تفسير سورة الكوثر

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الْكَوْثَرِ
مكية، وآيها ثلاث

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فعول، من الكثرة وهو الإفراط في الخير، من العلم والعمل وشرف الدارين. روى البخاري ومسلم عن أنس أن رسول اللَّه - ﷺ - قال: " ليلة أسري بي أَتَيْتُ علَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَاب اللؤلؤِ فَقُلْتُ: مَا هَذا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ ". وفي رواية: " ترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ مَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسلِ وأبيضُ من اللن وأبرد من الثلج، آنيته أكثر من نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظمَأ بَعْدَهَا أول من يرد عليه فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ".
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ... (٢) أي: إذا أخصك اللَّه بذلك، فخصه بالصلاة والسجود. (وَانْحَرْ) له القرابين والبدن مراغماً للمشركن الذين يسجدون للأوثان وينحرون لها. وقيل: ضع يدك على النحر في الصلاة، وفيه بعد، ويؤيد الأول قوله. (إِنَّ صَلَاتِي وَنسُكِي).
(إِنَّ شَانِئَكَ... (٣) عائبك ومبغضك. (هُوَ الْأَبْتَرُ) الذي لا عقب له. مات له ابن عابه بذلك العاص بن وائل قال: محمد أبتر إذا مات انقطع ذكره، وقيل: القائل أبو لهب. وقيل: كعب بن الأشرف. والمعنى: إنَّ الأبتر من انقطع ذكره بموته، والنسل يكون سبباً للذكر، وأنت مرفوع الذكر على المنابر إلى آخر الدهر. بيد ما أخفي لك من الشرف والمقام المحمود، وشانئك عليه اللعن من كل مؤمن، ومأواه جهنم مقروناً مع الشيطان، فلينظر من الأبتر.
* * *
تمّت سورة الكوثر، والحمد على الحظ الأوفر، والصلاة على خير البشر.
* * *
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).