هي اثنتان وعشرون آية وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة، وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج. والسماء والطارق، أخرجه أحمد وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج، أخرجه أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم.
ﰡ
والبروج في كلام العرب القصور، ومنه قوله (ولو كنتم في بروج مشيدة) شبهت منازل هذه النجوم بالقصور لكونها تنزل فيها، وقيل هي أبواب السماء. وقيل هي منازل القمر، وأصل البرج الظهور سميت بذلك لظهورها.
وعن جابر بن عبد الله " أن النبي ﷺ سئل عن السماء ذات البروج فقال الكواكب، وسئل عن قوله (جعل في السماء بروجاً) قال الكواكب وعن قوله (في بروج مشيدة) قال القصور " أخرجه ابن مردويه.
وذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الشاهد يوم الجمعة وأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه، والمشهود يوم عرفة لأنه يشهد الناس فيه موسم الحج وتحضره الملائكة، قال الواحدي وهذا قول الأكثر، قال ابن عباس: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وهو الحج الأكبر.
فيوم الجمعة جعله الله عيداً لمحمد ﷺ وأمته وفضله بها على الخلق أجمعين وهو سيد الأيام عند الله وأحب الأعمال إلى الله، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه، أخرجه ابن مردويه.
وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى، وقال سعيد بن المسيب: الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة، وقال النخعي: الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر: وقيل الشاهد هو الله سبحانه، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير لقوله (وكفى بالله شهيداً) وقوله (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم).
وقيل الشاهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً). وقوله (يا أيها الرسول إنا أرسلناك شاهداً) وقوله (ويكون الرسول عليكم شهيداً) وقيل الشاهد جميع
وقيل هو عيسى ابن مريم لقوله (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم).
والمشهود على هذه الأقوال الثلاثة إما أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو أمم الأنبياء أو أمة عيسى.
وقيل الشاهد آدم والشهود ذريته، وقال محمد بن كعب: الشاهد الإنسان لقوله (كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) وقال مقاتل أعضاؤه لقوله (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم).
وقال الحسين بن الفضل: الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) وقيل الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم " وقيل الأيام والليالي، وقيل الشاهد الخلق يشهدون لله عز وجل بالوحدانية والمشهود له بالوحدانية هو الله سبحانه. وسيأتي بيان ما هو الحق.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة " وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذ منه " أخرجه الترمذي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه.
وعن أبي هريرة رفعه " قال الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة والمشهود هو الموعود يوم القيامة " أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه (١).
_________
(١) رواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في " التقريب "، وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن
-[١٦٠]-
عبيدة، وموسى بن عبيدة: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قبل حفظه، وقال ابن كثير: وروى هذا الحديث ابن خزيمة من طرق عن موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، وقد روي موقوفاً على أبي هريرة، وهو أشبه.
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ " اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة " أخرجه ابن جرير والطبراني وابن مردويه.
وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الآية " الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة " أخرجه ابن عساكر وابن مردويه، وعن أبي هريرة مثله موقوفاً.
وعن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله ﷺ أن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة " وهذا مرسل من مراسيله أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة " أخرجه ابن ماجه والطبراني وابن جرير.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال في الآية الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً سأله عن قوله (وشاهد ومشهود) قال هل سألت أحداً قبلي قال نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة قال لا ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم قرأ (وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) والمشهود يوم القيامة، ثم قرأ (ذلك يوم مشهود) وعن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما في الآية قال الشاهد جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا (إنا أرسلناك شاهداً) (ذلك يوم مشهود).
وعن ابن عباس قال اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد محمد صلى الله عليه
وعنه قال الشاهد الله والشهود يوم القيامة.
قلت وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدل من استدل منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو ذلك الشاهد والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا وشاهد ومشهود هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل ذلك.
فإن قلت هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك الأشعري وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود والشاهد والمشهود.
قلت أما اليوم الموعود فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم الجمعة وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث الأشعري أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة فاتففت هذه الأحاديث عليه، ولا تضر زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني.
وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم عرفة وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة وفي حديث جبير أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود فقد قدمنا أنه
وقيل هو مقدر يدل عليه قوله قتل أصحاب الأخدود كأنه قال أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود، فإن السورة وردت لتثبيت المؤمنين على أذاهم وتذكيرهم بما جرى على من قبلهم.
وقيل تقدير الجواب أن الأمر حق في الجزاء، وقيل تقدير الجواب لتبعثن، واختاره ابن الأنباري.
وقال أبو حاتم السجستاني وابن الأنباري أيضاًً في الكلام تقديم وتأخير أي (قتل أصحاب الأخدود) (والسماء ذات البروج) واعترض عليه بأنه لا يجوز أن يقال والله قام زيد.
وعن ابن مسعود قال: (والسماء ذات البروج إلى قوله) شاهد ومشهود) هذا قسم على (أن بطش ربك لشديد) إلى آخرها، والأخدود جمع خد وهو الحق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق وجمعه أخاديد ومنه الخد لمجاري الدموع والمخدة لأن الخد يوضع عليها، ويقال تخدد وجه الرجل إذا صارت فيه أخاديد من جراح.
أخرج عبد الرازق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن انظروا لي غلاماً فهماً -أو قال فطناً- ألقنه فأعلمه علمي فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه قال فنظروا له على
ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف، وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب.
وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به.
وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به.
وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به.
وعن علي بن أبي طالب في قوله (أصحاب الأخدود) قال هم الحبشة أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم.
وعن ابن عباس " قال هم ناس من بني إسرائيل خدوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء فعرضوا عليها " أخرجه ابن جرير وقال مقاتل كانت الأخاديد ثلاثة واحدة بنجران باليمن وأخرى بالشام. وأخرى بفارس، حرق أصحابها بالنار فأما التي بالشام فهو أبطاموس الرومي، وأما التي بفارس فبختنصر، ويزعمون أنهم أصحاب دانيال، وأما التي باليمن فذو نواس.
فأما التي بالشام وفارس فلم ينزل الله فيهم قرآنا وأنزل في التي بنجران اليمن وذلك لأن هذه القصة كانت مشهورة عند أهل مكة فذكرها الله تعالى لأصحاب رسوله يحملهم بذلك على الصبر وتحمل المكاره في الدين.
قرأ الجمهور بفتح الواو من الوقود، وقرىء بضمها وبرفع النار على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي النار أو على أنها فاعل فعل محذوف أي أحرقتهم النار.
قال الزجاج أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في الله، وفيه حث للمؤمنين على الصبر وتحمل أذى أهل الكفر والعناد.
روي أن الله أنجى المؤمنين الملقين في النار وكانوا سبعة وسبعين بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها وخرجت النار إلى من ثم فأحرقتهم، وهؤلاء لم يرجعوا عن دينهم، والذين رجعوا عشرة أو أحد عشر، ولم يرد نص بتعيين عدد أصحاب الأخدود.
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم | يسلو عن الأهل والأوطان والحشم |
ولا عيب فيها غير شكلة عينها | كذاك عتاق الطير شكلاً عيونها |
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم | بهن فلول من قراع الكتائب |