلّ تَكْبِيرَة ].
وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : اِسْتَقْبِلْ الْقِبْلَة بِنَحْرِك ; وَقَالَهُ الْفَرَّاء وَالْكَلْبِيّ وَأَبُو الْأَحْوَص.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَبَا حَكَم مَا أَنْتَ عَمّ مُجَالِد وَسَيِّد أَهْل الْأَبْطَحِ الْمُتَنَاحِر
أَيْ الْمُتَقَابِل.
قَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت بَعْض الْعَرَب يَقُول : مَنَازِلنَا تَتَنَاحَر ; أَيْ تَتَقَابَل، نَحْر هَذَا بِنَحْرِ هَذَا ; أَيْ قُبَالَته.
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هُوَ اِنْتِصَاب الرَّجُل فِي الصَّلَاة بِإِزَاءِ الْمِحْرَاب ; مِنْ قَوْلهمْ : مَنَازِلهمْ تَتَنَاحَر ; أَيْ تَتَقَابَل.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء قَالَ : أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَوِي بَيْن السَّجْدَتَيْنِ جَالِسًا حَتَّى يَبْدُو نَحْره.
وَقَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ : يَعْنِي وَارْفَعْ يَدك بِالدُّعَاءِ إِلَى نَحْرك.
وَقِيلَ :" فَصَلِّ " مَعْنَاهُ : وَاعْبُدْ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ :" إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر.
فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ " يَقُول : إِنَّ نَاسًا يُصَلُّونَ لِغَيْرِ اللَّه، وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِ اللَّه ; وَقَدْ أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر، فَلَا تَكُنْ صَلَاتك وَلَا نَحْرك إِلَّا لِلَّهِ.
قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ : اُعْبُدْ رَبّك، وَانْحَرْ لَهُ، فَلَا يَكُنْ عَمَلك إِلَّا لِمَنْ خَصَّك بِالْكَوْثَرِ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُون جَمِيع الْعَمَل يُوَازِي هَذِهِ الْخُصُوصِيَّة مِنْ الْكَوْثَر، وَهُوَ الْخَيْر الْكَثِير، الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّه، أَوْ النَّهَر الَّذِي طِينه مِسْك، وَعَدَد آنِيَته نُجُوم السَّمَاء ; أَمَّا أَنْ يُوَازِي هَذَا صَلَاة يَوْم النَّحْر، وَذَبْح كَبْش أَوْ بَقَرَة أَوْ بَدَنَة، فَذَلِكَ يَبْعُد فِي التَّقْدِير وَالتَّدْبِير، وَمُوَازَنَة الثَّوَاب لِلْعِبَادَةِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الثَّانِيَة : قَدْ مَضَى الْقَوْل فِي سُورَة " الصَّافَّات " فِي الْأُضْحِيَّة وَفَضْلهَا، وَوَقْت ذَبْحهَا ; فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ.
وَذَكَرْنَا أَيْضًا فِي سُورَة " الْحَجّ " جُمْلَة مِنْ أَحْكَامهَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَمِنْ عَجِيب الْأَمْر : أَنَّ الشَّافِعِيّ قَالَ : إِنَّ مَنْ ضَحَّى قَبْل الصَّلَاة أَجْزَأَهُ، وَاَللَّه تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه :" فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ "، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْل النَّحْر، وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْره، عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب، قَالَ :( أَوَّل مَا نَبْدَأ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا : نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِع فَنَنْحَر، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ نُسُكنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْل، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْم قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنْ النُّسُك فِي شَيْء ).
وَأَصْحَابه يُنْكِرُونَهُ، وَحَبَّذَا الْمُوَافَقَة.
الثَّالِثَة : وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام " فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ " قَالَ : وَضْع الْيَمِين عَلَى الشِّمَال فِي الصَّلَاة ( خَرَّجَهُ الدَّار قُطْنِيّ )، فَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : لَا تُوضَع فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَاب الِاعْتِمَاد.
وَلَا يَجُوز فِي الْفَرْض، وَلَا يُسْتَحَبّ فِي النَّفْل.
الثَّانِي : لَا يَفْعَلهَا فِي الْفَرِيضَة، وَيَفْعَلهَا فِي النَّافِلَة اِسْتِعَانَة ; لِأَنَّهُ مَوْضِع تَرَخُّص.
الثَّالِث : يَفْعَلهَا فِي الْفَرِيضَة وَالنَّافِلَة.
وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى مِنْ حَدِيث وَائِل بْن حُجْر وَغَيْره.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ.
وَاسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَصْحَاب الرَّأْي.
وَرَأَتْ جَمَاعَة إِرْسَال الْيَد.
وَمِمَّنْ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ اِبْن الْمُنْذِر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ.
قُلْت : وَهُوَ مَرْوِيّ أَيْضًا عَنْ مَالِك.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : إِرْسَال الْيَدَيْنِ، وَوَضْع الْيُمْنَى عَلَى الشِّمَال، كُلّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّة الصَّلَاة.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِع الَّذِي تُوضَع عَلَيْهِ الْيَد ; فَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : أَنَّهُ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْره.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : فَوْق السُّرَّة.
وَقَالَ : لَا بَأْس إِنْ كَانَتْ تَحْت السُّرَّة.
وَقَالَتْ طَائِفَة : تُوضَع تَحْت السُّرَّة.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَة وَالنَّخَعِيّ وَأَبِي مِجْلَزٍ.
وَبِهِ قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَإِسْحَاق.
الْخَامِسَة : وَأَمَّا رَفْع الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِير عِنْد الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْ الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْ الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ ; فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث حُمَيْد عَنْ أَنَس قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَع يَدَيْهِ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاة، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع، وَإِذَا سَجَدَ.
لَمْ يَرْوِهِ عَنْ حُمَيْد مَرْفُوعًا إِلَّا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ.
وَالصَّوَاب : مِنْ فِعْل أَنَس.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر، قَالَ : رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى تَكُونَا حَذْو مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّر، وَكَانَ يَفْعَل ذَلِكَ حِين يُكَبِّر لِلرُّكُوع، وَيَفْعَل ذَلِكَ حِين يَرْفَع رَأْسه مِنْ الرُّكُوع، وَيَقُول سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ.
وَلَا يَفْعَل ذَلِكَ حِين يَرْفَع رَأْسه مِنْ السُّجُود.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا قَوْل اللَّيْث بْن سَعْد، وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبِي ثَوْر.
وَحَكَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك هَذَا الْقَوْل.
وَبِهِ أَقُول ; لِأَنَّهُ الثَّابِت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : يَرْفَع الْمُصَلِّي يَدَيْهِ حِين يَفْتَتِح الصَّلَاة، وَلَا يَرْفَع فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.
هَذَا قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي.
قُلْت : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك ; لِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود ; ( خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل )، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَابِر عَنْ حَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ; فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيهمْ إِلَّا أَوَّلًا عِنْد التَّكْبِيرَة الْأُولَى فِي اِفْتِتَاح الصَّلَاة.
قَالَ إِسْحَاق : بِهِ نَأْخُذ فِي الصَّلَاة كُلّهَا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّد بْن جَابِر ( وَكَانَ ضَعِيفًا ) عَنْ حَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم.
وَغَيْر حَمَّاد يَرْوِيه عَنْ إِبْرَاهِيم مُرْسَلًا عَنْ عَبْد اللَّه، مِنْ فِعْله، غَيْر مَرْفُوع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَدْ رَوَى يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاء : أَنَّهُ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اِفْتَتَحَ الصَّلَاة رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بِهِمَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ :[ وَإِنَّمَا ] لُقِّنَ يَزِيد فِي آخِر عُمْره : ثُمَّ لَمْ يَعُدْ ; فَتَلَقَّنَهُ وَكَانَ قَدْ اِخْتَلَطَ.
وَفِي ( مُخْتَصَر مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَر ) عَنْ مَالِك : لَا يَرْفَع الْيَدَيْنِ فِي شَيْء مِنْ الصَّلَاة.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَلَمْ أَرَ مَالِكًا يَرْفَع يَدَيْهِ عِنْد الْإِحْرَام، قَالَ : وَأَحَبّ إِلَيَّ تَرْك رَفْع الْيَدَيْنِ عِنْد الْإِحْرَام.
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
أَيْ مُبْغِضك ; وَهُوَ الْعَاص بْن وَائِل.
وَكَانَتْ الْعَرَب تُسَمِّي مَنْ كَانَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَات، ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ وَبَقِيَ الْبَنَات : أَبْتَر.
فَيُقَال : إِنَّ الْعَاص وَقَفَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمهُ، فَقَالَ لَهُ جَمْع مِنْ صَنَادِيد قُرَيْش : مَعَ مَنْ كُنْت وَاقِفًا ؟ فَقَالَ : مَعَ ذَلِكَ الْأَبْتَر.
وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْل ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنْ خَدِيجَة ; فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ شَأْنه :" إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر " أَيْ الْمَقْطُوع ذِكْره مِنْ خَيْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَذَكَرَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا مَاتَ اِبْن الرَّجُل قَالُوا : بُتِرَ فُلَان.
فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيم اِبْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ أَبُو جَهْل إِلَى أَصْحَابه، فَقَالَ : بُتِرَ مُحَمَّد ; فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر " يَعْنِي بِذَلِكَ أَبَا جَهْل.
وَقَالَ شِمْر بْن عَطِيَّة : هُوَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط.
وَقِيلَ : إِنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَقُولُونَ لِمَنْ مَاتَ ذُكُور وَلَده : قَدْ بُتِرَ فُلَان.
فَلَمَّا مَاتَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنه الْقَاسِم : بِمَكَّة، وَإِبْرَاهِيم بِالْمَدِينَةِ، قَالُوا : بُتِرَ مُحَمَّد، فَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُوم بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْده ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ; قَالَ السُّدِّيّ وَابْن زَيْد.
وَقِيلَ : إِنَّهُ جَوَاب لِقُرَيْشٍ حِين قَالُوا لِكَعْبِ بْن الْأَشْرَف لَمَّا قَدِمَ مَكَّة : نَحْنُ أَصْحَاب السِّقَايَة وَالسَّدَانَة وَالْحِجَابَة وَاللِّوَاء، وَأَنْتَ سَيِّد أَهْل الْمَدِينَة، فَنَحْنُ خَيْر أَمْ هَذَا الصُّنَيْبِر الْأُبَيْتِر مِنْ قَوْمه ؟ قَالَ كَعْب : بَلْ أَنْتُمْ خَيْر ; فَنَزَلَتْ فِي كَعْب :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت " [ النِّسَاء : ٥١ ] الْآيَة.
وَنَزَلَتْ فِي قُرَيْش :" إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر " ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَعِكْرِمَة.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَوْحَى إِلَى رَسُوله، وَدَعَا قُرَيْشًا إِلَى الْإِيمَان، قَالُوا : اِنْبَتَرَ مِنَّا مُحَمَّد ; أَيْ خَالَفَنَا وَانْقَطَعَ عَنَّا.
فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمَبْتُورُونَ ; قَالَهُ أَيْضًا عِكْرِمَة وَشَهْر بْن حَوْشَب.
قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْأَبْتَر مِنْ الرِّجَال : الَّذِي لَا وَلَد لَهُ، وَمِنْ الدَّوَابّ الَّذِي لَا ذَنْب لَهُ.
وَكُلّ أَمْر اِنْقَطَعَ مِنْ الْخَيْر أَثَره، فَهُوَ أَبْتَر.
وَالْبَتْر : الْقَطْع.
بَتَرْت الشَّيْء بَتْرًا : قَطَعْته قَبْل الْإِتْمَام.
وَالِانْبِتَار : الِانْقِطَاع.
وَالْبَاتِر : السَّيْف الْقَاطِع.
وَالْأَبْتَر : الْمَقْطُوع الذَّنَب.
تَقُول مِنْهُ : بُتِرَ [ بِالْكَسْرِ ] يُبْتَر بَتْرًا.
وَفِي الْحَدِيث [ مَا هَذِهِ الْبُتَيْرَاء ].
وَخَطَبَ زِيَاد خُطْبَته الْبَتْرَاء ; لِأَنَّهُ لَمْ يُمَجِّد اللَّه فِيهَا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
اِبْن السِّكِّيت : الْأَبْتَرَانِ : الْعِير وَالْعَبْد ; قَالَ سُمِّيَا أَبْتَرَيْنِ لِقِلَّةِ خَيْرهمَا.
وَقَدْ أَبْتَرَهُ اللَّه : أَيْ صَيَّرَهُ أَبْتَر.
وَيُقَال : رَجُل أُبَاتِر بِضَمِّ الْهَمْزَة : الَّذِي يَقْطَع رَحِمَهُ قَالَ الشَّاعِر :
لَئِيم نَزَتْ فِي أَنْفه خُنْزُوَانَة عَلَى قَطْع ذِي الْقُرْبَى أَحَدّ أُبَاتِر
وَالْبُتَرِيَّة : فِرْقَة مِنْ الزَّيْدِيَّة ; نُسِبُوا إِلَى الْمُغِيرَة بْن سَعْد، وَلَقَبه الْأَبْتَر.
وَأَمَّا الصُّنْبُور فَلَفْظ مُشْتَرَك.
قِيلَ : هُوَ النَّخْلَة تَبْقَى مُنْفَرِدَة، وَيَدُقّ أَسْفَلهَا وَيَتَقَشَّر ; يُقَال : صَنْبَرَ أَسْفَل النَّخْلَة.
وَقِيلَ : هُوَ الرَّجُل الْفَرْد الَّذِي لَا وَلَد لَهُ وَلَا أَخ.
وَقِيلَ : هُوَ مَثْعَب الْحَوْض خَاصَّة ; حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد.
وَأَنْشَدَ :
مَا بَيْن صُنْبُور إِلَى الْإِزَاء
وَالصُّنْبُور : قَصَبَة تَكُون فِي الْإِدَاوَة مِنْ حَدِيد أَوْ رَصَاص يُشْرَب مِنْهَا.
حَكَى جَمِيعه الْجَوْهَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).