تفسير سورة الكوثر

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله تعالى :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ ؛ قال الحسن :" صلاة يوم النحر، ونَحْرُ البُدْنِ ". وقال عطاء ومجاهد :" صَلِّ الصبح بجَمْعٍ، وانحر البُدْنَ بمِنّى ". قال أبو بكر : وهذا التأويل يتضمن معنيين، أحدهما : إيجاب صلاة الأضحى، والثاني : وجوب الأضحية، وقد ذكرناه فيما سلف. وروى حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن أبيه عن عليّ ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ قال :" وضع اليد اليمنى على الساعد الأيسر، ثم وضعه على صدره ". وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ قال :" وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة ". ورُوي عن عطاء أنه رَفْعُ اليدين في الصلاة. وقال الفرّاء :" يقال : اسْتَقْبِلِ القبلةَ بنَحْرِكَ ".
فإن قيل : يُبْطِلُ التأويلَ الأولَ حديث البراء بن عازب قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى إلى البَقيع، فبدأ فصلَّى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وقال :" إِنَّ أَوّلَ نُسُكِنَا في يَوْمِنَا هذا أَنْ نَبْدَأَ بالصَّلاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، ومَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فإنّما هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيء "، فسمَّى صلاة العيد والنحر سُنّة، فدلّ على أنه لم يؤمر بهما في الكتاب. قيل له : ليس كما ظننتَ ؛ لأن ما سنَّهُ الله وفرضه فجائز أن نقول : هذا سنّتنا، وهذا فَرْضُنا، كما نقول هذا ديننا وإن كان الله فرضه علينا، وتأويل من تأوله على حقيقة نَحْرِ البُدْنِ أوْلى ؛ لأنه حقيقة اللفظ، ولأنه لا يعقل بإطلاق اللفظ غيره، لأن من قال :" نَحَرَ فلان اليوم " عُقِلَ منه نَحْر البدن ولم يُعقل منه وضع اليمين على اليسار ؛ ويدل على أن المراد الأوّل اتفاق الجميع على أنه لا يضع يده عند النحر. وقد رُوي عن عليّ وأبي هريرة وضع اليمين على اليسار أسفل السُّرَّةِ، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع يمينه على شماله في الصلاة من وجوه كثيرة.
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).