تفسير سورة الكوثر

تفسير المراغي

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب تفسير المراغي المعروف بـتفسير المراغي.
لمؤلفه أحمد بن مصطفى المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ

وقد جرت سنة الله فى خلقه أن يسرع فى إجابة دعوة الرسل الضعفاء، من قبل أنهم لا يملكون ما لا فيخافوا أن يضيع فى سبيل الدعوة الجديدة، ولا جاها ونفوذا فيخافوا أن يضيعا أمام الجاه الذي منحه صاحب الدعوة- وأن يتخلف عنها السادة الكبراء حتى يدخلوا فى دين الله وهم له كارهون، ومن ثم يظل الجدل بين أولئك الصناديد ورسل الله، ويأخذون فى انتقاصهم. وكيل التهم لهم تهمة بعد تهمة، والله ينصر رسله ويؤيدهم ويشدّ أزرهم.
وعلى هذا السّنن سار أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تخلف عنه سادتهم وكبراؤهم حسدا له ولقومه الأدنين.
(٢) إنهم كانوا إذا رأوا أبناءه يموتون، يقولون: انقطع ذكر محمد وصار أبتر، يحسبون ذلك عيبا فيلمزونه به ويحاولون تنفير الناس عن اتباعه.
(٣) إنهم كانوا إذا رأوا شدة نزلت بالمؤمنين طاروا بها فرحا وانتظروا أن تدول الدّولة عليهم وتذهب ريحهم، فتعود إليهم مكانتهم التي زعزعها الدين الجديد.
فجاءت هذه السورة لتؤكد لرسوله أن ما يرجف به المشركون وهم لا حقيقة له، ولتمحص نفوس الذين لم تصلب قناتهم، ولتردّ كيد المشركين فى نحورهم، ولتعلمهم أن الرسول منتصر لا محالة. وأن أتباعه هم المفلحون.
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
252
شرح المفردات
الكوثر: المفرط فى الكثرة، قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر، ويقال للرجل الكثير العطاء هو كوثر، قال الكميت الأسدى:
وأنت كثير يا ابن مروان طيّب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
والمراد به هنا النبوة والدين الحق والهدى وما فيه سعادة الدنيا والآخرة، والشانئ:
المبغض، وأصل الأبتر: الحيوان المقطوع الذنب، والمراد به هنا ما لا يبقى له ذكر ولا يدوم له أثر- شبه بقاء الذكر الحسن واستمرار الأثر الجميل بذنب الحيوان من حيث إنه يتبعه وهو زينة له. وشبه الحرمان منه ببتر الذنب وقطعه.
الإيضاح
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) أي إنا أعطيناك من المواهب الشيء الكثير الذي بعجز عن بلوغه العدّ، ومنحناك من الفضائل ما لا سبيل للوصول إلى حقيقته، وإن استخف به أعداؤك واستقلوه، فإنما ذلك من فساد عقولهم، وضعف إدراكهم.
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أي اجعل صلاتك لربك وحده، وانحر ذبيحتك وما هو نسك لك لله أيضا، فإنه هو الذي رباك وأسبغ عليك نعمه دون سواه كما قال: تعالى آمرا له: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ».
وبعد أن بشر رسوله ﷺ بأعظم البشارة، وطالبه بشكره على ذلك، وكان من تمام النعمة أن يصبح عدوه مقهورا ذليلا، أعقبه بقوله:
(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أي إن مبغضك كائنا من كان هو المقطوع ذكره من
253
خيرى الدنيا والآخرة، وأما أنت فستبقى ذريتك، ويبقى حسن صيتك، وآثار فضلك إلى يوم القيامة.
وشانئوه ما كانوا يبغضونه لشخصه، لأنه كان محبّبا إلى نفوسهم، بل كانوا يمقتون ما جاء به من الهدى والحكمة، لأنه سفّه أحلامهم، وعاب معبوداتهم، ونادى بفراق ما ألفوه ونشئوا عليه.
وقد حقق الله فى شانئيه من العرب وغيرهم فى زمنه ﷺ ما يستحقونه من الخذلان والخسران، ولم يبق لهم إلا سوء الذكر أما النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اهتدى بهديه فإن الله رفع منزلتهم فوق كل منزلة، وجعل كلمتهم هى العليا.
قال الحسن رحمه الله: عنى المشركون بكونه أبتر: أنه ينقطع عن المقصود قبل بلوغه، والله بيّن أن خصمه هو الذي يكون كذلك اهـ.
وصلّ ربنا على نبيك محمد الذي أعليت ذكره، وأذللت شانئه، صلاة تبقى ما بقي الدهر.
سورة الكافرون
هى مكية، وآياتها ستّ، نزلت بعد سورة الماعون.
ومناسبتها لما قبلها- أنه فى السورة السابقة أمر رسوله ﷺ بعبادته، والشكر له على نعمه الكثيرة، بإخلاص العبادة له، وفى هذه السورة التصريح بما أشير إليه فيما سلف.
254
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).