تفسير سورة الكوثر

تفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب تفسير ابن عرفة المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة.
لمؤلفه ابن عرفة . المتوفي سنة 803 هـ

سُورَةُ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)
قال ابن عرفة: انظر هل لهذا خبرا وإنشاء، فإن قيل: الإنشاء هنا مستحيل؛ لأن كلام الله تعالى القديم الأزلي، فالجواب أنه باعتبارهم متعلقة، فإن التعلق فيه خلاف هل هو قديم أو حادث؟، قلنا: التعلق [التنجيزي*] حادث، وأما التعلق الصلاحي فيصح هنا، وكذلك الفاعل هنا تشريفا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أبلغ من قوله تعالى: (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) بحذف الفاعل.
قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)﴾
الفاء للتسبيب، أي بسبب ذلك اشكر ربك وصل له، والشكر يكون بالقول وبالفعل، ولذلك يجب تخصيصه بالصلوات الواجبة، ولاسيما إذا قلنا إنها صلاة الفجر يقع بجمع، حكاه الزمخشري [وابن عطية*] قال: وقيل صلاة العيد والأضحية، وقيل: [أمر بالصلاة على العموم*]، والنحر وضع اليمين على الشمال عند النحر، قال ابن عطية: أمر بالصلاة على العموم ففيه المكتوبات بشرطها والنوافل على يديها، قلت: وتقدم لشيخنا ابن عرفة في الختمة الأولى في عام تسع وخمسين وسبعمائة في شهر شوال عن [... ] نصه قوله (فَصَلِّ) الفاء للسبب ولا تكون عاطفة، فإن قلت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لَا يصل بسبب أن الله الكوثر بل يعبده لذاته، وأنه أهل لأن يعبد، فالجواب: أن المعنى (فَصَلِّ) لأن الله أكرمك وأعطاك خيرا كثيرا، وليست السببية منحصرة في هذا بل [يعبده*] لهذا، ولكونه أهل لأن يعبد، ولا تكون الفاء عاطفة؛ لأنك إن عطفتها على الجملة الاسمية لم يصح إذ لَا يصح عطف الفعلية على الاسمية فإن عطفها على الفعلية لم يصح أيضا إذ لَا يصح عطف الطلبية على الخبرية.
قوله تعالى: (لِرَبِّكَ).
التفات بالخروج عن التكلم إلى الغيبة، إذ لم يقل فصل لنا، ويحتمل أن يريد بالصلاة المفروضة والنافلة، فيكون من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ لأن صيغة [افْعَلْ*] حقيقتها للوجوب وهي للندب مجازا.
قوله تعالى: (وَانْحَرْ).
يريد الضحايا والهدايا، فإن قلت: ثم قد جعلت للندب؛ لأن الأضحية سنة فكيف يعطفها على [فَصَلِّ*] وهي للوجوب عندنا، والواو تشترك في الإعراب والمعنى،
351
قلت: اختلف في الأضحية، قد قيل: إنها واجبة سلمنا أنه مندوب إليها لكن نقول: الواو تشترك في معنى القائل خاصة تقول: زيد العاقل وعمرو قائمان، فلا يلزم منه أن يكون عمرو عاقلا، وإنما [شركت*] بينهما في القيام خاصة، وكذلك هنا [شركت*] بينهما في مطلق الأمر بهما فقط، وبقي نظر على أن الأصوليين اختلفوا في الأمر إذا عطف على أمر، وكذلك قال ابن عرفة في كتاب الطهارة: لما ذكر الخلاف في النوم هل هو حدث أو سبب في الحدث.
* * *
352
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).