تفسير سورة البروج

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية

تفسير سورة سورة البروج من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

المتجلى في عموم المجالى بمقتضى أسمائه وصفاته إظهارا لقدرته الغالبة الكاملة الرَّحْمنِ للكل تتميما لتربيته الشاملة الرَّحِيمِ لنوع الإنسان تعظيما لحكمته المتقنة ومصلحته المستحسنة المودعة في نشأته
[الآيات]
وَالسَّماءِ اى بحق سماء الأسماء والصفات المتشعشعة المتجلية في عالم اللاهوت ذاتِ الْبُرُوجِ من النفوس القدسية القابلة لانعكاسها وتشعشعها المستعدة لفيضان أنوارها الذاتية
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ للانجلاء الكامل والانكشاف التام المنعكس عن عالم العماء عند ارتفاع سدول الأسماء والصفات عن البين
وَاتحاد شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ في العين انكم ايها المحجوبون عن الله المطرودون عن ساحة عز حضوره الملعونون المردودون من كنف قربه وجواره يعنى كفار مكة لعنهم الله لان السورة نازلة في تثبيت المؤمنين على أذاهم كما
قُتِلَ ولعن أَصْحابُ الْأُخْدُودِ الخد الشق في الأرض وغيرها روى انه كان لملك ساحر فلما كبر ضم اليه غلاما ليعلمه وكان في طريق الغلام راهب يستمع منه كلاما فرأى في طريقه يوما حية قد حبست الناس فأخذ الغلام حجرا فقال اللهم ان كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها فضربها فقتلها وكان بعد ذلك يبرئ الأكمه والأبرص ويشفى المريض فعمى جليس الملك فابرأه فاسلمه فسأله الملك من ابرأك فقال ربي فغضب الملك عليه فعذبه فدل على الغلام فعذبه فدل على الراهب فقده بالمنشار وذهب بالغلام الى جبل ليطرحه من أعلاه فرجف بالقوم فطاحوا ونجا الغلام وذهب به الى سفينة ليغرق فانكفأت السفينة بمن معه ونجا وقال الغلام للملك لست بقاتلي حتى تأخذ سهما من كنانتي وتقول بسم الله رب الغلام ثم ترميني به فرماه فقال بسم الله رب الغلام فأصاب صدغه فوضع عليه يده فمات فآمن الناس برب الغلام وقيل للملك نزل بك ما قد كنت تحذر فأمر بحفر أخاديد فأوقدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم عن دين الغلام طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي رضيع فتقاعست فقال الرضيع بالهام إياه مع انه في غير أوان تكلمه مثل عيسى النبي ﷺ يا أماه اصبري فإنك على الحق فاقتحمت في
النَّارِ بدل من لفظة الأخدود بدل الاشتمال ذاتِ الْوَقُودِ والحطب الكثير تهويلا عليهم بشدة التهابها وسورتها لينزجروا عما اختاروا ويعودوا عن الإسلام والتوحيد ثم لما طرح المؤمنون فيها التهبت النار التهابا شديدا وخرجت على أطرافها فأحرقت كثيرا من صناديد أولئك الظلمة
إِذْ هُمْ عَلَيْها وفي أطرافها قُعُودٌ قاعدون على الكراسي حول النار
وَهُمْ اى رؤساؤهم عَلى ما يَفْعَلُونَ اى الموكلون بِالْمُؤْمِنِينَ من الأخذ والافناء شُهُودٌ وعدول مشرفون من قبل الملك أمناء من جانبه اقعدهم حوله لئلا يتهاون الأعونة في إهلاك المؤمنين وطرحهم في النار
وَبالجملة ما نَقَمُوا وما انتقموا أولئك الظالمون المنهمكون في بحر الغي والطغيان والعدوان مِنْهُمْ اى من المؤمنين بهذا الانتقام الصعب الهائل إِلَّا انهم كرهوا منهم واستنكروا عليهم أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الواحد الفرد الأحد الصمد الحي القيوم الحقيق بالإيمان والإطاعة الْعَزِيزِ الغالب القاهر على من دونه من السوى والأغيار مطلقا الْحَمِيدِ المستحق لأصناف الاثنية والمحامد استحقاقا ذاتيا ووصفيا وكيف لا يكون سبحانه عزيزا حميدا مع انه القادر
الَّذِي لَهُ وفي حيطة قدرته وارادته مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى مظاهر العلويات والسفليات وما بينهما من الممتزجات وَكيف لا هو اللَّهُ المستقل بالالوهية والربوبية عَلى كُلِّ شَيْءٍ مما لمع عليه برق وجوده شَهِيدٌ حاضر غير مغيب عنه وبالجملة
إِنَّ المسرفين المفسدين الَّذِينَ فَتَنُوا واحرقوا
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ظلما وعدوانا كراهة هدايتهم وايمانهم ثُمَّ بعد ما فعلوا من الإفراط والإسراف لَمْ يَتُوبُوا الى الله ولم يرجعوا نحوه سبحانه عن ظلمهم ولم يستغفروا نحوه نادمين منه فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ الطرد والحرمان عن حضور الحنان المنان وَلَهُمْ ولحق بهم بسبب كفرهم بالله وانكارهم توحيده عَذابُ الْحَرِيقِ بدل ما فعلوا بالمؤمنين من إحراقهم في الأخاديد. ثم عقب سبحانه وعيدهم بوعد المؤمنين فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق وَأكدوا ايمانهم حيث عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقرونة بالإخلاص في القصد والنيات لَهُمْ عند ربهم جزاء لإيمانهم وأعمالهم تفضلا عليهم جَنَّاتٌ متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى جداول المعارف والحقائق المنتشئة من بحر الحقيقة وبالجملة ذلِكَ الْفَوْزُ العظيم الشأن البعيد رفعة مكانته عن افهام الأنام هو الفوز الْكَبِيرُ والفضل العظيم الذي لا فوز أعظم منه وارفع. ثم أشار سبحانه الى تهديد اصحاب الضلال المنحرفين عن جادة الاعتدال مخاطبا لحبيبه ﷺ فقال
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل واخذه بالعنف لعصاة عباده المائلين عن سبيل سداده وجادة رشاده لَشَدِيدٌ بحيث لا يقاس على شدة بطشه ومضاعف عذابه وانتقامه وكيف يطلق بطشه ويقاوم اخذه
وإِنَّهُ سبحانه هُوَ القادر الغالب الذي يُبْدِئُ ويظهر عموم المظاهر والموجودات من كتم العدم بالقدرة الكاملة الغالبة ثم يخفيها ويعدمها كلها ايضا بكمال قدرته وَيُعِيدُ ويخرجها في فضاء الظهور مرة بعد اخرى بمقتضى قدرته واختياره فكيف يقاوم ويقاس شيء مع قدرته سبحانه هذه وكيف يطيق احد ان يقوم بمعارضته تعالى شأنه في حكمه وينازع سلطانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسئل عن فعله انه حكيم مجيد
وَهُوَ سبحانه ايضا بمقتضى سعة جوده ورحمته الْغَفُورُ الستار المحاء لذنوب من تاب ورجع نحوه مخلصا نادما وان كبرت وكثرت فان رحمته أوسع منها واشمل الْوَدُودُ المحب لإخلاص المذنبين وتوبة المستغفرين وفراغة الخائبين المخبتين المستحيين من الله النادمين على ما صدر عنهم وقت الغفلة والغرور وكيف لا يود ولا يغفر سبحانه مع انه
ذُو الْعَرْشِ إذ هو المستوي على عروش عموم ما ظهر وبطن بالاستيلاء التام والاستقلال الكامل الْمَجِيدُ العظيم في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله إذ لا وجود سواه ولا كون لغيره فظهر انه
فَعَّالٌ بالاستقلال والاختيار لِما يُرِيدُ إذ جميع الأفعال الجارية في ملكه وملكوته صادر عنه باختياره بلا شركة فيها ومظاهرة إذ لا يجرى في ملكه الا ما يشاء بمقتضى علمه الشامل وحكمه الكامل سواء كان انعاما او انتقاما. ثم أشار سبحانه الى تسلية حبيبه ﷺ وحثه على الصبر على اذيات قومه وتكذيبهم إياه مكابرة فقال
هَلْ أَتاكَ اى قد أتاك ووصل إليك وثبت ذلك عندك يا أكمل الرسل بالتواتر حَدِيثُ الْجُنُودِ اى اخبار الأمم السالفة وقصة تكذيبهم للرسل السابقة والكتب السالفة وانتقامنا منهم بعد ما بلغت اذياتهم للرسل غايتها سيما حديث
فِرْعَوْنَ الطاغي الباغي وملائه كيف كذبوا أخاك موسى الكليم عليه السلام وكيف قصدوا مقته وإهلاكه مرارا وكيف انتقمنا منهم واستأصلناهم وَثَمُودَ المردود كيف كذبوا أخاك صالحا عليه السلام وكيف انتقمنا منهم تذكر يا أكمل الرسل قصصهم مع رسلهم وما جرى عليهم من لدنا وبالجملة فاصبر يا أكمل الرسل على ما اصابك من قومك فان ذلك من عزم الأمور فسننتقم منهم ايضا مثل ما انتقمنا من الأمم السالفة الهالكة
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا بك وبكتابك فِي
سورة البروج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البُرُوج) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت ببيان قدرة الله عز وجل وعظمتِه، ثم جاءت على ذكرِ قصة (أصحاب الأخدود)، وهم قومٌ فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أُخدودًا من نار لتعذيبهم؛ وذلك تثبيتًا لقلوب الصحابة على أمرِ هذه الدعوة، وأن اللهَ - بعظمتِه وسلطانه - الذي أقام السماءَ والأرض صاحبَ البطش الشديد معهم وناصرُهم، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورةَ في الظُّهر والعصر.

ترتيبها المصحفي
85
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
27
العد المدني الأول
22
العد المدني الأخير
22
العد البصري
22
العد الكوفي
22
العد الشامي
22

* سورة (البُرُوج):

سُمِّيت سورة (البُرُوج) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ} [البروج: 1]؛ وهي: الكواكبُ السيَّارة.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (البُرُوج):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. قصة (أصحاب الأخدود) (١-٩).

2. التمييز بين الطائعين والعاصين (١٠-١١).

3. مشيئة الله تعالى، ونَفاذُ قُدْرته (١٢-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /90).

يقول ابن عاشور: «... ضرب المثَلِ للذين فتنوا المسلمين بمكة بأنهم مثلُ قوم فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أخدودًا من نار لتعذيبِهم؛ ليكون المثلُ تثبيتًا للمسلمين، وتصبيرًا لهم على أذى المشركين، وتذكيرًا لهم بما جرى على سلَفِهم في الإيمان من شدة التعذيب الذي لم يَنَلْهم مثلُه، ولم يصُدَّهم ذلك عن دِينهم.

وإشعار المسلمين بأن قوةَ الله عظيمةٌ؛ فسيَلقَى المشركون جزاءَ صنيعهم، ويَلقَى المسلمون النعيمَ الأبدي والنصر.
والتعريض للمسلمين بكرامتهم عند الله تعالى.
وضرب المثلِ بقوم فرعون، وبثمود، وكيف كانت عاقبة أمرهم لمَّا كذبوا الرسل؛ فحصلت العِبرة للمشركين في فَتْنِهم المسلمين، وفي تكذيبهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم، والتنويه بشأن القرآن». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /236).