تفسير سورة البروج

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة البروج من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا ذكر علمه بما يوعون من المكر والمعاصي، ذكر بعض من كان كذلك، وبين مآل كلهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ ﴾: الاثني عشر، شَبِّهَت بالقصور العالية لنزول السيارات والثوابت فيها، أو هي قصور فيها ﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ ﴾: القيامة ﴿ وَشَاهِدٍ ﴾: أي: يوم الجمعة ﴿ وَمَشْهُودٍ ﴾: أي: يوم عرفة، كذا روي مرفوعا، وتنكيرها للتعظيم وجوابه: لقد ﴿ قُتِلَ ﴾: أي: لعن ﴿ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ﴾: الشق العظيم في الأرض، روي أن ملكا كافرا أرسل غلامه إلى ساحرة ليعلمه السحر، فرأى في طريقه راهبا فمال إليه واتبعه إلى أن كان يبرئ الأكمه والأبرض، فعمي جليس الملك وأتاه فأبراه فقال للملك: ربي شفاني، فغضب وعذبه ليرتد، فدل على الغلام فعذبه، فدل على الراهب فقده بالمنشار، وأمر بطرح الغلام من ذروة الجبل، فدعا فرجب بمن كان معه فهلكوا ونجا، فأجلسه في سفينة ليغرقه، فدعا فغرق أهلها ونجا وقال للملك: أنت لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني في جذع وترمي إلي بسهم من كنانتي وتقول: بسم الله رب الغلام، ففعل فمات الغلام وآمن كل الناس برب الغلام، فغضب وأمر بأخاديد وأوقدت فيها النيران، وطرح من لم يرتد فيها، فصبروا، وتقاعست امرأة معها صبي فقال لها: يا أماه: اصبري فإنك على الحق، هذا حاصل معنى الحديث مختصرا ﴿ ٱلنَّارِ ﴾: بدل اشتمال من الأخدود ﴿ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ ﴾: صفة لعظمتها ﴿ إِذْ هُمْ ﴾: أي: الكفار ﴿ عَلَيْهَا ﴾: أي: على جوانبها ﴿ قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: من تعذيبهم ﴿ شُهُودٌ ﴾: حضور ولا يرحمون ﴿ وَمَا نَقَمُواْ ﴾: أي: أنكروا ﴿ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ﴾: الغالب ﴿ ٱلْحَمِيدِ ﴾: المحمود ﴿ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ﴾: عنه ﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ ﴾: الزائد في الإحراق، إذ روي أن النار انقلبت على الملك وجنوده، وسلم المؤمنون، قاله الربع بن أنس والواحدي، والآية دلت على قبول توبة القاتل عمدا ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ﴾: أي: أخذه بالعنف ﴿ لَشَدِيدٌ ﴾: أي: مضاعف عنفه ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ ﴾: الخلق أو بطشه لهم في الدنيا ﴿ وَيُعِيدُ ﴾: خلقه، أو بطشهم في الآخرة ﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ ﴾: المحب لمطيعيه ﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ ﴾: العظيم ﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾: بلا عجز ﴿ هَلُ ﴾: قد ﴿ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ ﴾: أعْني ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾: كيف كذبوا فأهلكوا فتسل واصبر ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: من قومكن ﴿ فِي تَكْذِيبٍ ﴾: للقرآن ﴿ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾: لا يفوتونه كما لايفوت المُحاط المحيط ﴿ بَلْ هُوَ ﴾: أي: ما يكذبونه ﴿ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾: عظيم في الشأن ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾: من وصول الشياطين، رُوي أن اللوح من درة بيضاء حافاتها ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور عرضه كما بين السماء والأرض، ينظر الله تعالى إليه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة ويحيى ويميت، ويعز ويذلك ويفعل ما يشاء.
سورة البروج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البُرُوج) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت ببيان قدرة الله عز وجل وعظمتِه، ثم جاءت على ذكرِ قصة (أصحاب الأخدود)، وهم قومٌ فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أُخدودًا من نار لتعذيبهم؛ وذلك تثبيتًا لقلوب الصحابة على أمرِ هذه الدعوة، وأن اللهَ - بعظمتِه وسلطانه - الذي أقام السماءَ والأرض صاحبَ البطش الشديد معهم وناصرُهم، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورةَ في الظُّهر والعصر.

ترتيبها المصحفي
85
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
27
العد المدني الأول
22
العد المدني الأخير
22
العد البصري
22
العد الكوفي
22
العد الشامي
22

* سورة (البُرُوج):

سُمِّيت سورة (البُرُوج) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ} [البروج: 1]؛ وهي: الكواكبُ السيَّارة.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (البُرُوج):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. قصة (أصحاب الأخدود) (١-٩).

2. التمييز بين الطائعين والعاصين (١٠-١١).

3. مشيئة الله تعالى، ونَفاذُ قُدْرته (١٢-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /90).

يقول ابن عاشور: «... ضرب المثَلِ للذين فتنوا المسلمين بمكة بأنهم مثلُ قوم فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أخدودًا من نار لتعذيبِهم؛ ليكون المثلُ تثبيتًا للمسلمين، وتصبيرًا لهم على أذى المشركين، وتذكيرًا لهم بما جرى على سلَفِهم في الإيمان من شدة التعذيب الذي لم يَنَلْهم مثلُه، ولم يصُدَّهم ذلك عن دِينهم.

وإشعار المسلمين بأن قوةَ الله عظيمةٌ؛ فسيَلقَى المشركون جزاءَ صنيعهم، ويَلقَى المسلمون النعيمَ الأبدي والنصر.
والتعريض للمسلمين بكرامتهم عند الله تعالى.
وضرب المثلِ بقوم فرعون، وبثمود، وكيف كانت عاقبة أمرهم لمَّا كذبوا الرسل؛ فحصلت العِبرة للمشركين في فَتْنِهم المسلمين، وفي تكذيبهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم، والتنويه بشأن القرآن». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /236).