ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ١ الى ١٣]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: (الرَّحْمنُ) فَاتِحَةُ ثَلَاثِ سُوَرٍ إِذَا جُمِعْنَ كُنَّ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (الر) وَ (حم) وَ (ن) فَيَكُونُ مَجْمُوعُ هَذِهِ (الرَّحْمنُ). (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أَيْ عَلَّمَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ. وَأُنْزِلَتْ حِينَ قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ وَقِيلَ: نَزَلَتْ جَوَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَالُوا: إنما يعلمه بشر وهو رحمان الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ). وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أَيْ سَهَّلَهُ لِأَنْ يُذْكَرَ وَيُقْرَأَ كَمَا قَالَ: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ). وَقِيلَ: جَعَلَهُ عَلَامَةً لِمَا تَعَبَّدَ النَّاسُ بِهِ. (خَلَقَ الْإِنْسانَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ يَعْنِي آدَمَ عليه السلام. (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) أسماء كل شي. وَقِيلَ: عَلَّمَهُ اللُّغَاتِ كُلَّهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنِ كَيْسَانَ: الْإِنْسَانُ هَاهُنَا يُرَادَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْبَيَانُ بَيَانُ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ، وَالْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ. وَقِيلَ: مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، لِأَنَّهُ بَيَّنَ عَنِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَيَوْمِ الدِّينِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: (الْبَيانَ) الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: (الْإِنْسانَ) يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ فَهُوَ اسْمٌ للجنس و (الْبَيانَ) عَلَى هَذَا الْكَلَامُ وَالْفَهْمُ، وَهُوَ مِمَّا فُضِّلَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى
... لَثَوَيْتَ غَيْرَ مُحَسَّبِ
أَيْ غَيْرَ مُوَسَّدٍ يَعْنِي غَيْرَ مُكَرَّمٍ وَلَا مُكَفَّنٍ (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) قال ابن عباس وغيره: النجم مالا ساق له والشجر ماله سَاقٌ، وَأَنْشَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَ صَفْوَانَ بْنِ أَسَدٍ التَّمِيمِيُّ:
لَقَدْ أَنْجَمَ الْقَاعُ الْكَبِيرُ عِضَاهَهُ | وَتَمَّ بِهِ حَيَّا تَمِيمٍ وَوَائِلِ |
مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ | ريح الجنوب لضاحي مائه حبك |
(٢). راجع ج ٩ ص ٢٧٩.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٤٠٨.
(٤). هو نهيك الفزاري يخاطب عامر بن الطفيل، والبيت بتمامه:
لتقيت بالوجعاء طعنة مرهف | مران أو لثويت غير محسب |
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ | سَرِيعٌ بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا |
(٢). راجع ج ١٠ ص ١١١.
(٣). قائله الراعي.
(٤). راجع ج ٧ ص ١٦٦.
(٢). راجع ج ١٥ ص ١٥١.
(٣). الزيادة من ب، ح، س، هـ.
(٤). في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي (أبو عبيدة) بدل ابن عيينة.
(٥). راجع ج ٩ ص ٨٥. [..... ]
بَلْ لَوْ شَهِدْتَ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا | بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا |
فَقُلْتُ لَهُمْ كِيلُو بِكُمَّةِ بَعْضِكُمْ | دَرَاهِمَكُمْ إِنِّي كَذَلِكَ أَكْيَلُ |
إِذَا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا | زَانَ جَنَابِي عطن معصف |
(٢). راجع ج ٢٠ ص.
بِغَيْرِ مَا عَصْفٍ وَلَا اصْطِرَافِ
وَكَذَلِكَ الِاعْتِصَافُ. وَالْعَصِيفَةُ الْوَرَقُ الْمُجْتَمِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّنْبُلُ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: وَالْعَصْفُ وَالْعَصِيفَةُ وَرَقُ السُّنْبُلِ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ: وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَقُولُ الْعَرَبُ لِوَرَقِ الزَّرْعِ الْعَصْفُ وَالْعَصِيفَةُ وَالْجِلُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ:
تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا... حَدُورُهَا مِنْ أَتِيِّ الْمَاءِ مَطْمُومُ
وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْجِلُّ بِالْكَسْرِ قَصَبُ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ. وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. الضَّحَّاكُ: هِيَ لُغَةُ حِمْيَرَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ، وَقَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّهُ خُضْرَةُ الزرع. وقال سعيد ابن جُبَيْرٍ: هُوَ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَصْفُ الْمَأْكُولُ مِنَ الزَّرْعِ، وَالرَّيْحَانُ مَا لَا يُؤْكَلُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الْعَصْفَ الْوَرَقُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ، وَالرَّيْحَانُ هُوَ الْحَبُّ الْمَأْكُولُ. وَقِيلَ: الرَّيْحَانُ كُلُّ بَقْلَةٍ طَيِّبَةِ الرِّيحِ سُمِّيَتْ رَيْحَانًا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرَاحُ لَهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً. أَيْ يَشُمُّ فَهُوَ فَعْلَانُ رَوْحَانُ مِنَ الرَّائِحَةِ، وَأَصْلُ الْيَاءِ فِي الْكَلِمَةِ وَاوٌ قُلِبَ يَاءً للفرق بينه وبين الروحاني وهو كل شي له روح. قال ابن الاعرابي: يقال شي رُوحَانِيٌّ وَرَيْحَانِيٌّ أَيْ لَهُ رُوحٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَزْنِ فَيْعَلَانِ فَأَصْلُهُ رَيْوَحَانُ فَأُبْدِلَ مِنَ الْوَاوِ يَاءً وَأُدْغِمَ كَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ، ثُمَّ أُلْزِمَ التَّخْفِيفُ لِطُولِهِ وَلِحَاقِ الزَّائِدَتَيْنِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا يَتَرَكَّبُ مِنَ الرَّاءِ وَالْوَاوِ وَالْحَاءِ الِاهْتِزَازُ وَالْحَرَكَةُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّيْحَانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ، تَقُولُ: خَرَجْتُ أَبْتَغِي رَيْحَانَ اللَّهِ، قال النمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه... وَرَحْمَتُهُ وَسَمَاءٌ دِرَرْ
وَفِي الْحَدِيثِ: (الْوَلَدُ مِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ). وَقَوْلُهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَرَيْحَانَهُ، نَصَبُوهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ يُرِيدُونَ تَنْزِيهًا لَهُ وَاسْتِرْزَاقًا. وَأَمَّا قوله: (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) فالعصف
قد يكسب المال الهدان الجافي
والهدان الأحمق.
قفا نبك «٤»...
وخليلي مرابي «٥»...
(٢). راجع ج ١٥ ص ١٩٥.
(٣). راجع ص ١٦ من هذا الجزء.
(٤). البيت مطلع معلقة امرى القيس وتمامه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل | بسقط اللوى بين الدخول فحومل |
خليلي مرابى على أم جندب | نقض لبانات الفؤاد المعذب |
لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً | إِيَّاكِ مِنْ دَمِهِ إِيَّاكِ إِيَّاكِ |
لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيقَ مَا طَرَفَتْ | عَيْنَاكَ مِنْ قَوْلِ كَاشِحٍ أَشِرِ |
وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَتِهِ زُرْهُ | وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ |
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ١٤ الى ١٨]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقَ الْإِنْسانَ) لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ ذَكَرَ خَلْقَ الْعَالَمِ الصَّغِيرِ فَقَالَ: (خَلَقَ الْإِنْسانَ) بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَعْنِي آدَمَ. (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) الصَّلْصَالُ الطِّينُ الْيَابِسُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ، شَبَّهَهُ بِالْفَخَّارِ الَّذِي طُبِخَ. وَقِيلَ: هُوَ طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ. وَقِيلَ: هُوَ الطِّينُ الْمُنْتِنُ مِنْ صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ إِذَا أَنْتَنَ، وَقَدْ مَضَى فِي (الْحِجْرِ) «٢». وَقَالَ هُنَا: (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) وَقَالَ هُنَاكَ: (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ). وقال:
(٢). راجع ج ١٠ ص ٢١.
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ١٩ الى ٢٣]
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
(٢). راجع ج ٤ ص ١٠٢. [..... ]
(٣). راجع ج ٢٠ ص ٤.
(٤). راجع ج ١٨ ص ٢٧٠.
(٥). راجع ج ١٥ ص ٦٣ وص ٦٨.
(٢). في ب، ح، ز، س، ل، هـ: (اليبس).
«٣» نْكُمْ) وإنما الرسل من الانس دون الجن، قاله الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فإذا خرج من أحدهما شي فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ»
نُوراً) وَالْقَمَرُ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ أَجْمَلَ ذِكْرَ السَّبْعِ فَكَأَنَّ مَا فِي إِحْدَاهُنَّ فِيهِنَّ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ مِنْ إِحْدَاهُمَا، كَقَوْلِهِ: (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ «٥» عَظِيمٍ) أَيْ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ مِنَ الْعَذْبِ. وَقِيلَ: هُمَا بَحْرَانِ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا اللُّؤْلُؤُ وَمِنَ الْآخَرِ الْمَرْجَانُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا بَحْرَا السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَإِذَا وَقَعَ مَاءُ السَّمَاءِ فِي صَدَفِ الْبَحْرِ انْعَقَدَ لُؤْلُؤًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْهُمَا، وَقَالَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ نَوَاةً كَانَتْ فِي جَوْفِ صَدَفَةٍ، فَأَصَابَتِ الْقَطْرَةُ بَعْضَ النَّوَاةِ وَلَمْ تُصِبِ الْبَعْضَ، فَكَانَ حَيْثُ أَصَابَ الْقَطْرَةَ مِنَ النَّوَاةِ لُؤْلُؤَةٌ وَسَائِرُهَا نَوَاةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَذْبَ وَالْمِلْحَ قَدْ يَلْتَقِيَانِ، فَيَكُونُ الْعَذْبُ كَاللِّقَاحِ لِلْمِلْحِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمَا كَمَا يُنْسَبُ الْوَلَدُ إِلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِنْ وَلَدَتْهُ الْأُنْثَى، لِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ إلا من موضع يَلْتَقِي فِيهِ الْعَذْبُ وَالْمِلْحُ. وَقِيلَ: الْمَرْجَانُ عِظَامُ اللُّؤْلُؤِ وَكِبَارُهُ، قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاللُّؤْلُؤُ صِغَارُهُ. وَعَنْهُمَا أَيْضًا بِالْعَكْسِ: إِنَّ اللُّؤْلُؤَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانَ صِغَارُهُ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مَالِكٍ: المرجان الخرز الأحمر.
(٢). ما بين المربعين ساقط من ز، ل.
(٣). راجع ج ٧ ص (٨٥)
(٤). راجع ج ١٨ ص (٣٠٤)
(٥). راجع ج ١٦ ص ٨٢
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٢٤ الى ٢٥]
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَهُ الْجَوارِ) يعنى السفن. (الْمُنْشَآتُ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (الْمُنْشَآتُ) بِفَتْحِ الشِّينِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَيِ الْمَخْلُوقَاتُ لِلْجَرْيِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِنْشَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ السُّفُنُ الَّتِي رُفِعَ قِلْعُهَا، قَالَ: وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشئات. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّهَا الْمُجْرَيَاتُ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى سُفُنًا مُقْلَعَةً، فقال: ورب هذه الجواري المنشئات مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ فِي قَتْلِهِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِاخْتِلَافٍ عنه (الْمُنْشَآتُ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيِ الْمُنْشِئَاتُ السَّيْرَ، أُضِيفَ الْفِعْلُ إِلَيْهَا عَلَى التَّجَوُّزِ وَالِاتِّسَاعِ. وَقِيلَ: الرَّافِعَاتُ الشُّرُعِ أَيِ الْقُلُعِ. وَمَنْ فَتَحَ الشِّينَ قَالَ: الْمَرْفُوعَاتُ الشُّرَعِ. (كَالْأَعْلامِ) أَيْ كَالْجِبَالِ، وَالْعَلَمُ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ، قَالَ «١»:
إِذَا قَطَعْنَ عَلَمًا بَدَا عَلَمُ
فَالسُّفُنُ فِي الْبَحْرِ كَالْجِبَالِ فِي الْبَرِّ، وَقَدْ مَضَى فِي (الشُّورَى) بَيَانُهُ «٢». وَقَرَأَ يَعْقُوبُ (الْجَوَارِي) بِيَاءٍ في الوقف، وحذف الباقون.
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٢٦ الى ٢٨]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) الضَّمِيرُ فِي (عَلَيْها) لِلْأَرْضِ، وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ أَكْرَمُ مَنْ عَلَيْهَا،
حتى تناهين بنا إلى الحكم
وبعده:
خليفة الحجاج غير المتهم | في ضئضئ المجد وبؤبؤ الكرم |
قَضَى عَلَى خلقه المنايا | فكل شي سِوَاهُ فَانِي |
(٢). راجع ج ٢ ص ٨٣. [..... ]
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٢٩ الى ٣٠]
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)
قَوْلُهُ تعالى: (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قِيلَ: الْمَعْنَى يَسْأَلُهُ من في السموات الرَّحْمَةَ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ الرِّزْقَ. وَقَالَ ابْنُ عباس وأبو صالح: أهل السموات يَسْأَلُونَهُ الْمَغْفِرَةَ وَلَا يَسْأَلُونَهُ الرِّزْقَ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَسْأَلُونَهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَتَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ الرِّزْقَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، فَكَانَتِ الْمَسْأَلَتَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ. وَفِي الْحَدِيثِ: (إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَلَكًا لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ [وَجْهٌ «١»] كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِبَنِي آدَمَ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْأَسَدِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِلسِّبَاعِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الثَّوْرِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِلْبَهَائِمِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ النَّسْرِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ لِلطَّيْرِ (. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الْقُوَّةَ عَلَى الْعِبَادَةِ.) كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ. وَانْتَصَبَ (كُلَّ يَوْمٍ) ظَرْفًا، لِقَوْلِهِ: (فِي شَأْنٍ) أَوْ ظَرْفًا لِلسُّؤَالِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ (هُوَ فِي شَأْنٍ). وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قَالَ: (مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا وَيَرْفَعَ قَوْمًا «٢» وَيَضَعَ آخَرِينَ). وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قَالَ: (يَغْفِرُ ذَنْبًا وَيَكْشِفُ كَرْبًا وَيُجِيبُ دَاعِيًا). وَقِيلَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْيِيَ وَيُمِيتَ، وَيُعِزَّ وَيُذِلَّ، وَيَرْزُقَ وَيَمْنَعَ. وَقِيلَ: أَرَادَ شَأْنَهُ فِي يَوْمَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ بَحْرٍ: الدَّهْرُ كُلُّهُ يَوْمَانِ، أَحَدُهُمَا مُدَّةُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَالْآخَرُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَشَأْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَشَأْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزاء والحساب،
(٢). في ب، ح، ز، س، ل، هـ: (أقواما).
(٢). راجع ج ٦ ص (١٤٣)
(٣). راجع ج ١٧ ص
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٣١ الى ٣٦]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) يُقَالُ: فَرَغْتُ مِنَ الشُّغْلِ أَفْرُغُ فُرُوغًا وَفَرَاغًا وَتَفَرَّغْتُ لِكَذَا وَاسْتَفْرَغْتُ مَجْهُودِي فِي كَذَا أَيْ بَذَلْتُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ يَفْرُغُ مِنْهُ، إِنَّمَا الْمَعْنَى سَنَقْصِدُ لِمُجَازَاتِكُمْ أَوْ مُحَاسَبَتِكُمْ، وَهَذَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ يُرِيدُ تَهْدِيدَهُ: إِذًا أَتَفَرَّغُ لَكَ أَيْ أَقْصِدُكَ. وَفَرَغَ بِمَعْنَى قَصَدَ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا لِجَرِيرٍ:
الْآنَ وَقَدْ فَرَغْتُ إِلَى نُمَيْرٍ | فَهَذَا حِينَ كُنْتُ لَهَا عَذَابَا |
فَرَغْتُ إِلَى الْعَبْدِ الْمُقَيَّدِ فِي الْحِجْلِ
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَايَعَ الْأَنْصَارَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، صَاحَ الشيطان: يأهل الْجُبَاجِبِ «٢»! هَذَا مُذَمَّمٌ يُبَايِعُ بَنِي قَيْلَةَ عَلَى حَرْبِكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَذَا إِزْبُ الْعَقَبَةِ «٣» أَمَا وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ الله لا تفرغن لَكَ) أَيْ أَقْصِدُ إِلَى إِبْطَالِ أَمْرِكَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقُتَبِيِّ وَالْكِسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ عَلَى التَّقْوَى وَأَوْعَدَ عَلَى الْفُجُورِ، ثُمَّ قَالَ: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ وَنُوصِلُ كُلًّا إِلَى مَا وَعَدْنَاهُ، أَيْ أَقْسِمُ ذَلِكَ وَأَتَفَرَّغُ مِنْهُ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَأُبَيٌّ (سَنَفْرُغُ إِلَيْكُمْ) وَقَرَأَ الأعمش وإبراهيم
(٢). الجباجب: منازل منى
(٣). الأزب: ضبطه الحلبي في سيرته بكسر الهمزة واسكان الزاي، وهو هنا اسم شيطان.
(٢). راجع ج ١٣ ص ٢١٤.
(٣). راجع ج ١٢ ص ٢٥ وص ٢٣٨ وج ١٦ ص (٩٧)
(٤). أي في غير القرآن.
(٥). راجع ج ١٢ ص ٢٥ وص ٢٣٨ وج ١٦ ص (٩٧)
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُولَةٌ | لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ |
(٢). في ب: (إلى سلطاني).
(٣). راجع ج ٩ ص ٢٦٧.
(٤). هو كثير عزة.
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي... مُغَلْغَلَةً تَدُبُّ إِلَى عُكَاظِ
أَلَيْسَ أبوك فينا كان فينا... لَدَى الْقَيْنَاتِ فَسْلًا فِي الْحِفَاظِ
يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيرًا... وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَبَ الشُّوَاظِ
فَأَجَابَهُ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
هَجَوْتُكَ فَاخْتَضَعْتَ لَهَا بِذُلٍّ... بِقَافِيَّةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ «١»
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
إِنَّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنَا أَقْيَاظَا... وَنَارَ حَرْبٍ تُسْعِرُ الشُّوَاظَا
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشُّوَاظُ اللَّهَبُ الْأَخْضَرُ الْمُنْقَطِعُ مِنَ النَّارِ. الضَّحَّاكُ: هُوَ الدُّخَانُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ اللَّهَبِ لَيْسَ بِدُخَانِ الْحَطَبِ. وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الشُّوَاظَ النار والدخان جميعا، قاله أبو عَمْرٌو وَحَكَاهُ الْأَخْفَشُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (شُواظٌ) بِكَسْرِ الشِّينِ. الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَهُمَا لُغَتَانِ، مِثْلَ صُوَارٍ وَصِوَارٍ لِقَطِيعِ الْبَقَرِ. (وَنُحاسٌ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (وَنُحاسٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى (شُواظٌ). وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عَمْرٍو (وَنُحَاسٍ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى النَّارِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ قَالَ إِنَّ الشُّوَاظَ النَّارُ والدخان جميعا فالجر في (نحاس) عَلَى هَذَا بَيِّنٌ. فَأَمَّا الْجَرُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الشُّوَاظَ اللَّهَبَ الَّذِي لَا دُخَانَ فِيهِ فَبَعِيدٌ لَا يَسُوغُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مَوْصُوفٍ كَأَنَّهُ قَالَ: (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ)
مجللة تعممه شنارا... مضرمة تأجج كالشواظ
والفسل من الرجال: الرذل الذي لا مروءة له ولا جلد. والمفسول مثله.
يضئ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِي | طِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسَا |
(٢). النجار- بكسر النون وضمها- الأصل والحسب.
(٣). الذي في الأصول: (بالضم فيهن) وما أثبتناه هو ما عليه كتب التفسير أي بضمتين وكسر السين.
(٤). راجع ج ١٠ ص ٩١.
(٥). راجع ج ٤ ص ٢٣٣.
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٣٧ الى ٤٠]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠)قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أَيِ انْصَدَعَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) الدِّهَانُ الدُّهْنُ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ فِي صَفَاءِ الدُّهْنِ، وَالدِّهَانُ عَلَى هَذَا جَمْعُ دُهْنٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: الْمَعْنَى فَكَانَتْ حَمْرَاءَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى تَصِيرُ فِي حُمْرَةِ الْوَرْدِ وَجَرَيَانِ الدُّهْنِ، أَيْ تَذُوبُ مَعَ الِانْشِقَاقِ حَتَّى تَصِيرَ حَمْرَاءَ مِنْ حَرَارَةِ نار جهنم، وتصير مثل الدهن لرقتها وذؤبانها. وَقِيلَ: الدِّهَانُ الْجِلْدُ الْأَحْمَرُ الصِّرْفُ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْفَرَّاءُ. أَيْ تَصِيرُ السَّمَاءُ حَمْرَاءَ كَالْأَدِيمِ لِشِدَّةِ حَرِّ النَّارِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى فَكَانَتْ كَالْفَرَسِ الْوَرْدِ، يُقَالُ لِلْكُمَيْتِ: وَرْدٌ إِذَا كَانَ يَتَلَوَّنُ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ الْوَرْدُ، فِي الرَّبِيعِ كُمَيْتٌ أَصْفَرُ، وَفِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ كُمَيْتٌ أَحْمَرُ، فَإِذَا اشْتَدَّ الشِّتَاءُ كَانَ كُمَيْتًا أَغْبَرَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ الْفَرَسَ الْوَرْدِيَّةَ، تَكُونُ فِي الرَّبِيعِ وَرْدَةً إِلَى الصُّفْرَةِ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ كَانَتْ وَرْدَةً حَمْرَاءَ، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ وَرْدَةً إِلَى الْغَبَرَةِ، فَشَبَّهَ تَلَوُّنَ السَّمَاءِ بِتَلَوُّنِ الْوَرْدِ مِنَ الْخَيْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: (كَالدِّهانِ) أَيْ كَصَبِّ الدُّهْنِ فَإِنَّكَ إِذَا صببته ترى فيه ألوانا. وقال زيد ابن أَسْلَمَ: الْمَعْنَى أَنَّهَا تَصِيرُ كَعَكَرِ الزَّيْتِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهَا تَمُرُّ وَتَجِيءُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ الْوَاوِ وَالرَّاءِ وَالدَّالِ لِلْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَرَسَ الْوَرْدَةَ تَتَغَيَّرُ أَلْوَانُهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّهَا الْيَوْمَ خَضْرَاءُ وَسَيَكُونُ لَهَا لَوْنٌ أَحْمَرُ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَزَعَمَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّ أَصْلَ لَوْنِ السَّمَاءِ الْحُمْرَةُ، وَأَنَّهَا لِكَثْرَةِ الْحَوَائِلِ وَبُعْدِ الْمَسَافَةِ تُرَى بِهَذَا اللَّوْنِ الْأَزْرَقِ، وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِعُرُوقِ الْبَدَنِ، وَهِيَ حَمْرَاءُ كَحُمْرَةِ الدَّمِ وَتُرَى بِالْحَائِلِ زَرْقَاءُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَإِنَّ السَّمَاءَ لِقُرْبِهَا مِنَ النَّوَاظِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَارْتِفَاعِ الْحَوَاجِزِ تُرَى حَمْرَاءَ، لأنه أصل لونها. والله أعلم.
(٢). راجع ج ١٠ ص (٥٩)
(٣). أي فل: معناه يا فلان وليس ترخيما له، وانما هي صيغة ارتجلت في النداء، ولا تقال الا بسكون اللام. وقال قوم: انه ترخيم فلان.
(٤). راجع ج ١٥ ص ٤٨ وص ٣٥٠
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٤١ الى ٤٥]
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) قَالَ الْحَسَنُ: سَوَادُ الْوَجْهِ وَزُرْقَةُ الْأَعْيُنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) «١» وَقَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) «٢». (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أَيْ تَأْخُذُ الْمَلَائِكَةُ بنواصيهم، أي بشعور مقدم رؤوسهم وَأَقْدَامِهِمْ فَيَقْذِفُونَهُمْ فِي النَّارِ. وَالنَّوَاصِي جَمْعُ نَاصِيَةٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ فِي سِلْسِلَةٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ بِرِجْلَيِ الرجل فيجمع بينهما وبين ناصية حَتَّى يَنْدَقَّ ظَهْرُهُ ثُمَّ يُلْقَى فِي النَّارِ. وَقِيلَ: يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ لِيَكُونَ أَشَدَّ لِعَذَابِهِ وَأَكْثَرَ لِتَشْوِيهِهِ. وَقِيلَ: تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى النَّارِ، تَارَةً تَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ وَتَجُرُّهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَتَارَةً تَأْخُذُ بِقَدَمَيْهِ وَتَسْحَبُهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) أَيْ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا فَكَذَّبْتُمْ. (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) قَالَ قَتَادَةُ: يَطُوفُونَ مَرَّةً بَيْنَ الْحَمِيمِ وَمَرَّةً بَيْنَ الْجَحِيمِ، وَالْجَحِيمُ النَّارُ، وَالْحَمِيمُ الشَّرَابُ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (آنٍ) ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّهُ الَّذِي انْتَهَى حَرُّهُ وَحَمِيمُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيُّ:
وَتُخْضَبْ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وَخَانَتْ | بِأَحْمَرَ مِنْ نَجِيعِ الْجَوْفِ آنِ «٣» |
(٢). راجع ج ٤ ص ١٦٦.
(٣). نجيع الجوف: يعنى الدم الخالص. وقبل البيت:
فان يقدر عليك أبو قبيس | تمط بك المعيشة في هوان |
هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهْ | إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إلى فيه |
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٥٦ الى ٥٧]
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) قِيلَ: فِي الْجَنَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنَّمَا قَالَ: (فِيهِنَّ) وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ عَنَى الْجَنَّتَيْنِ وَمَا أُعِدَّ لِصَاحِبِهِمَا مِنَ النَّعِيمِ. وَقِيلَ: (فِيهِنَّ) يَعُودُ عَلَى الْفُرُشِ الَّتِي بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، أَيْ فِي هَذِهِ الْفُرُشِ (قاصِراتُ الطَّرْفِ) أَيْ نِسَاءٌ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، قَصَرْنَ أَعْيُنَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَلَا يَرَيْنَ غَيْرَهُمْ. وَقَدْ مَضَى فِي (وَالصَّافَّاتِ) «٢» وَوُحِّدَ الطَّرْفُ مَعَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْجَمْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، مِنْ طَرَفَتْ عَيْنُهُ تَطْرِفُ طَرْفًا، ثُمَّ سُمِّيَتِ الْعَيْنُ بِذَلِكَ فَأَدَّى عَنِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، كَقَوْلِهِمْ: قَوْمٌ عَدْلٌ وصوم.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٨٠
وَقَعْنَ «١» إِلَيَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي | وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ |
(٢). راجع ج ١٣ ص (٢١١) [..... ]
(٣). راجع ج ١٠ ص ٢٨٩
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٥٨ الى ٦١]
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقَيْهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا) وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَأُرِيتَهُ [مِنْ وَرَائِهِ «١»] وَيُرْوَى مَوْقُوفًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَتَلْبَسُ سَبْعِينَ حُلَّةً فَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُنَّ فِي صَفَاءِ الْيَاقُوتِ، وَبَيَاضِ «٢» الْمَرْجَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (هَلْ) فِي الْكَلَامِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: تَكُونُ بِمَعْنَى قَدْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) «٣»، وَبِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ «٤» حَقًّا)، وَبِمَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) «٥»، وَبِمَعْنَى مَا فِي الْجَحْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ) «٦»، وَ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). قَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ هَلْ جَزَاءُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا الْجَنَّةُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا جزاء من قال لا إله إلا اله وَعَمِلَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْجَنَّةُ. وَقِيلَ: هَلْ جَزَاءُ مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ثُمَّ قَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ) قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (يَقُولُ مَا جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّةُ). وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ
(٢). كذا في الأصول، والعهود أن المرجان أحمر.
(٣). راجع ج ١٩ ص (٣٠٦)
(٤). راجع ج ٧ ص (٢٠٩)
(٥). راجع ج ٦ ص (٢٩٢)
(٦). راجع ج ١٠ ص ١٠٣
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٦٢ الى ٦٥]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) أَيْ وَلَهُ مِنْ دُونِ الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ جَنَّتَانِ أُخْرَيَانِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمِنْ دُونِهِمَا فِي الدَّرَجِ. ابْنُ زَيْدٍ: وَمِنْ دُونِهِمَا فِي الْفَضْلِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْجَنَّاتُ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، فَيَكُونُ فِي الْأُولَيَيْنِ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الزَّرْعُ وَالنَّبَاتُ وَمَا انْبَسَطَ. الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) لِأَتْبَاعِهِ لِقُصُورِ مَنْزِلَتِهِمْ عَنْ مَنْزِلَتِهِ، إِحْدَاهُمَا لِلْحُورِ الْعِينِ، وَالْأُخْرَى لِلْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ، لِيَتَمَيَّزَ بِهِمَا الذُّكُورُ عَنِ الْإِنَاثِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هِيَ أَرْبَعٌ: جَنَّتَانِ مِنْهَا لِلسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) وَ (عَيْنانِ تَجْرِيانِ)، وَجَنَّتَانِ لِأَصْحَابِ اليمين (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ)
. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ وَرِقٍ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. قُلْتُ: إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَلِيمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ (مِنْهَاجِ الدِّينِ لَهُ)، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) إِلَى قَوْلِهِ: (مُدْهامَّتانِ) قَالَ: تَانِكَ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَهَاتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ نَحْوُهُ. وَلَمَّا وَصَفَ اللَّهُ الْجَنَّتَيْنِ أَشَارَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ: (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ)، وفي الأخريين: ِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ)
أَيْ فَوَّارَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْجَارِيَتَيْنِ لِأَنَّ النَّضْخَ دُونَ الْجَرْيِ. وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ: (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ: (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) ولم يقل كُلِّ فَاكِهَةٍ، وَقَالَ
وَجَاءُوا «١» بِهِ فِي هَوْدَجٍ وَوَرَاءَهُ | كَتَائِبُ خُضْرٌ فِي نَسِيجِ السَّنَوَّرِ |
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٦٦ الى ٦٩]
فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩)
قوله تعالى: ِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ)
أَيْ فَوَّارَتَانِ بِالْمَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالنَّضْخُ بِالْخَاءِ أَكْثَرُ مِنَ النَّضْحِ بِالْحَاءِ. وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى نَضَّاخَتَانِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ. ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَأَنَسٌ: تَنْضَخُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ فِي دُورِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا يَنْضَخُ رَشُّ الْمَطَرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَالْمَاءِ. التِّرْمِذِيُّ: قَالُوا بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَالنِّعَمِ «٢» وَالْجَوَارِي الْمُزَيَّنَاتِ وَالدَّوَابِّ الْمُسْرَجَاتِ وَالثِّيَابِ الْمُلَوَّنَاتِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّضْخَ أَكْثَرُ مِنَ الْجَرْيِ. وَقِيلَ: تَنْبُعَانِ ثُمَّ تَجْرِيَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ. الْأُولَى- قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُمَا مِنَ الْفَاكِهَةِ وَإِنَّمَا أَعَادَ ذِكْرَ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ لِفَضْلِهِمَا وَحُسْنِ مَوْقِعِهِمَا على الفاكهة، كقوله تعالى:
(٢). في ب. (النعيم).
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٧٠ الى ٧١]
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) يَعْنِي النِّسَاءَ الْوَاحِدَةُ خَيْرَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَوَاتِ خَيْرٍ. وَقِيلَ: (خَيْراتٌ) بِمَعْنَى خَيْرَاتٍ فَخُفِّفَ، كهين ولين. ابن المبارك: حدثنا
(٢). راجع ج ٢ ص (٣٦)
(٣). في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي: والرمان كالشراب إلخ.
(٤). العجم- بالتحريك-: النوى
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٧٢ الى ٧٥]
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (حُورٌ) جَمْعُ حَوْرَاءَ، وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضَ الْعَيْنِ الشَّدِيدَةُ سَوَادَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢». (مَقْصُوراتٌ) مَحْبُوسَاتٌ مَسْتُورَاتٌ (فِي الْخِيامِ) فِي الْحِجَالِ لَسْنَ بِالطَّوَّافَاتِ فِي الطُّرُقِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ: هِيَ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ لَهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ): بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ سَحَابَةً أَمْطَرَتْ مِنَ الْعَرْشِ فَخُلِقَتِ الْحُورُ مِنْ قَطَرَاتِ الرَّحْمَةِ، ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَيْمَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ سَعَتُهَا أَرْبَعُونَ مِيلًا وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ»
وَلِيُّ اللَّهِ الْجَنَّةَ
(٢). راجع ج ١٥ ص (٨٠)
(٣). في ب: (حتى إذا أحل ولى الله بالخيمة).
وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلَّ قَصِيرَةٍ | إِلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِرُ |
عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الْحِجَالِ وَلَمْ أُرِدْ | قِصَارَ الْخُطَا شَرُّ النِّسَاءِ الْبَحَاتِرُ «١» |
(٢). في نسخ الأصل بنت عبيد والتصحيح من التهذيب.
(٣). مصاحبتهم في الزوجية والعشرة
[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٧٦ الى ٧٨]
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى:) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) الرَّفْرَفُ الْمَحَابِسُ «٢». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّفْرَفُ فُضُولُ الْفُرُشِ وَالْبُسُطِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الرَّفْرَفُ الْمَحَابِسُ يَتَّكِئُونَ عَلَى فُضُولِهَا، وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ: هِيَ الْبُسُطُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هِيَ الزرابي. وقال ابن كيسان: هي المرافق، وَقَالَهُ الْحَسَنُ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ حَاشِيَةُ الثَّوْبِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ الْخُضْرِ تُبْسَطُ. وَقِيلَ: الْفُرُشُ الْمُرْتَفِعَةُ. وَقِيلَ: كُلُّ ثَوْبٍ عَرِيضٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ رَفْرَفٌ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وَإِنَّا لَنَزَّالُونَ تَغْشَى نِعَالُنَا | سَوَاقِطَ مِنْ أَصْنَافِ رَيْطٍ وَرَفْرَفِ |
(٢). المحابس: جمع محبس كمقعد ثوب يطرح على ظهر الفراش النوم عليه. وفى ل: المجالس وكلا المغيين صحيح كما في اللغة.
حَتَّى كَأَنَّ رِيَاضَ الْقُفِّ أَلْبَسَهَا | مِنْ وَشْيِ عَبْقَرِ تَجْلِيلٌ وَتَنْجِيدُ |
بَخِيلٍ عَلَيْهَا جَنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ | جَدِيرُونَ يَوْمًا أَنْ يَنَالُوا فَيَسْتَعْلُوا |
كُهُولٌ وَشُبَّانٌ كَجِنَّةِ عَبْقَرِ «١»
ثُمَّ نَسَبُوا إِلَيْهِ كل شي يَعْجَبُونَ مِنْ حِذْقِهِ وَجَوْدَةِ صَنْعَتِهِ وَقُوَّتِهِ فَقَالُوا: عَبْقَرِيٌّ وَهُوَ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: (إِنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى عَبْقَرِيٍّ) وَهُوَ هَذِهِ الْبُسُطُ الَّتِي فِيهَا الْأَصْبَاغُ وَالنُّقُوشُ حَتَّى قَالُوا: ظُلْمٌ عَبْقَرِيٌّ وَهَذَا عَبْقَرِيُّ قَوْمٍ لِلرَّجُلِ الْقَوِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ: (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ) ثُمَّ خَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا تَعَارَفُوهُ فَقَالَ: (وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) وقرأه بعضهم
ومن فاد من إخوانهم وبنيهم
(٢). راجع ص ١٦٥ من هذا الجزء.
(٣). في ب: (والشياطين).
سورة الرحمن
سورة (الرَّحْمن) من السُّوَر المكية، وقد أبانت عن مقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ عموم الرحمة لله عز وجل، وقد ذكَّر اللهُ عبادَه بنِعَمه وآلائه التي لا تُحصَى عليهم، وفي ذلك دعوةٌ لاتباع الإله الحقِّ المستحِق للعبودية، وقد اشتملت السورةُ الكريمة على آياتِ ترهيب وتخويف من عقاب الله، كما اشتملت على آياتٍ تُطمِع في رحمةِ الله ورضوانه وجِنانه.
ترتيبها المصحفي
55نوعها
مكيةألفاظها
352ترتيب نزولها
97العد المدني الأول
77العد المدني الأخير
77العد البصري
76العد الكوفي
78العد الشامي
78* سورة (الرَّحْمن):
سُمِّيت سورة (الرَّحْمن) بهذا الاسم؛ لافتتاحها باسم (الرَّحْمن)، وهو اسمٌ من أسماءِ الله تعالى.
* ذكَرتْ سورةُ (الرحمن) كثيرًا من فضائلِ الله على عباده:
عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ على أصحابِه، فقرَأَ عليهم سورةَ الرَّحْمنِ، مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، فسكَتوا، فقال: «لقد قرَأْتُها على الجِنِّ ليلةَ الجِنِّ فكانوا أحسَنَ مردودًا منكم! كنتُ كلَّما أتَيْتُ على قولِه: {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: لا بشيءٍ مِن نِعَمِك رَبَّنا نُكذِّبُ؛ فلك الحمدُ!»». أخرجه الترمذي (٣٢٩١).
1. من نِعَم الله الظاهرة (١-١٣).
2. نعمة الخَلْق (١٤-١٦).
3. نِعَم الله في الآفاق (١٧-٢٥).
4. من لطائف النِّعَم (٢٦-٣٢).
5. تحدٍّ وإعجاز (٣٣-٣٦).
6. عاقبة المجرمين (٣٧-٤٥).
7. نعيم المتقين (٤٦-٧٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /550).
مقصدُ سورة (الرَّحْمن) هو إثباتُ الرحمةِ العامة لله عز وجل، الظاهرةِ في إنعامه على خَلْقه، وأعظمُ هذه النِّعَم هو نزول القرآن، وما تبع ذلك من نِعَم كبيرة في هذا الكون.
يقول الزَّمَخْشريُّ: «عدَّد اللهُ عز وعلا آلاءه، فأراد أن يُقدِّم أولَ شيءٍ ما هو أسبَقُ قِدْمًا من ضروب آلائه وأصناف نَعْمائه؛ وهي نعمة الدِّين، فقدَّم من نعمة الدِّين ما هو في أعلى مراتبِها وأقصى مَراقيها؛ وهو إنعامُه بالقرآن وتنزيلُه وتعليمه؛ لأنه أعظَمُ وحيِ الله رتبةً، وأعلاه منزلةً، وأحسنه في أبواب الدِّين أثرًا، وهو سَنامُ الكتب السماوية ومِصْداقها والعِيارُ عليها.
وأخَّر ذِكْرَ خَلْقِ الإنسان عن ذكرِه، ثم أتبعه إياه؛ ليعلمَ أنه إنما خلَقه للدِّين، وليحيطَ علمًا بوحيِه وكتبِه وما خُلِق الإنسان من أجله، وكأنَّ الغرض في إنشائه كان مقدَّمًا عليه وسابقًا له، ثم ذكَر ما تميَّز به من سائر الحيوان من البيان؛ وهو المنطقُ الفصيح المُعرِب عما في الضمير». "الكشاف" للزمخشري (4 /443).