ﰡ
وهذه الجملُ التي جيْءَ بها من غيرِ عاطفٍ لأنها سِيْقَتْ لتعديدِ نعمةٍ كقولك: فلانٌ أَحْسَنَ إلى فلانٍ: أكرمه، أشاد ذِكْرَه، رَفَعَ مِنْ قَدْرِه،
قوله: ﴿وَوَضَعَ الميزان﴾ العامَّةُ على «وَضَع» فعلاً ماضياً. و «الميزانَ» نُصِبَ على المفعولِ به. وقرأ إبراهيم. «ووَضْعَ الميزانِ» بسكون الضاد وخفض «الميزانِ». وتخريجُها: على أنه معطوفٌ على مفعولِ «رَفَعَها»، أي: وَرَفَعَ وَضْعَ الميزان، أي: جَعَلَ له مكانةً ورِفْعَةً لأَخْذِ الحقوق به، وهو مِنْ بديعِ اللفظِ، حيث يصير التقديرُ: ورَفَعَ وَضْعَ الميزان.
وقال الزمخشري: «فإن قلتَ: كيف أَخَلَّ بالعاطف في الجمل الأُوَل وجِيْءَ به بعدُ؟ قلت: بَكَّتَ بالجملِ الأُوَلِ واردةً على سَنَنِ التعديد الذين أنكروا الرحمنَ وآلاءَه كما يُبَكَّتُ مُنْكِرُ أيادي المُنْعَمِ [عليه] من
٤١٧٠ - لا أَرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ | نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنى والفقيرا |
٤١٧١ - فجاءَ بها ما شِئتَ مِنْ لَطَمِيَّةٍ | على وَجْهِها ماءُ الفُراتِ يموجُ |
واللؤلؤ قيل: / كبارُ الجوهر. والمَرْجانُ صغاره، وقيل بالعكس، وأنشدوا قولَ الأعشى:
٤١٧٢ - مِنْ كلِّ مَرْجانةٍ في البحرِ أَحْرَزها | تَيَّارُها ووقاها طِيْنَها الصَّدَفُ |
وقرأ طلحة» اللُّؤْلِىءُ «بكسر اللام الثالثة، وهي لغةٌ محفوظةٌ. ونَقَل عنه أبو الفضلِ» اللُّؤْلِيْ «بقَلْبِ الهمزة الأخيرة ياءً ساكنة كأنه لَمَّا كسَر ما قبل الهمزة قلبها ياءً استثقالاً. وقرأ أبو عمرو في رواية» يُخْرِجُ «أي الله تعالى. ورُوِي عنه أيضاً وعن ابن مقسم» نُخْرِجُ «بنون العظمة. واللؤلؤُ والمَرْجان في هاتين القراءتَيْن منصوبان.
٤١٧٣ - لها ثنايا أربعٌ حِسانُ | وأربعٌ فثَغْرُها ثَمانُ |
٤١٧٤ - إنَّ السِّباعَ لَتَهْدَا في مَرابِضِها | ............................. |
٤١٧٥ - رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَم | تَرْفَعَنْ ثوبي شَمالاتُ |
٤١٧٦ - ألانَ وقد فَرَغْتُ إلى نُمَيْرٍ | فهذا حينَ كُنْتُ لهمُ عَذاباً |
٤١٧٧ -............................. | فَرَغْتُ إلى العبدِ المقيَّدِ في الحِجْلِ |
٤١٧٨ - ونارَ حَرْبٍ تُسْعِرُ الشُّواظا... وقال حسان:
٤١٧٩ - هَجَوتُكَ فاخْتَضَعْتَ لها بذُلٍّ | بقافِيَة تَأَجَّجُ كالشُّواظِ |
٤١٨٠ - يُضيْءُ كضَوْءِ سراجِ السَّلِيْ | طِ لم يَجْعَلِ اللَّهُ فيه نُحاسا |
قوله: ﴿وَرْدَةً﴾ أي: مثلَ وَرْدَةٍ فقيل: هي الزهرة المعروفة التي تُشَمُّ، شَبَّهها بها في الحُمْرة، وأنشد:
٤١٨١ - فلو كُنْتُ وَرْداً لَوْنُه لعَشِقْنَني | ولكنَّ ربي شانَني بسَواديا |
٤١٨٢ - فَلَئِنْ بَقِيْتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوةٍ | تَحْوِي الغنائمَ أو يموتَُ كريمُ |
٤١٨٣ - كأنَّهما مَزادَتا مُتَعَجِّلٍ | فَرِيَّانِ لَمَّا تُدْهَنا بدِهان |
٤١٨٤ - وأَجْرَدَ مِنْ كِرامِ الخَيْلِ طِرْفٍ | كأنَّ على شَواكِله دِهانا |
٤١٨٥ - يَبِعْنَ الدِّهانَ الحُمْرَ كلَّ عَشِيَّةٍ | بموسِمِ بَدْرٍ أو بسُوْقِ عُكاظِ |
قوله: ﴿فَيُؤْخَذُ بالنواصي﴾ «يُؤْخَذُ» متعدٍّ، ومع ذلك تَعَدَّى بالباء؛
فهذا المعنى غيرُ الأولِ، فلا يَحْسُن مع الباء مفعولٌ آخرُ، إلاَّ أَنْ تجعلَها بمعنى: مِنْ أَجْل، فيجوزُ أن تقولَ: أَخَذْتُ زيداً بعمروٍ، أي: مِنْ أجلِه وبذنبِه» انتهى. وفيما قاله نَظَرٌ، لأنك تقولُ: أَخَذْتُ الثوبَ بدرهمٍ، فقد تعدَّى بغير «مِنْ» أيضاً بغير المعنى الذي ذكره.
وأل في النواصي والأقدام ليسَتْ عِوَضاً مِنْ ضمير عند البَصْريين فالتقدير: بالنواصي منهم، وهي عند الكوفيين عِوَضٌ. والنَّاصِيَةُ: مُقَدَّمُ الرأسِ. وقد تقدَّم هذا مستوفى في هود. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «ما لكم لا تَنْصُون مَيِّتكم»، أي: لا تَمُدُّون ناصِيته. والنَّصِيُّ
٤١٨٦ -.................... ونَفَيْتُ عنه | مَقامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ اللعينِ |
والأَفْنان: فيه وجهان، أحدُهما: أنه جمعُ فَنَن كطَلَل وهو الغُصْنُ. قال النابغة الذبياني:
٤١٨٧ - بكاءَ حمامةٍ تَدْعو هَدِيلاً | مُفَجَّعةٍ على فَنَنٍ تُغَنِّي |
٤١٨٨ - رُبَّ وَرْقاءَ هَتُوفٍ بالضُّحى | ذاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ في فَنَنِ |
٤١٨٩ -............................ | على كلِّ أفنانِ العِضاهِ تَرُوْقُ |
٤١٩٠ - ومِنْ كلِّ أفنانِ اللَّذاذَةِ والصِّبا | لَهَوْتُ به والعيشُ أخضرُ ناضِرُ |
قوله: ﴿بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً. والظاهر أنَّها صفةٌ ل «فُرُش». و «مِنْ إستبرق» قد تَقَدَّم الكلام في الاستبرق وما قيل فيه في سورة الكهف. وقال أبو البقاء هنا: «أصلُ
قوله: ﴿وَجَنَى الجنتين دَانٍ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ. ودانٍ أصلهُ دانِوٌ مثلَ غازٍ، فأُعِلَّ كإِعلالِه. وقرأ عيسى بن عمر «وجَنِيَ» بكسر النون. وتوجيهُها: أن يكونَ أمال الفتحة لأجل الألف، ثم حذف الألف لالتقاءِ السَّاكنين، وأبقى إمالة النون فَظُنَّتْ كسرةً. وقُرِىء «وجِنَى» بكسر الجيم، وهي لغة. والجَنى: ما يُقْطَفُ من الثمار. وهو فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَض والنَقَص.
فالجوابُ: أنَّ أقلَّ الجمعِ اثنان على قولٍ، وله شواهدُ قد تقدَّم أكثرُها. وإمَّا أن يقالَ: عائدٌ على الجنات المدلولِ عليها بالجنتْين، وإمَّا أَنْ يقالَ: إنَّ كل فردٍ فردٍ له جنتان فصَحَّ أنها جناتٌ كثيرة، وإمَّا أنَّ الجنةَ تشتمل على مجالسَ وقصورٍ ومنازلَ فأطلقَ على كلِّ واحدٍ منها جنة. وقيل: يعودُ على الفُرُش. وهذا قولٌ حَسَنٌ قليلُ الكُلْفَةِ.
وقال الزمشخري: «فيهِنَّ: في هذه الآلاءِ المعدودة من الجنَّتَيْن والعينَيْن والفاكهةِ والفُرُشِ والجَنَى». قال الشيخ: «وفيه بُعْدٌ» وكان قد اسْتَحْسَنَ الوجهَ الذي قبله. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الاستعمالَ أَنْ يُقال: على الفِراش كذا، ولا يقال: في الفِراش كذا إلاَّ بتكلُّف؛ فلذلك جَمَعَ الزمخشريُّ مع الفُرُش غيرَها حتى صَحَّ له أَنْ يقولَ: «فيهن» بحرف الظرفيَّة، ولأن الحقيقةَ أنَّ الفُرُشَ يكون الإِنسانُ عليها؛ لأنه مُستَعْلٍ عليها. وأمَّا كونُه فيها فلا يقال إلاَّ بمجازٍ. وقال الفراء: «كلُّ موضع في الجنةِ جنةٌ، فلذلك صَحَّ أَنْ يُقالَ: فيهِنَّ، والقاصِراتُ: الحابساتُ الطرفِ، أي: أعينُهُنَّ عن غيرِ أَزْواجهن. ومعناه: قَصَرْنَ ألحاظَهُنَّ على أزواجِهنَّ. قال امرؤ القيس:
٤١٩١ - مِن القاصِراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ | من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا |
قوله: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾ هذه الجملةُ يجوز أَنْ تكونَ نعتاً لقاصِرات؛ لأن إضافتَها لفظيةٌ، كقولِه ﴿هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤] و [وقوله] :
٤١٩٢ - يا رُبَّ غابطِنا لو كان يَطْلُبُكمْ | ............................ |
٤١٩٣ - وطالما أُصْلِيَ اليقاوتُ جَمْرَ غَضَا | ثم انْطفا الجمرُ والياقوتُ ياقوتُ |
٤١٩٤ - أخو بَيَضاتٍ رائِحٌ مُتَأَوِّبُ | رفيقٌ بمَسْحِ المَنْكِبَيْنِ سَبُوْحُ |
٤١٩٥ - وتَكْسَلُ عن جيرانِها فيَزُرْنَها | وتَعْتَلُّ عن إتْيانِهِنَّ فتُعْذَرُ |
٤١٩٦ - وأنتِ التي حَبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ | إليَّ ولم تَعْلَمْ بذاك القَصائرُ |
عَنَيْتُ قصيراتِ الحِجالِ ولم أُرِدْ | قِصارَ الخُطا شَرُّ النساءِ البَحاتِرُ |
٤١٩٧ - متى كان الخيامُ بذي طُلوحٍ | سُقِيْتِ الغَيْثَ أيتها الخيامُ |
٤١٩٨ - أيها الفتيانُ في مَجْلِسِنا | جَرِّدُوا منها وِراداً وشُقُرْ |
٤١٩٩ - وما انْتَمَيْتُ إلى خُوْرٍ ولا كُسُف | ولا لئامٍ غداةَ الرَّوْع أَوْزاعِ |
وقرأ أبو محمد المروزي وكان نَحْوياً» خَضَّارٍ «كضَرَّاب بالتشديد. وأَفْعَلُ وفَعَّالٌ لا يُعْرَفُ.
والجمهورُ» وعَبْقِرِيٍّ «منسوب إلى عَبْقَر، تَزْعُم العربُ أنه بلدُ الجن فكلُّ ما عَظَّموه وتعجَّبوا منه قالوا: هذا عَبْقريٌّ. وفي الحديث:» فلم أرَ عَبْقَريَّاً يَفْري فَرِيَّه «والمرادُ به هنا قيل: البُسُط التي فيها صُوَرٌ وتماثيلُ. وقيل: هي الزَّرابِيُّ. وقيل: الطَّنافِسُ. وقيل: الدِّيباج. وعَبْقريّ جمع عَبْقَريَّة، يعني فيكونُ اسمَ جنسٍ، كما تقدَّم في رَفْرفَ. وقيل: هو واحدٌ دالٌّ على الجمع، ولذلك وُصِف بحسان.
سورة الرحمن
سورة (الرَّحْمن) من السُّوَر المكية، وقد أبانت عن مقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ عموم الرحمة لله عز وجل، وقد ذكَّر اللهُ عبادَه بنِعَمه وآلائه التي لا تُحصَى عليهم، وفي ذلك دعوةٌ لاتباع الإله الحقِّ المستحِق للعبودية، وقد اشتملت السورةُ الكريمة على آياتِ ترهيب وتخويف من عقاب الله، كما اشتملت على آياتٍ تُطمِع في رحمةِ الله ورضوانه وجِنانه.
ترتيبها المصحفي
55نوعها
مكيةألفاظها
352ترتيب نزولها
97العد المدني الأول
77العد المدني الأخير
77العد البصري
76العد الكوفي
78العد الشامي
78* سورة (الرَّحْمن):
سُمِّيت سورة (الرَّحْمن) بهذا الاسم؛ لافتتاحها باسم (الرَّحْمن)، وهو اسمٌ من أسماءِ الله تعالى.
* ذكَرتْ سورةُ (الرحمن) كثيرًا من فضائلِ الله على عباده:
عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ على أصحابِه، فقرَأَ عليهم سورةَ الرَّحْمنِ، مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، فسكَتوا، فقال: «لقد قرَأْتُها على الجِنِّ ليلةَ الجِنِّ فكانوا أحسَنَ مردودًا منكم! كنتُ كلَّما أتَيْتُ على قولِه: {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: لا بشيءٍ مِن نِعَمِك رَبَّنا نُكذِّبُ؛ فلك الحمدُ!»». أخرجه الترمذي (٣٢٩١).
1. من نِعَم الله الظاهرة (١-١٣).
2. نعمة الخَلْق (١٤-١٦).
3. نِعَم الله في الآفاق (١٧-٢٥).
4. من لطائف النِّعَم (٢٦-٣٢).
5. تحدٍّ وإعجاز (٣٣-٣٦).
6. عاقبة المجرمين (٣٧-٤٥).
7. نعيم المتقين (٤٦-٧٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /550).
مقصدُ سورة (الرَّحْمن) هو إثباتُ الرحمةِ العامة لله عز وجل، الظاهرةِ في إنعامه على خَلْقه، وأعظمُ هذه النِّعَم هو نزول القرآن، وما تبع ذلك من نِعَم كبيرة في هذا الكون.
يقول الزَّمَخْشريُّ: «عدَّد اللهُ عز وعلا آلاءه، فأراد أن يُقدِّم أولَ شيءٍ ما هو أسبَقُ قِدْمًا من ضروب آلائه وأصناف نَعْمائه؛ وهي نعمة الدِّين، فقدَّم من نعمة الدِّين ما هو في أعلى مراتبِها وأقصى مَراقيها؛ وهو إنعامُه بالقرآن وتنزيلُه وتعليمه؛ لأنه أعظَمُ وحيِ الله رتبةً، وأعلاه منزلةً، وأحسنه في أبواب الدِّين أثرًا، وهو سَنامُ الكتب السماوية ومِصْداقها والعِيارُ عليها.
وأخَّر ذِكْرَ خَلْقِ الإنسان عن ذكرِه، ثم أتبعه إياه؛ ليعلمَ أنه إنما خلَقه للدِّين، وليحيطَ علمًا بوحيِه وكتبِه وما خُلِق الإنسان من أجله، وكأنَّ الغرض في إنشائه كان مقدَّمًا عليه وسابقًا له، ثم ذكَر ما تميَّز به من سائر الحيوان من البيان؛ وهو المنطقُ الفصيح المُعرِب عما في الضمير». "الكشاف" للزمخشري (4 /443).