تفسير سورة الكوثر

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الكوثر
مكية. وهي ثلاث آيات. ومناسبتها : أنه تعالى لما ذم أهل البخل، أمر رسوله بالسخاء، ولما كان لا يظهر إلا في أعز ما عند الإنسان، أمره بنحر الإبل ؛ لأنها كانت أعز ما عندهم، فقال تعالى :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾*﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾*﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثرَ ﴾ أي : الخير الكثير، مَن شرف النبوة الجامعة لخير الدارين، والرئاسة العامة، وسعادة الدنيا والآخرة، " فَوْعل " من الكثرة. وقيل : هو نهر في الجنة، أحلى من العسل، وأشد بياضاً منَ اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافتاه : اللؤلؤ والزبرجد، وأوانيه من فضّةٍ عدد نجوم السماء، لا يظمأ مَن شرب منه أبداً، وأول وارديه : فقراء المهاجرين، الدنسو الثياب، الشعث الرؤوس، الذي لا يتزوّجون المنعَّمات، ولا يفتح لهم أبواب الشُدد أي : أبواب الملوك لخمولهم، يموت أحدهم وحاجته تلجلج في صدره، لو أقسم على الله لأبرَّه. ه.
وفسَّره ابن عباس بالخير الكثير، فقيل له : إنَّ الناس يقولون : هو نهر في الجنة، فقال : النهر من ذلك الخير، وقيل : هو : كثرة أولاده وأتباعه، أو علماء أمته، أو : القرآن الحاوي لخيَري الدنيا والدين.
رُوي : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يا رب اتخذت إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، فبماذا خصصتني ؟ " فنزلت :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ( ٦ ) ﴾ [ الضحى : ٦ ]، فلم يكتفِ بذلك، فنزلت :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ فلم يكتفِ بذلك، وحُقَّ له ألاَّ يكتفي ؛ لأنَّ القناعة من الله حرمان، والركون إلى الحال يقطع المزيد، فنزل جبريلُ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ الله تبارك وتعالى يقرئك السلام، ويقول لك : إن كنتُ اتخذتُ إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، فقد اتخذتك حبيباً، فوعزتي وجلالي لأختارن حبيبي على خليلي وكليمي، فسكن صلى الله عليه وسلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُقال لخليفة الرسول، الذي تَخلَّق بخُلقه، وكان على قدمه : إنَّا أعطيناك الكوثر : الخير الكثير ؛ لأنَّ مَن ظفر بمعرفة الله فقد حاز الخير كله " ماذا فقد مَن وجدك "، فَصَلّ لربك صلاة القلوب، وانحر نفسك وهواك، إنَّ شانئك ومُبغضك هو الأبتر، وأمَّا أنت فذكرك دائم، وحياتك لا تنقطع ؛ لأنَّ موت أهل التُقى حياة لا فناء بعدها. وقال الجنيد : إن شانئك هو الأبتر، أي : المنقطع عن بلوغ أمله فيك. هـ. وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله.
والفاء في قوله :﴿ فَصَلِّ لربك وانْحَرْ ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإنَّ إعطاءه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام ما ذكر من العطية التي لم يُعطها ولن يُعطها أحد من العالمين، مستوجبة للمأمور به، أيّ استيجاب، أي : فدُم على الصلاة لربك، الذي أفاض عليك هذه النِعم الجليلة، التي لا تُضاهيها نعمة، خالصاً لوجهه، خلافاً للساهين المرائين فيها، لتقوم بحقوق شكرها، فإنَّ الصلاة جامعة لجميع أقسام الشكر. ﴿ وانْحَرْ ﴾ البُدن، التي هي خيار أموال العرب، وتصدَّق على المحاويج، خلافاً لمَن يَدَعَهم ويمنعهم ويمنع عنهم الماعون. وعن عطية : هي صلاة الفجر بجَمْعٍ، والنحر بمِنى، وقيل : صلاة العيد والضَحية، وقيل : هي جنس الصلاة، والنحر وضْعُ اليمين على الشمال تحت نحره. وقيل : هو أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره. وعن ابن عباس : استقبل القبلة بنحرك، أي : في الصلاة، وقاله الفراء والكلبي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُقال لخليفة الرسول، الذي تَخلَّق بخُلقه، وكان على قدمه : إنَّا أعطيناك الكوثر : الخير الكثير ؛ لأنَّ مَن ظفر بمعرفة الله فقد حاز الخير كله " ماذا فقد مَن وجدك "، فَصَلّ لربك صلاة القلوب، وانحر نفسك وهواك، إنَّ شانئك ومُبغضك هو الأبتر، وأمَّا أنت فذكرك دائم، وحياتك لا تنقطع ؛ لأنَّ موت أهل التُقى حياة لا فناء بعدها. وقال الجنيد : إن شانئك هو الأبتر، أي : المنقطع عن بلوغ أمله فيك. هـ. وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله.
﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾ أي : مُبغضك كائناً مَن كان ﴿ هو الأبْتَرُ ﴾ الذي لا عَقِب له، حيث لم يبق له نسْل، ولا حُسن ذكر، وأمّا أنت فتبقى ذريتك، وحُسن صيتك، وآثار فضلك إلى يوم القيامة ؛ لأنَّ كل مَن يُولد مِن المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذِكْرك مرفوع على المنابر، وعلى لسان كل عالم وذاكر، إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله، ويُثني بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يندرج تحت البيان، فمثلك لا يقال فيه : أبتر، إنما الأبتر شانئك المَنْسي في الدنيا والآخرة.
قيل : نزلت في العاص بن وائل، كان يُسَمِّي النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه " عبد الله " : أبتر، ووقف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له : مع مَن كنت واقفاً ؟ فقال : مع ذلك الأبتر، وكذلك سمّته قريش أبتر وصُنبوراً، ولمّا قَدِمَ كعب بن الأشرف لعنه الله لمكة، يُحرِّض قريشاً عليه صلى الله عليه وسلم قالوا له : نحن أهل السِّقايةِ والسِّدَانة، وأنت سَيِّدُ أهل المدينة، فنحن خير أمْ هذا الصنبور المُنْبَتِر من قومه ؟ فقال : أنتم خير، فنزلت في كعب :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ. . ﴾ [ النساء : ٥١ ]، الآية، ونزلت فيهم :﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُقال لخليفة الرسول، الذي تَخلَّق بخُلقه، وكان على قدمه : إنَّا أعطيناك الكوثر : الخير الكثير ؛ لأنَّ مَن ظفر بمعرفة الله فقد حاز الخير كله " ماذا فقد مَن وجدك "، فَصَلّ لربك صلاة القلوب، وانحر نفسك وهواك، إنَّ شانئك ومُبغضك هو الأبتر، وأمَّا أنت فذكرك دائم، وحياتك لا تنقطع ؛ لأنَّ موت أهل التُقى حياة لا فناء بعدها. وقال الجنيد : إن شانئك هو الأبتر، أي : المنقطع عن بلوغ أمله فيك. هـ. وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله.
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).