تفسير سورة الكوثر

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها ثلاث.
بسم الله الرحمان الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر ( ١ ) فصل لربك وانحر ( ٢ ) إن شانئك هو الأبتر ( ٣ )
سورة الكوثر
وتسمى سورة النحر، وهي أقصر سورة في القرآن.

﴿ إن أعطيناك الكوثر ﴾ امتن الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الكوثر ؛ أي بتخصيصه به وبأمته يوم القيامة. وهو كما في صحيح البخاري : نهر في الجنة. وقيل : هو حوضه صلى الله عليه وسلم في المحشر. وقيل : هو امتنان بإعطائه الخير الكثير، والنعم الدنيوية والأخروية من الفضائل. فيندرج في ذلك : النهر والحوض، والنبوة والحكمة، والقرآن وسائر المعجزات، والخلق العظيم ورفعة الذكر، والنصر على الأعداء وكثرة الفتوحات، وإظهار الإسلام على الأديان، وكثرة الأصحاب والأتباع، والمقام المحمود وهو الشفاعة العظمى يوم القيامة. وتفسيره في الحديث بالنهر إنما هو من باب التمثيل. والكوثر : فوعل من الكثرة ؛ مثل النوفل من النفل، ومعناه : الشيء البالغ في الكثرة حد الإفراط، والعرب تسمي كل شيء في كثير في العدد، أو كثير القدر والخطر : كوثرا.
﴿ فصل لربك وانحر ﴾ أي وإذ أعطاك الله ما لم يعط أحدا من العالمين، فدم على جعل صلاتك كلها لربك خالصا لوجهه دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ونحرك البدن التي هي خيار الأموال له تعالى دون الأوثان ؛ شكرا له تعالى على ما أعطاك من الكرامة، وخصك به من الخير الكثير ؛ خلافا لما يفعله من كفر بالله من عبادة غيره والنحر للأوثان. والمراد : النحر للنسك في يوم الأضحى. وعن ابن عباس تفسير " وانحر " باستقبل القبلة في الصلاة بنحرك. وروي تفسيرها بارفع يديك إذا كبرت في الصلاة إلى نحرك.
﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾ الشانئ : المبغض. يقال : شنأه – كسمعه ومنعه – شنئا
- ويثلث – أبغضه. والأبتر في الأصل : مقطوع الذنب، ثم أجري قطع العقب مجراه ؛ فقيل : فلان أبتر، إذا لم يكن له عقب يخلفه. ورجل أبتر : أي انقطع ذكره عن الخير ؛ من البتر وهو القطع. يقال : بترت الشيء بترا، إذا قطعته قبل الإتمام. والمعنى : أن مبغضك هو الأبتر المنقطع عن كل خير. أو الذي لا يبقى له عقب ونسل، ولا حسن ذكر. وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن ذكرك، وآثار فضلك إلى يوم القيامة. وقد حقق الله ذلك في شانئيه صلى الله عليه وسلم. قيل : نزلت في العاص بن وائل، سمى النبي صلى الله عليه وسلم أبتر حين مات ابنه القاسم، وهو أول مولود له قبل النبوة في قول. وعمم شيخ الإسلام ابن تيمية كلا من الشانئ والأبتر فقال : إنه سبحانه يبتر شانئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خير ؛ ويبتر أهله وماله، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يؤهله لمعرفته تعالى ومحبته، ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعته، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا، ويبتره من جميع القرب فلا يذوق لها طعما، ولا يجد لها حلاوة. والأولى التعميم.
والله أعلم.
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).