تفسير سورة الكوثر

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُوْرَةُ الكَوْثْر
مكية، وآيها: ثلاث آيات، وحروفها: اثنان وأربعون حرفًا، وكلمها: عشر كلمات.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)﴾.
[١] ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ اسم نهر في الجنَّة.
روى أنس: "أن رسول الله - ﷺ - أغفى إغفاءة، ثمّ رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أُنزلت علي آنفًا سورة، وقرأها، ثمّ قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّه نهر وَعَدَنيه ربي، هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيتُه عددُ النجوم، فيختلج العبدُ منهم، فأقول: ربِّ إنّه مني، فيقول: ما تدري ما أحدثَ بعدَك" (١).
* * *
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)﴾.
[٢] ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾ صلاة العيد يوم النَّحر، وتقدم الكلام على صلاة
(١) رواه مسلم (٤٠٠)، كتاب: الصّلاة، باب: حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة.
العيدين والخلاف فيهما في سورة البقرة.
﴿وَانْحَرْ﴾ البدن بمنى، وقيل: إنَّ ناسًا كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه أن يصلّي وينحر لله تعالى.
وتقدم في سورة الحجِّ حكم الأضحية، والمجزئ منها، والأفضل، واختلاف الأئمة في ذلك، وفي ذبح الكتابي لها، وغير ذلك من أحكامها.
وأمّا وقت الأضحية، فأوله عند أبي حنيفة: طلوع الفجر يوم النَّحر، إِلَّا أن أهل المصر لا يضحون قبل صلاة العيد، بخلاف أهل القرى، وعند مالك: بعد الصّلاة والخطبة، ولا يجوز لأحد أن يذبح قبل الإمام متعمدًا إن كان الإمام ممّن يظهر النَّحر، وإلا فلينحر النَّاس وقتَ ذبحه، أو ذبح أقرب أئمة البلدان إليهم، وعند الشّافعيّ: وقتها إذا طلعت الشّمس يوم النَّحر، ثمّ مضى قدرُ ركعتين وخطبتين خفيفتين، وعند أحمد: يوم العيد بعد الصّلاة أو قدرها، وأيام النَّحر عند الشّافعيّ: يوم النَّحر، وأيام التّشريق الثّلاثة، وعند الأئمة الثّلاثة: يوم النَّحر، ويومان من أيّام التّشريق.
* * *
﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)﴾.
[٣] ﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾ مبغضك. قرأ أبو جعفر: (شَانِيكَ) بياء مفتوحة، والباقون: بالهمز (١) ﴿هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ الأقلُّ الأذلُّ.
روي أن العاص بن وائل كان إذا ذُكر رسول الله - ﷺ - قال: دعوه؛ فإنّه
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٩٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢٥٣).
445
رجل أبتر لا عقبَ له، فإذا هلك، انقطع ذكره، فأنزل الله السورة (١).
وكوثر بناء مبالغة من الكثر، ولا محالة أن الّذي أعطى الله نبيه - ﷺ - من النبوة والحكمة والعلم بربه، والفوز برضوانه، والشرف على عباده، هو أكثر الأشياء وأعظمها، فكأنّه يقال في الآية: إنا أعطيناك الحظَّ الأعظمَ، والله أعلم.
* * *
(١) رواه ابن إسحاق في "السيرة" (٥/ ٢٥٢)، عن يزيد بن رومان. وروى الطّبريّ في "تفسيره" (٣٠/ ٣٢٩) عن قتادة وابن زيد نحوه.
446
سورة الكوثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكَوْثر) من السُّوَر المكية، وهي أقصَرُ سورة في القرآن الكريم، نزلت بشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وردًّا على مشركي قُرَيش عندما اتهموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنه منبتِرُ الذِّكْرِ؛ لأنه لا يعيش له ولدٌ ذكَرٌ، والحقُّ أن الذِّكْرَ له صلى الله عليه وسلم وهم المبتورون، و(الكَوْثر): اسمٌ لنهر في الجنة، تَرِدُ عليه أمةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يرُدَّ على هذا العطاءِ بالعبادة.

ترتيبها المصحفي
108
نوعها
مكية
ألفاظها
10
ترتيب نزولها
15
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ كعبُ بنُ الأشرَفِ مكَّةَ، أتَوْهُ، فقالوا: نحنُ أهلُ السِّقايةِ والسِّدانةِ، وأنت سيِّدُ أهلِ يَثْرِبَ؛ فنحنُ خيرٌ أم هذا الصُّنَيبِيرُ المُنبتِرُ مِن قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا؟! فقال: أنتم خيرٌ منه؛ فنزَلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، ونزَلتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ اْلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِاْلْجِبْتِ وَاْلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]». أخرجه ابن حبان (6572).

* سورة (الكَوْثر):

سُمِّيت سورة (الكَوْثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وهو اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة.

* ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنزول سورة (الكوثر):

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ بَيْنَ أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثم رفَعَ رأسَه متبسِمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ»، فقرَأَ: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ اْلْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاْنْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اْلْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثم قال: «أتدرون ما الكوثرُ؟»، فقُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «فإنَّه نَهَرٌ وعَدَنِيهِ ربِّي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عدَدُ النُّجومِ، فيُختلَجُ العبدُ منهم، فأقولُ: ربِّ ، إنَّه مِن أُمَّتي! فيقولُ: ما تدري ما أحدَثتْ بعدك...». أخرجه مسلم (٤٠٠).

منحةُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /394).

بشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخيرَ الكثير من الله تعالى، والردُّ على من نسَب إليه انقطاعَ الذِّكْرِ؛ لأن انقطاع الولدِ الذَّكَرِ ليس بَتْرًا؛ لأن ذلك لا أثَرَ له في كمال الإنسان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /572).