تفسير سورة الشمس

لطائف الإشارات

تفسير سورة سورة الشمس من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات.
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة الشمس
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
«بِسْمِ اللَّهِ» إخبار عن وجود الحقّ بنعت القدم. «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» : إخبار عن بقائه بوصف العلاء والكرم.
كاشف الأرواح بقوله: «بِسْمِ اللَّهِ» فهيّمها، وكاشف النفوس بقوله: «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فتيمّها فالأرواح دهشى في كشف جلاله، والنفوس عطشى إلى لطف جماله «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)
ضحا الشمس صدر وقت طلوعها.
«وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها» أي: تبعها وذل في النصف الأول من الشهر.
«وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها» إذا جلّى الشمس وكشفها.
«وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» أي: يغشى الشمس (فيذهب بضوئها).
«وَالسَّماءِ وَما بَناها» أي وبنائها. ويقال: ومن بناها «٢»
(١) نذكر بما قلناه آنفا عن تعاكس وضع تفسيرى البسملة فيما بين «البلد» و «الشمس» فى النسختين م، وص.
(٢) هذا القول الأخير اختاره الطبري، وقاله الحسن ومجاهد. وأهل الحجاز يقولون: سبحان (ما) سبّحت له.
أي سبحان من سبحت له.
«وَالْأَرْضِ وَما طَحاها» أي: وطحوها. ويقال: ومن طحاها (أي بسطها أو قسمها أو خلقها).
«وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها» ومن سوّى أجزاءها وأعضاءها.
«فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها» أي: بأن خذلها ووفّقها.
ويقال: فجورها: حركتها في طلب الرزق، وتقواها: سكونها بحكم القدير.
وقيل: طريق الخير والشر.
قوله جل ذكره:
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ٩ الى ١٥]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
هذا جواب القسم. أي: «لقد أفلح من زكّاها».
ويقال: من زكّاها الله عزّ وجلّ.
«وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» أي: دسّاها الله. وقيل: دسّها «١» فى جملة الصالحين وليس منهم.
وقيل: خاب من دسّ نفسه بمعصية الله. وقيل دسّاها: جعلها خسيسة حقيرة.
وأصل الكلمة دسسها «٢» قوله جل ذكره: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها» «بِطَغْواها» : لطغيانها، وقيل: إن صالحا قد مات، فكفر قومه، فأحياه الله، فدعاهم إلى الإيمان، فكذّبوه، وسألوه علامة وهي الناقة، فأتاهم صالح بما سألوا.
«إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها».
(١) أي دسها صاحبها.
(٢) من التدسيس، وهو إخفاء الشيء في الشيء، فأبدلت سينه ياء كما يقال: قصّيت أظفارى والأصل قصصت، ومثله قولهم في تضّض: تقضّى.
733
«أَشْقاها» عاقرها.
«فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها» أي: احذروا ناقة الله، واحذروا سقياها: أي: لا تتعرّضوا لها.
«فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها... »
أي كذّبوا صالحا، فعقروا الناقة.
«... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها».
أي: أهلكهم بجرمهم، «فَسَوَّاها» : أي أطبق عليهم العذاب «١».
ويقال: سوّى بينهم ربّهم في العذاب لأنهم كلهم رضوا بعقر الناقة.
قوله جل ذكره: «وَلا يَخافُ عُقْباها» أي: أن الله لا يخاف عاقبة ما فعل بهم من العقوبة.
ويقال: قد أفلح «٢» من داوم على العبادة، وخاب من قصّر فيها.
وفائدة السورة: أنه أفلح من طهّر نفسه عن الذنوب والعيوب، ثم عن الأطماع في الأعواض والأغراض، ثم أبعد نفسه عن الاعتراض على الأقسام، وعن ارتكاب الحرام.
وقد خاب من خان نفسه، وأهملها عن المراعاة، ودنّسها بالمخالفات فلم يرض بعدم المعاني حتى ضمّ إلى فقرها منها الدعاوى المظلمة... فغرقت في بحر الشقاء سفينته.
(١) بأن سوى عليهم الأرض. [.....]
(٢) هكذا في ص وهي في م (أصلح) وقد رجّحنا ما أثبتنا، فهكذا الآية، ثم ما تلا هذه العبارة.
734
سورة الشمس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الشَّمْسِ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشَّمْس)، وبيَّنتْ قدرةَ الله عز وجل، وتصرُّفَه في هذا الكون، وما جبَلَ عليه النفوسَ من الخير والشرِّ، وطلبت السورة الكريمة البحثَ عن تزكيةِ هذه النفس؛ للوصول للمراتب العليا في الدارَينِ، وخُتِمت بضربِ المثَلِ لعذاب الله لثمودَ؛ ليعتبِرَ المشركون، ويستجيبوا لأمر الله ويُوحِّدوه.

ترتيبها المصحفي
91
نوعها
مكية
ألفاظها
54
ترتيب نزولها
26
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
16
العد البصري
15
العد الكوفي
15
العد الشامي
15

* سورة (الشَّمْسِ):

سُمِّيت سورة (الشَّمْسِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشمس).

1. القَسَم العظيم وجوابه (١-١٠).

2. مثال مضروب (١١-١٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /149).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «تهديدُ المشركين بأنهم يوشك أن يصيبَهم عذابٌ بإشراكهم، وتكذيبِهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما أصاب ثمودًا بإشراكهم وعُتُوِّهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم إلى التوحيد.
وقُدِّم لذلك تأكيدُ الخبر بالقَسَم بأشياءَ معظَّمة، وذُكِر من أحوالها ما هو دليلٌ على بديعِ صُنْعِ الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيرُه؛ فهو دليلٌ على أنه المنفرِد بالإلهية، والذي لا يستحِقُّ غيرُه الإلهيةَ، وخاصةً أحوالَ النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضَّلال، والسعادة والشقاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /365).