تفسير سورة البروج

تفسير النسائي

تفسير سورة سورة البروج من كتاب تفسير النسائي
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

قوله تعالى: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ﴾ [٤]٦٨١- أنا أحمدُ بنُ سليمان، نا عَفَّانُ بنُ مُسلمٍ، نا حمادُ بنُ سلمةَ، نا ثابتٌ البُنانيُّ، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، عن صُهيبٍ، أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:" كان مَلِكٌ ممَّن كان قبلكم وكان له ساحرٌ، فلما كَبِرَ السَّاحرُ قال لِلمَلِكِ: إني قد كبرت سِنِّي وحضر أجلي فادفع إليَّ غُلاماً فلأُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فدفع إليه غُلاماً وكان يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ فكان في الطَّريقِ إذا سَلَكَ راهِبٌ، فأتي الغلامُ الرَّاهبَ، فسمعَ كلامَهُ فأعجبهُ نحوُهُ وكلامُهُ، فكان إذا أتى على السَّاحرِ ضَرَبَهُ وقال ما حَبَسَكَ؟ فإذا أتى أهلهُ جلسَ عند/ الراهبِ... فإذا أتى أهلهُ ضربوه وقالوا ما حَبَسَكَ؟ فشكى ذلك إلى الراهبِ، فقال: إذا أراد السَّاحرُ أن يضربكَ فقل: حَبَسَني أهلي، وإذا أراد أهلُك أن يضربوك فقل حبسني السَّاحرُ، فبينما هو كذلك إذ أتى يوماً على دابةٍ فظيعةٍ عظيمةٍ قد حَبَسَتِ الناس فلا يستطيعون أن يجُوزُوا، وقال: اليوم أعلمُ أمرُ الرَّاهبِ أحبُّ إلى اللهِ أم أمرُ السَّاحر، وأخذ حجراً وقال: اللَّهُمَّ إن كان أمرُ الرَّاهبِ أحبَّ إليكَ وأرضى لَكَ من أمرِ السَّاحرِ فاقتل هذه الدَّابَّةَ حتى يجُوزَ الناسُ، فرماها فقتلها ومضى الناسُ فأخبر الرَّاهب بذلك فقال: أي بُنيَّ، أنت أفضلُ مِنِّي، وإنَّكَ سَتُبْتَلى فإن ابتليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ وكان الغُلامُ يُبرِيءُ الأكمهَ والأبرصَ وسائرَ الأدواءِ ويشفيهم. وكان جليسٌ لِلمَلِكِ فعمي فسمع به فأتاهُ بهدايا كثيرةٍ فقال: اشفني ولك ما ها هنا أجمعُ. فقال: ما أشفي أنا أحداً إنَّما يشفي اللهُ عزَّ وجلَّ، فإن آمنتَ باللهِ دعوتُ الله فشفاك فآمن فدعا اللهَ عزَ وجلَّ له فشفاهُ، ثم أتى الملِكَ فجلس مِنهُ نحو ما كان يجلسُ، فقال له الملكُ: يا فلانُ من ردَّ عليك بصركَ قال: ربِّي، قال: أنا؟! قال: لا، ولكن ربِّي وَرَبُّكَ اللهُ. قال: ولكَ ربٌّ غيري؟! قال: نعم. فلم يزل يُعذبهُ حتى دلَّ على الغُلامِ فبعث إليه فقال: أي بُني، قد بلغ من سحرك أنكَ تُبرىءُ الأكمه والأبرصَ وهذه الأدواءَ فقال: ما أشفي أنا أحداً، ما يشفي غيرُ اللهِ، قال: أنا؟! قال: لا، قال: وإنَّ لكَ ربّاً غيري؟ قال: نعم، ربي وربُّك اللهُ، قال: فأخذهُ أيضاً بالعذابِ فلم يزل به حتى دلَّ على الرَّاهبِ، فأُتي الرَّاهبُ، فقيل: ارجع عن دينك فأبى. فوُضعَ المِنشارُ على مفرق رأسهِ حتى وقع شِقَّاهُ إلى الأرضِ. فقال لِلأعمى ارجع عن دينك فأبى فوضع المِنشارَ على مفرق رأسِهِ حتى وقع شِقاةُ إلى/ الأرضِ، فقال لِلغلامِ ارجع عن دينك فأبى، فبعث معهُ نفراً إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروتهُ فإن رجع عن ديِنِهِ وإلاَّ فدهدِهُوهُ من فوقهِ، فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: اللَّهُمَّ اكفنِيهم بما شئتَ فرجفَ الجبلُ فتدهدهُوا أجمعون، وجاءَ الغلامُ حتى دخل على المَلِكِ فقال: ما فعل أصحابكَ؟ قال: كفانيهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ، فبعث معهُ نفراً في قُرقُورةٍ وقال: إذا لجَّجْتُمْ معهُ في البحرِ فإن رجَعَ عن دِيِنه وإلاَّ فَغَرِّقُوهُ. "قال أبو عبد الرحمنِ: بعضُ حُرُوفِ " غرِّقوهُ " سقط من كتابِهِ." فَلَجَّجُوا به في البحر فقال الغُلامُ: اللَّهُمَّ اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون وجاءَ الغُلامُ حتى دخلَ على المِلك، فقال: ما فعل أصحابكَ؟ قال: كفانيهم اللهُ جلَّ وعزَّ، ثم قال للمَلِكِ: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرُكَ. فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، قال: وما هو؟ قال: تجمعُ الناسَ في صعيدٍ ثم تَصلِبُني على جذعٍ فتأخُذُ سهماً من كنانتي ثم تقولُ باسمِ ربِّ الغُلامِ فإنَّك إن فعلت ذلك قتلتني، ففعل فوضع السَّهم في كبد قوسِهِ ثم رمى وقال: باسم ربِّ الغُلامِ فوقع السَّهْمُ في صُدْغِهِ فوضع الغُلامُ يده على موضع السَّهْمِ وماتَ رحمهُ اللهُ - فقال الناسُ: آمنَا بربِّ الغُلامِ. فقيل لِلمَلِكِ: أرأيت ما كنت تحذرُ فقد والله نزل بك. قد آمن الناسُ كُلُّهُمْ. فأمر بأفواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ فيها الأخاديدُ وأُضرِمتَ فيها النِّيرانُ وقال: من يرجعْ عن دينهِ فدعُوهُ، وإلاَّ فأقْحِمُوهُ فيها. وكانوا يتنازعون ويتدافعون، فجاءت امرأةٌ بابنٍ لها تُرْضِعُهُ فكأنَّهَا تقاعَستْ أن تقع في النِّيرانِ فقال الصَّبِيُّ: اصبري فإنَّكِ على الْحَقُّ ". ٦٨٢- أنا عمرو بنُ عليٍّ، أنا عبد الرحمنِ، نا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن سِماَكٍ، عن جابرِ بن سَمُرةَ،" أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: كان يقرأَ في الظُّهرِ والعَصْرِ/ ﴿ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ ﴾ ﴿ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ ﴾ وَنَحْوِهَا ". ٦٨٣- أنا مُحْمَّدُ بنُ عليِّ بن حَرْبٍ، أنا عليُّ بنُ الحُسينِ بنِ واقدٍ، عن أبيهِ، عن يزيد النَّحْوِيِّ، عن عكرمَةَ، عن ابن عباسٍ في قولهِ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾[البروج: ٣] قال الشَّاهِدُ مُحَّمدٌ صلى الله عليه وسلم، والمشهودُ يومُ القيامةِ، وذلك قولهُ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً ﴾[النساءِ: ٤١].
ذيل التفسيرقوله تعالى: [ ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ﴾ [٤] ]
سورة البروج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البُرُوج) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت ببيان قدرة الله عز وجل وعظمتِه، ثم جاءت على ذكرِ قصة (أصحاب الأخدود)، وهم قومٌ فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أُخدودًا من نار لتعذيبهم؛ وذلك تثبيتًا لقلوب الصحابة على أمرِ هذه الدعوة، وأن اللهَ - بعظمتِه وسلطانه - الذي أقام السماءَ والأرض صاحبَ البطش الشديد معهم وناصرُهم، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورةَ في الظُّهر والعصر.

ترتيبها المصحفي
85
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
27
العد المدني الأول
22
العد المدني الأخير
22
العد البصري
22
العد الكوفي
22
العد الشامي
22

* سورة (البُرُوج):

سُمِّيت سورة (البُرُوج) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ} [البروج: 1]؛ وهي: الكواكبُ السيَّارة.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (البُرُوج):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. قصة (أصحاب الأخدود) (١-٩).

2. التمييز بين الطائعين والعاصين (١٠-١١).

3. مشيئة الله تعالى، ونَفاذُ قُدْرته (١٢-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /90).

يقول ابن عاشور: «... ضرب المثَلِ للذين فتنوا المسلمين بمكة بأنهم مثلُ قوم فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أخدودًا من نار لتعذيبِهم؛ ليكون المثلُ تثبيتًا للمسلمين، وتصبيرًا لهم على أذى المشركين، وتذكيرًا لهم بما جرى على سلَفِهم في الإيمان من شدة التعذيب الذي لم يَنَلْهم مثلُه، ولم يصُدَّهم ذلك عن دِينهم.

وإشعار المسلمين بأن قوةَ الله عظيمةٌ؛ فسيَلقَى المشركون جزاءَ صنيعهم، ويَلقَى المسلمون النعيمَ الأبدي والنصر.
والتعريض للمسلمين بكرامتهم عند الله تعالى.
وضرب المثلِ بقوم فرعون، وبثمود، وكيف كانت عاقبة أمرهم لمَّا كذبوا الرسل؛ فحصلت العِبرة للمشركين في فَتْنِهم المسلمين، وفي تكذيبهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم، والتنويه بشأن القرآن». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /236).