تفسير سورة البروج

حومد

تفسير سورة سورة البروج من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بالسَّمَاءِ وَبُرُوجِهَا.
(وَالبُرُوجُ هِيَ مَنَازِلُ الشَّمْسِ، وَقِيلَ إِنَّ البُرُوجَ هِيَ النُّجُومُ العِظَامُ).
(٢) - وَيًُقْسِمُ تَعَالَى بِيَوْمِ القِيَامَةِ وَهُوَ اليَوْمَ المَوْعُودُ لِلْفَصْلِ وَالجَزَاءِ.
(٣) - وَيُقْسِمُ تَعَالَى بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ فِي هَذَا الكَوْنِ مِمَّا يَشْهَدُهُ النَّاسُ وَيَرَوْنه.
(وَقَيلَ إِنَّ المَعْنِيَّ بِالشَّاهِدِ هُوَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى غَيْرِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالمَشْهُودُ هُوَ مَنْ يَشْهَدُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ).
﴿أَصْحَابُ﴾
(٤) - لُعِنَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، وَقَاتَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى (وَهَذَا جَوَابُ القَسَمِ).
(وَالأُخْدُودُ حُفْرَةٌ فِي الأَرْضِ. وَأَصْحَابُ الأُخْدُودِ هُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ يَهُودِ اليَمَنِ عَمَدُوا إِلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِدِينِ المَسِيحِ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى الارْتِدَادِ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَفَرُوا حُفْرَةً فِي الأَرْضِ (أُخْدُوداً) أَضَرَمُوا فِيهَا نَاراً عَظِيمَةً، وَوَقَفُوا بِالمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّارِ، فَمَنْ قَبِلَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الارْتِدَادَ عَنْ دِينِهِ أَطْلَقُوهُ، وَمَنْ رَفَضَ أَلْقَوْهُ فِي النَّارِ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَامُوا بِهَذَا العَمَلِ المُنْكَرِ).
قُتِلَ - لُعِنَ.
الأُخْدُودِ - الشِّقِّ العَظِيمِ فِي الأَرْضِ.
(٥) - وَأَصْحَابُ الأُخْدُودِ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ التِي فِيهَا مِنَ الحَطَبِ الكَثِيرِ مَا يَشْتَدُّ بِهِ لَهِيبُهَا.
(٦) - وَكَانَ هَؤُلاَءِ المُجْرِمُونَ قَاعِدِينَ حَوْلَ النَّارِ، يُشْرِفُونَ عَلَى تَعْذِيبِ المُؤْمِنِينَ.
(٧) - وَكَانَ الطُّغَاةُ الذِينَ أَمَرُوا بِإِحْرَاقِ المُؤْمِنينَ يُشَاهِدُونَ مَا يَفْعَلُهُ أَتْبَاعُهُمْ بِالمُؤْمِنِينَ.
(٨) - وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلاَءِ المُؤْمِنِينَ مِنْ ذَنْبٍ يُسَبِّبُ نِقْمَةَ الطُّغَاةِ عَلَيْهِمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِرَبِّهِم العَزِيزِ، الذِي يُخْشَى عِقَابُهُ المُنْعِمِ، الذِي يُرْجَى ثَوَابُهُ.
مَا نَقَمُوا - مَا أَنْكَرُوا، أَوْ مَا كَرِهُوا.
﴿السماوات﴾
(٩) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْعِزَّةِ وَالحَمْدِ لأَنَّهُ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَلاَ مَهْرَبَ لِهَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ مِنْهُ، وَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ خَلْقِهِ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ.
﴿المؤمنات﴾
(١٠) - إِنَّ الذِينَ حَاوَلُوا فِتْنَةَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ عَنْ دِينِهِمْ، وَعَذَّبُوهُمْ لِيُجْبِرُوهُمْ عَلَى الارْتِدَادِ عَنِ الإِيْمَانِ، وَأَصَرُّوا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالعِنَادِ والطُّغْيَانِ، وَلَمْ يَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ حَتَّى أَدْرَكَهُمُ المَوْتُ، فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي نَارِ جَهَنَّمَ جَزَاءً لَهُمْ.
فَتَنُوا - عَذَّبُوا المُؤْمِنِينَ لِيُجْبِرُوهُمْ عَلَى تَرْكِ دِينِهِمْ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾ ﴿جَنَّاتٌ﴾ ﴿الأنهار﴾
(١١) - إِنَّ الذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ، وَقَامُوا بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَرِضْوَانِهِ، فَأَوْلَئِكَ يُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا، وَهَذَا هُوَ الفَوْزُ الكَبِيرُ.
(١٢) - إِنَّ انْتِقَامَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الجَبَابِرَةِ وَالطُّغَاةِ هُوَ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ، وَفِي مُنْتَهَى الإِيْلاَمِ.
بَطْشُ رَبِّكَ - أَخْذُهُ الجَبَابِرَةَ بِالعَذَابِ.
(١٣) - وَهُوَ يُبْدِئُ الخَلْقَ (أَيْ يَخْلُقُهُمْ ابْتِدَاءً) ثُمَّ يُعِيدُ خَلْقَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى، بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا تُرَاباً.
يُبْدِئُ - يَخْلُقُ ابْتِدَاءً.
يُعِيدُ - يَبْعَثُ المَوْتَى بِقُدْرَتِهِ، وَيُعِيدُ خَلْقَهُمْ.
(١٤) - وَهُوَ الغَفُورُ لِمَنْ بَادَرُوا إِلَيهِ بِالتَّوْبَةِ فَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَهُوَ تَعَالَى كَثيرُ الودِّ وَالمَحَبَّةِ لِمَنْ خَلُصَتْ نَفْسُهُ لِرَبِّهِ بِالمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ.
الوَدُودُ - المُتَوَدِّدُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ بِالكَرَامَةِ.
(١٥) - وَهُوَ ذُو العَرْشِ، أَيْ صَاحِبُ العَرْشِ العَظِيمِ العَالِي عَلَى جَمِيعِ الخَلاَئِقِ.
المَجِيدُ - العَظِيمُ الجَلاَلِ المُتَعَالِي.
(١٦) - يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَقُولُ للشَّيءِ كُنْ فَيَكُونُ، فَإِذَا أَرَادَ هَلاَكَ الجَاحِدِينَ، وَنَصْرَ المُؤْمِنِينَ لَمْ يُعْجِزْهُ ذَلِكَ.
﴿أَتَاكَ﴾
(١٧) - هَلْ بَلَغَكَ يَا مُحَمَّدُ حَدِيثُ الجُنُودِ مِنَ الأُمَمِ الطَّاغَيَةِ الخَالِيَةِ، الذِينَ تَمَادَوا فِي الكَفْرِ والضَّلاَلَةِ، وَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِمْ مِنَ العَذَابِ وَالنِّكَالِ؟
(١٨) - وَهَؤُلاَءِ الجُنُودِ هُمْ فِرْعَونُ، الذِي طَغَى وَادَّعَى الأًلُوهِيَّةَ، وَقَوْمُهُ، الذِينَ أَغْرَقَهُمُ اللهُ فِي البَحْرِ. وَثَمُودُ قَوْمُ صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلامُ، الذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ التِي جَعَلَهَا اللهُ لَهُمْ آيةً عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِمْ، فَدَمَّرَ اللهُ بِلاَدَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ مِنْ بَاقِيَةٍ.
(١٩) - بَلِ الكَافِرُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَشَدُّ فِي تَكْذِيبِهِمْ لَكَ مِنْ تَكذِيبِ تِلْكَ الأَقْوَامِ لِرُسُلِهِمْ.
﴿وَرَآئِهِمْ﴾
(٢٠) - وَاللهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ، لاَ مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْهُ.
﴿قُرْآنٌ﴾
(٢١) - وَهَذَا القُرْآنُ الذِي جِئْتَهُمْ بِهِ، وَكَذَّبُوا بِهِ، هُوَ كِتَابٌ عَظِيمٌ مَجِيدٌ أَنْزَلَهُ اللهُ وَصَانَهُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ.
(٢٢) - وَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى فِي المَلأِ الأَعْلَى مَحْفُوظاً مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، فَهُوَ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ.
سورة البروج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البُرُوج) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت ببيان قدرة الله عز وجل وعظمتِه، ثم جاءت على ذكرِ قصة (أصحاب الأخدود)، وهم قومٌ فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أُخدودًا من نار لتعذيبهم؛ وذلك تثبيتًا لقلوب الصحابة على أمرِ هذه الدعوة، وأن اللهَ - بعظمتِه وسلطانه - الذي أقام السماءَ والأرض صاحبَ البطش الشديد معهم وناصرُهم، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورةَ في الظُّهر والعصر.

ترتيبها المصحفي
85
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
27
العد المدني الأول
22
العد المدني الأخير
22
العد البصري
22
العد الكوفي
22
العد الشامي
22

* سورة (البُرُوج):

سُمِّيت سورة (البُرُوج) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ} [البروج: 1]؛ وهي: الكواكبُ السيَّارة.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (البُرُوج):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. قصة (أصحاب الأخدود) (١-٩).

2. التمييز بين الطائعين والعاصين (١٠-١١).

3. مشيئة الله تعالى، ونَفاذُ قُدْرته (١٢-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /90).

يقول ابن عاشور: «... ضرب المثَلِ للذين فتنوا المسلمين بمكة بأنهم مثلُ قوم فتَنوا فريقًا ممن آمن بالله، فجعلوا أخدودًا من نار لتعذيبِهم؛ ليكون المثلُ تثبيتًا للمسلمين، وتصبيرًا لهم على أذى المشركين، وتذكيرًا لهم بما جرى على سلَفِهم في الإيمان من شدة التعذيب الذي لم يَنَلْهم مثلُه، ولم يصُدَّهم ذلك عن دِينهم.

وإشعار المسلمين بأن قوةَ الله عظيمةٌ؛ فسيَلقَى المشركون جزاءَ صنيعهم، ويَلقَى المسلمون النعيمَ الأبدي والنصر.
والتعريض للمسلمين بكرامتهم عند الله تعالى.
وضرب المثلِ بقوم فرعون، وبثمود، وكيف كانت عاقبة أمرهم لمَّا كذبوا الرسل؛ فحصلت العِبرة للمشركين في فَتْنِهم المسلمين، وفي تكذيبهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم، والتنويه بشأن القرآن». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /236).