تفسير سورة الرحمن

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله تعالى :﴿ وَالحَبُّ ذُو العَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴾. رُوي عن ابن عباس وقتادة والضحاك أن العصف التبن. وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك :" الريحان الورق "، وعن ابن عباس أيضاً أن الريحان الحب.
وقال الحسن :" هو الريحان الذي يُشَمّ ". قال أبو بكر : لا يمتنع أن يكون جميع ذلك مراداً لوقوع الاسم عليه، والظاهر من الريحان أنه المشموم، ولما عطف الريحان على الحبِّ ذي العَصْفِ والعَصْفُ هو ساقه دلّ على أن الريحان ما يخرج من الأرض وله رائحة مستَلَذَّة قبل أن يصير له ساق، وذلك نحو الضيمران والنّمام والآس الذي يخرج ورقه ريحاناً قبل أن يصير ذا ساق ؛ لأن العطف يقتضي ظاهره أن المعطوف غير المعطوف عليه.
قوله تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ مراده مِنْ أحدهما ؛ لأنه إنما يخرج من الملح دون العذب، وهو كقوله :﴿ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ﴾ [ الأنعام : ١٣٠ ]، وإنما أَرْسَلَ من الإنس.
وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك :" المرجان صغار اللؤلؤ ". وقيل :" المرجان المختلط من الجواهر، من مَرَجْت أي خلطت ".
وقيل :" إنه ضرب من الجواهر كالقضبان يخرج من البحر ". وقيل : إنما قال :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ﴾ لأن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب لقاحاً للملح، كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وإنما تلده الأنثى.
وقال ابن عباس :" إذا جاء القطر من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك اللؤلؤ ".
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾، رُوي أنها تحمرُّ وتذوب كالدّهْنِ.
روي أن سماء الدنيا من حديد فإذا كان يوم القيامة صارت من الخضرة إلى الاحمرار من حرّ نار جهنم كالحديد إذا أُحْمي بالنار.
قوله تعالى :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ ولا جَانٌّ ﴾ ؛ قيل فيه : لا يُسأل سؤال استفهام لكن سؤال تقرير وتوقيف.
وقيل فيه : لا يُسأل في أول أحوال حضورهم يوم القيامة لما يلحقهم من الدهش والذهول ثم يُسألون في وقت آخر.
قوله تعالى :﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمَّانٌ ﴾ يحتج به لأبي حنيفة في أن الرُّطَبَ والرمان ليسا من الفاكهة، لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره.
هذا هو ظاهر الكلام ومفهومه إلا أن تقوم الدلالة على أنه انفرد بالذكر وإن كان من جنسه لضرب من التعظيم وغيره، كقوله تعالى :﴿ من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ﴾ [ البقرة : ٩٨ ].
سورة الرحمن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الرَّحْمن) من السُّوَر المكية، وقد أبانت عن مقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ عموم الرحمة لله عز وجل، وقد ذكَّر اللهُ عبادَه بنِعَمه وآلائه التي لا تُحصَى عليهم، وفي ذلك دعوةٌ لاتباع الإله الحقِّ المستحِق للعبودية، وقد اشتملت السورةُ الكريمة على آياتِ ترهيب وتخويف من عقاب الله، كما اشتملت على آياتٍ تُطمِع في رحمةِ الله ورضوانه وجِنانه.

ترتيبها المصحفي
55
نوعها
مكية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
97
العد المدني الأول
77
العد المدني الأخير
77
العد البصري
76
العد الكوفي
78
العد الشامي
78

* سورة (الرَّحْمن):

سُمِّيت سورة (الرَّحْمن) بهذا الاسم؛ لافتتاحها باسم (الرَّحْمن)، وهو اسمٌ من أسماءِ الله تعالى.

* ذكَرتْ سورةُ (الرحمن) كثيرًا من فضائلِ الله على عباده:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ على أصحابِه، فقرَأَ عليهم سورةَ الرَّحْمنِ، مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، فسكَتوا، فقال: «لقد قرَأْتُها على الجِنِّ ليلةَ الجِنِّ فكانوا أحسَنَ مردودًا منكم! كنتُ كلَّما أتَيْتُ على قولِه: {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: لا بشيءٍ مِن نِعَمِك رَبَّنا نُكذِّبُ؛ فلك الحمدُ!»». أخرجه الترمذي (٣٢٩١).

1. من نِعَم الله الظاهرة (١-١٣).

2. نعمة الخَلْق (١٤-١٦).

3. نِعَم الله في الآفاق (١٧-٢٥).

4. من لطائف النِّعَم (٢٦-٣٢).

5. تحدٍّ وإعجاز (٣٣-٣٦).

6. عاقبة المجرمين (٣٧-٤٥).

7. نعيم المتقين (٤٦-٧٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /550).

مقصدُ سورة (الرَّحْمن) هو إثباتُ الرحمةِ العامة لله عز وجل، الظاهرةِ في إنعامه على خَلْقه، وأعظمُ هذه النِّعَم هو نزول القرآن، وما تبع ذلك من نِعَم كبيرة في هذا الكون.

يقول الزَّمَخْشريُّ: «عدَّد اللهُ عز وعلا آلاءه، فأراد أن يُقدِّم أولَ شيءٍ ما هو أسبَقُ قِدْمًا من ضروب آلائه وأصناف نَعْمائه؛ وهي نعمة الدِّين، فقدَّم من نعمة الدِّين ما هو في أعلى مراتبِها وأقصى مَراقيها؛ وهو إنعامُه بالقرآن وتنزيلُه وتعليمه؛ لأنه أعظَمُ وحيِ الله رتبةً، وأعلاه منزلةً، وأحسنه في أبواب الدِّين أثرًا، وهو سَنامُ الكتب السماوية ومِصْداقها والعِيارُ عليها.

وأخَّر ذِكْرَ خَلْقِ الإنسان عن ذكرِه، ثم أتبعه إياه؛ ليعلمَ أنه إنما خلَقه للدِّين، وليحيطَ علمًا بوحيِه وكتبِه وما خُلِق الإنسان من أجله، وكأنَّ الغرض في إنشائه كان مقدَّمًا عليه وسابقًا له، ثم ذكَر ما تميَّز به من سائر الحيوان من البيان؛ وهو المنطقُ الفصيح المُعرِب عما في الضمير». "الكشاف" للزمخشري (4 /443).