تفسير سورة الكوثر

المحرر في أسباب نزول القرآن

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن.
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة الكوثر
١٩٨ - قال الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: أنت خير أهلِ المدينة وسيدهم؟ قال: نعم قالوا: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا؟ ونحن - يعني: أهل الحجيج وأهل السدانة - قال: أنتم خير منه فنزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ونزلت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) إلى قوله: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا).
٢ - وأخرج الترمذي عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية، فقال سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين، فقال: لا تؤنبني - رحمك اللَّه - فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أُمية على منبره فساعه ذلك فنزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) يا محمد يعني نهراً في الجنة ونزلت: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يملكها بعدك بنو أُمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص.
1095
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه السورة فأما حديث الترمذي عن يوسف بن سعد فقد تقدم الكلام عليه تفصيلاً في السبب السابق.
وأما حديث ابن عبَّاسٍ في قصة كعب بن الأشرف مع كفار قريش فقد ذكره الطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير.
وقد ورد في نزول هذه السورة غير هذا فقد روى مسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه متبسماً. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله، فقال: (أُنزلت علي آنفا سورة) فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)، ثم قال: (أتدرون ما الكوثر؟) فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي - عَزَّ وَجَلَّ - عليه خير كثير. هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة. آنيته عدد النجوم. فيختلج العبد منهم. فأقول: ربِّ إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك).
وقد ذكر هذا الحديث من المفسرين البغوي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا الحديث: (وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهل هي مكية أو مدنية؟ تعارضت الأقوال والآثار في أنها مكية أو مدنية تعارضاً شديداً، فهي مكية عند الجمهور واقتصر عليه أكثر المفسرين وعن الحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة هي مدنية ويشهد لهم ما
1096
في صحيح مسلم عن أنس وأنس أسلم في صدر الهجرة فإذا كان لفظ (آنفاً) في كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستعملاً في ظاهر معناه وهو الزمن القريب، فالسورة نزلت منذ وقت قريب من حصول تلك الرؤيا.
ومقتضى ما يروى في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أن تكون السورة مكية، ومقتضى ظاهر تفسير قوله تعالى: (وَانْحَرْ) من أن النحر في الحج أو يوم الأضحى تكون السورة مدنيةً). اهـ. باختصار.
قلت: هذان حديثان وقبل الكلام عليهما يحسن أن أُضيف إليهما ما ذكره المفسرون من أن السورة نزلت في العاص بن وائل السهمي: (وذلك أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تتحدث معه؟ قال ذلك الأبتر يعني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان قد توفي ابن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خديجة - رضي الله عنها -.
وكان العاص بن وائل إذا ذُكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال دعوه فإنه رجل أبتر، لا عقب له (أي ذكر) فإذا هلك انقطع ذِكره فأنزل الله تعالى هذه السورة) اهـ.
وأرسخ هذه الأحاديث في سبب النزول حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لصحة سنده، وأنس إنما كان أنصاريًا في المدينة وكان يحدِّث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرهم لما أغفى ورفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله فقال: (أُنزلت عليَّ آنفاً سورة) فالسورة نزلت بالمدينة بالنص الصحيح الصريح، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون سبب نزولها قصةً جرت في مكة قبل الهجرة هذا قول غريب حقاً ولا يصح أبداً.
أما الجمع بين حديث أنس وابن عبَّاسٍ في قصة كعب بن الأشرف فالجمع بينهما ممكن بأن يقال: بعد أن هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة واستقر بها، بدأ اليهود يكيدون له تارةً فيما بينهم، وتارةً فيما بينهم وبين قريش، ومن هذا قدوم كعب بن الأشرف إلى مكة وحديثهم إليه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
1097
بأنه المنبتر من قومه ورده عليهم بأنهم خير من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله السورة على رسوله بالمدينة مبشراً إياه بالكوثر ومخبره بأن مبغضه هو الأقطع وأنزل عليه الآية أيضاً في سورة النساء وأخبره بأن كعب بن الأشرف من الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت.
ولا مانع من هذا، وبه يتحقق الجمع بين الدليلين وإن كان حديث ابن عباس لا يخلو من مقال لأن الصحيح فيه الإرسال، لكن إذا كان الجمع ممكناً تعيّن والله أعلم.
* النتيجة:
أن حديث ابن عبَّاسٍ في قصة كعب بن الأشرف سبب نزول سورة الكوثر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، لملاءمة حديث ابن عبَّاسٍ لسياق الآية واحتجاج بعض المفسرين به وليتحقق الجمع بين الدليلين والله الموفق.
* * * * *
1098
سورة المسد
1099
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).