تفسير سورة الكوثر

التفسير الوسيط لطنطاوي

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط لطنطاوي.
لمؤلفه محمد سيد طنطاوي . المتوفي سنة 1431 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الكوثر
مقدمة وتمهيد
سورة " الكوثر " وتسمى –أيضاً- سورة " النحر "، تعتبر أقصر سورة في القرآن الكريم، وهي من السور المكية عند الجمهور، وقيل : مدنية.
قال بعض العلماء : والأظهر أن هذه السورة مدنية، وعلى هذا سنسير في تفسير آياتها، وعلى القول بأنها مكية عددها الخامسة عشرة، في عداد نزول السور، نزلت بعد سورة " العاديات "، وقيل : سورة " التكاثر "، وعلى القول بأنها مدنية، فقد قيل : إنها نزلت في الحديبية. وعدد آياتها ثلاث آيات بالاتفاق( ١ ).
١ - تفسير التحرير والتنوير ج ٣٠ ص ٥٦١ للشيخ محمد الطاهر بن عاشور..

التفسير قال الله- تعالى-:
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
والكوثر: فوعل من الكثرة، مثل النّوفل من النفل، ومعناه: الشيء البالغ في الكثرة حد الإفراط، والعرب تسمى كل شيء كثر عدده، وعظم شأنه: كوثرا، وقد قيل لأعرابية بعد رجوع ابنها من سفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر. أى: بشيء كثير.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي ﷺ على ستة عشر قولا: الأول: أنه نهر في الجنة، رواه البخاري عن أنس، ورواه الترمذي- أيضا- عن ابن عمر... الثاني: أنه حوض للنبي ﷺ في الموقف...
الثالث: أنه النبوة والكتاب... الرابع: أنه القرآن... الخامس: الإسلام.
ثم قال- رحمه الله- قلت: أصح هذه الأقوال الأول والثاني، لأنه ثابت عن النبي ﷺ نص في الكوثر... وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه ﷺ زيادة على حوضه... » «١».
وافتتح- سبحانه- الكلام بحرف التأكيد، للاهتمام بالخبر، وللإشعار بأن المعطى شيء عظيم... أى: إنا أعطيناك بفضلنا وإحساننا- أيها الرسول الكريم- الكوثر، أى: الخير الكثير الذي من جملته هذا النهر العظيم، والحوض المطهر... فأبشر بذلك أنت وأمتك، ولا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤك في شأنك.
والفاء في قوله- تعالى-: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمراد بالصلاة: المداومة عليها.
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٢١٨، وابن كثير ج ٧ ص ٥١٩.
522
أى: ما دمنا قد أعطيناك هذه النعم الجزيلة، فداوم على شكرك لنا، بأن تواظب على أداء الصلاة أداء تاما، وبأن تجعلها خالصة لربك وخالقك، وبأن تواظب- أيضا- على نحرك الإبل تقربا إلى ربك. كما قال- سبحانه- قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
ثم بشره- سبحانه- ببشارة أخرى فقال: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ والشانئ:
هو المبغض لغيره، يقال: شنأ فلان شنئا، إذا أبغضه وكرهه.
والأبتر في الأصل: هو الحيوان المقطوع الذنب، والمراد به هنا: الإنسان الذي لا يبقى له ذكر. ولا يدوم له أثر...
شبه بقاء الذكر الحسن بذنب الحيوان، لأنه تابع له وهو زينته، وشبه الحرمان من ذلك ببتر الذيل وقطعه.
والمعنى: إن مبغضك وكارهك- أيها الرسول الكريم- هو المقطوع عن كل خير، والمحروم من كل ذكر حسن.
قال الإمام ابن كثير: «كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله ﷺ قال: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله- تعالى- هذه السورة.
وقال السدى: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر، فلما مات أبناء النبي ﷺ قالوا: بتر محمد فأنزل الله هذه الآية.
وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا، بل أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد...
نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
523

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير سورة الكافرون
مقدمة وتمهيد
١- سورة «الكافرون» تسمى- أيضا- سورة «المقشقشة» أى: المبرئة من الشرك، وسورة «العبادة» وسورة «الدين».
وهي من السور المكية عند الجمهور، وكان نزولها بعد سورة «الماعون» وقبل سورة «الفيل».
وقيل: إنها مدنية، وعدد آياتها ست آيات.
٢- وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها ما ذكره ابن إسحاق عن ابن عباس، أن جماعة من زعماء المشركين أتوا إلى النبي ﷺ فقالوا له: هلم فلنعبد إلهك مدة، وأنت تعبد آلهتنا مدة، فيحصل بذلك الصلح بيننا وبينك... فنزلت هذه السورة.
٣- وقد ذكر الإمام ابن كثير بعض الأحاديث التي تدل على أن النبي ﷺ كان يقرأ بها كثيرا في صلاة ركعتي الفجر، ومن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة، أن رسول الله ﷺ كان يقرأ سورة «الكافرون» وسورة «قل هو الله أحد» في ركعتي الفجر... «١».
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥٢٧.
525
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).