تفسير سورة الشمس

تفسير السمعاني

تفسير سورة سورة الشمس من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة والشمس وهي مكية

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْس وَضُحَاهَا﴾ أَي: وضوئها، وَقيل: هُوَ النَّهَار كُله.
وَقَوله: ﴿وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا﴾ أَي: تبعها، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَقَتَادَة وَعَامة الْمُفَسّرين، وَهُوَ مَرْوِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، وَمعنى تبعها: يَعْنِي أَن الشَّمْس إِذا غربت يَليهَا الْقَمَر فِي الضَّوْء، وَيُقَال: هُوَ فِي الْأَيَّام الْبيض إِذا غربت الشَّمْس طلع الْقَمَر، وَقيل: هُوَ فِي أول لَيْلَة من الشَّهْر، إِذا غربت الشَّمْس رئي الْهلَال، وعَلى الْجُمْلَة الْقَمَر أحد النيرين، وَهُوَ يَتْلُو الشَّمْس إِذا اسْتَدَارَ واستتمه فِي إضاءة الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿وَالنَّهَار إِذا جلاها﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: جلا الظلمَة فكنى عَن الظلمَة من غير ذكرهَا، وَهُوَ كثير فِي كَلَام الْعَرَب، وَالْقَوْل الآخر: جلاها أَي: جلا الشَّمْس؛ لِأَن النَّهَار إِذا ارْتَفع أَضَاءَت الشَّمْس وانبسطت.
وَقَوله: ﴿وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا﴾ يَعْنِي: إِذا يغشى الشَّمْس أَي: يستر ضوءها.
وَقَوله: ﴿وَالسَّمَاء وَمَا بناها﴾ مَعْنَاهُ: وَمن بناها، وَقيل: وَالَّذِي بناها.
وَعَن ابْن الزبير أَنه سمع صَوت الرَّعْد فَقَالَ: سُبْحَانَ مَا سبحت لَهُ، أَي: الَّذِي سبحت لَهُ، وَيُقَال: وَمَا بناها أَي: وبنائها.
وَقَوله: ﴿وَالْأَرْض وَمَا طحاها﴾ أَي: وَمن بسطها، وَقيل: الأَرْض وطحوها أَي: وبسطها.
وَقَوله: ﴿وَنَفس وَمَا سواهَا﴾ أَي: وَمن سواهَا، وَقد بَينا معنى التَّسْمِيَة، وَقيل: هُوَ
232
﴿سواهَا (٧) فألهمها فجورها وتقواها (٨) قد أَفْلح من زكاها (٩) وَقد خَابَ من دساها (١٠) ﴾. اعْتِدَال الْقَامَة.
233
وَقَوله: ﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ أَي: عرفهَا وأعلمها، وَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَغَيرهمَا: جعل فِي قلبه فجورها وتقواها، وَهُوَ أولى من القَوْل الأول؛ لِأَن الإلهام فِي اللُّغَة فَوق التَّعْرِيف والإعلام.
وَقَالَ الزّجاج: عدلها للفجور، ووفقها للتقوى
﴿قد أَفْلح من زكاها﴾ على هَذَا وَقع الْقسم، وَالْمعْنَى: قد أفلحت نفس زكاها الله.
وَقَوله: ﴿وَقد خَابَ من دساها﴾ أَي: وخاب نفس دساها الله، وَقيل: أَفْلح من زكى نَفسه وَأَصْلَحهَا، وخاب من أخمد نَفسه ودسها، فعلى هَذَا قَوْله: ﴿دساها﴾ أَي: دسيها.
يَقُول الشَّاعِر:
(يقْضِي الْبَازِي إِذا الْبَازِي انْكَسَرَ... )
أَي: يقضض الْبَازِي.
قَالَ الْفراء: الْعَامِل بِالْفُجُورِ خامل عِنْد النَّاس غامض الشَّخْص، منكسر الرَّأْس، والمتقي عَال مُرْتَفع.
وَقَالَ ثَعْلَب: " من دساها " أَي: أغواها، وَعنهُ أَنه قَالَ: دساها أَي: دس نَفسه فِي أهل الْخَيْر وَلَيْسَ مِنْهُم.
قَالَ الشَّاعِر:
(وَأَنت الَّذِي دسيت عمرا فَأَصْبَحت... حلائله مِنْهُ أرامل ضيعا)
وَقَوله: " دساها " هَاهُنَا: أهلكت، فعلى هَذَا معنى قَوْله: ﴿وَقد خَابَ من دساها﴾ أَي: أهلكها بِالْمَعَاصِي.
وروى نَافِع بن عمر الجُمَحِي، عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - انْتَبَهت لَيْلَة فَوجدت رَسُول الله وَهُوَ يَقُول: " أعْط نفس تقواها، وزكها أَنْت خير من زكاها، أَنْت وَليهَا ومولاها ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بذلك أَبُو
233
﴿كذبت ثَمُود بطغواها (١١) إِذْ انْبَعَثَ أشقاها (١٢) فَقَالَ لَهُم رَسُول الله نَاقَة الله وسقياها (١٣) فَكَذبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾. الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن عَليّ العباسي، أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن عَليّ بن عِيسَى، أخبرنَا الْبَغَوِيّ، أخبرنَا دَاوُد بن عَمْرو الضَّبِّيّ، عَن نَافِع بن عمر... الحَدِيث.
234
وَقَوله: ﴿كذبت ثَمُود بطغواها﴾ أَي: بطغيانها، وَيُقَال: بأجمعها.
وَقَوله: ﴿إِذْ انْبَعَثَ أشقاها﴾ هُوَ قدار بن سالف، وَقد بَينا من قبل.
وروى رشدين، عَن يزِيد بن عبد الله بن سَلامَة، عَن عُثْمَان بن صُهَيْب، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله لعَلي: " من أَشْقَى الْأَوَّلين؟ قَالَ: عَاقِر النَّاقة، قَالَ: صدقت، قَالَ: فَمن أَشْقَى الآخرين؟ قَالَ: قلت: لَا أعلم يَا رَسُول الله.
قَالَ: الَّذِي يَضْرِبك على هَذِه، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى يَافُوخه ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا كَرِيمَة بنت أَحْمد قَالَت: أخبرنَا أَبُو عَليّ زَاهِر بن أَحْمد، أخبرنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس [السَّامِي]، أخبرنَا سُوَيْد بن سعيد، عَن رشدين.. الْخَبَر وَهُوَ غَرِيب.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ لَهُم رَسُول الله﴾، وَهُوَ صَالح.
وَقَوله: ﴿نَاقَة الله وسقياها﴾ أَي: ذَروا نَاقَة الله وسقياها، وَمعنى سقياها: شربهَا على مَا قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم﴾.
وَقَوله: ﴿فَكَذبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾ أَي: فكذبوا صَالحا، وعقروا النَّاقة.
234
﴿فدمدم عَلَيْهِم رَبهم بذنبهم فسواها (١٤) وَلَا يخَاف عقباها (١٥) ﴾.
وَقَوله: ﴿فدمدم عَلَيْهِم رَبهم بذنبهم﴾ عَن ابْن الزبير: أَنه " فرمرم عَلَيْهِم رَبهم "، وَهُوَ معنى الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة، وَيُقَال: دمدم أَي: غضب عَلَيْهِم رَبهم، يُقَال: فلَان يدمدم إِذا كَانَ يتَكَلَّم بغضب.
وَالْقَوْل الْمَعْرُوف أَن معنى قَوْله: ﴿فدمدم عَلَيْهِم﴾ أَي: أطبق عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ يَعْنِي: عمهم وَلم يبْق مِنْهُم أحدا، وَيُقَال: الدمدمة هُوَ الْهَلَاك باستئصال.
وَقَوله: ﴿بذنبهم فسواها﴾ أَي: سواهُم بِالْأَرْضِ، فَلم يبْق مِنْهُم أحدا صَغِيرا وَلَا كَبِيرا.
وَيُقَال: سوى بَينهم بِالْعَذَابِ.
235
وَقَوله: ﴿وَلَا يخَاف عقبيها﴾ وَقُرِئَ: " فَلَا يخَاف عقباها " وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الله تَعَالَى لَا يخَاف أَن يتبعهُ أحد بِمَا فعل، قَالَه الْحسن وَغَيره، وَالْقَوْل الثَّانِي: لم يخف عَاقِر النَّاقة عَاقِبَة فعله، وَالله أعلم.
235

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿وَاللَّيْل إِذا يغشى (١) وَالنَّهَار إِذا تجلى (٢) وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى (٣) إِن سعيكم لشتى (٤) ﴾.
تَفْسِير سُورَة وَاللَّيْل
وَهِي مَكِّيَّة
236
سورة الشمس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الشَّمْسِ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشَّمْس)، وبيَّنتْ قدرةَ الله عز وجل، وتصرُّفَه في هذا الكون، وما جبَلَ عليه النفوسَ من الخير والشرِّ، وطلبت السورة الكريمة البحثَ عن تزكيةِ هذه النفس؛ للوصول للمراتب العليا في الدارَينِ، وخُتِمت بضربِ المثَلِ لعذاب الله لثمودَ؛ ليعتبِرَ المشركون، ويستجيبوا لأمر الله ويُوحِّدوه.

ترتيبها المصحفي
91
نوعها
مكية
ألفاظها
54
ترتيب نزولها
26
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
16
العد البصري
15
العد الكوفي
15
العد الشامي
15

* سورة (الشَّمْسِ):

سُمِّيت سورة (الشَّمْسِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشمس).

1. القَسَم العظيم وجوابه (١-١٠).

2. مثال مضروب (١١-١٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /149).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «تهديدُ المشركين بأنهم يوشك أن يصيبَهم عذابٌ بإشراكهم، وتكذيبِهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما أصاب ثمودًا بإشراكهم وعُتُوِّهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم إلى التوحيد.
وقُدِّم لذلك تأكيدُ الخبر بالقَسَم بأشياءَ معظَّمة، وذُكِر من أحوالها ما هو دليلٌ على بديعِ صُنْعِ الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيرُه؛ فهو دليلٌ على أنه المنفرِد بالإلهية، والذي لا يستحِقُّ غيرُه الإلهيةَ، وخاصةً أحوالَ النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضَّلال، والسعادة والشقاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /365).