تفسير سورة الشمس

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة الشمس من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الشَمْسِ
مكية، وآيها خمس عشرة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالشَمْسِ وَضُحَاهَا (١) أقسم بالشمس وضوئها؛ لأن كلًّا منهما من بدائع صنعه. الضحوة: وقت ارتفاع النهار، والضحى: فوق ذلك. والضحاء بالفتح والمد: قرب نصف النهار.
(وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢) تلا الشمس في النور والكمال ليلة البدر، فإنه يظهر سلطانه كوقت الضحى للشمس، أو تلا الشمس: أخذ من نورها، وذلك في النصف الأول من الشهر، وأما في النصف الثاني فلا تلو؛ لأنه مفارق، أو تلا طلوعه طلوعها.
(وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) أي: الشمس، على التقابل كما جعل الليل غاشياً الشمس جعل النهار مجلّياً لها، فإنها تظهر غاية الظهور إذا انبسط النهار. وقيل: الضمير للظلمة، أو الليل، أو الأرض.
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤) يغشى الشمس بستر ضوئها بظلامه. ولما كانت واوات العطف نوائب للواو القسمية الجارة بنفسها قائمة مقام الفعل، سادة مسده، بحيث طرح ذكره رأساً، بخلاف الباء جاز أن [تكون] عوامل الفعل والجارِّ معاً كقولك: ضرب زيد عمرواً وبكر
خالداً من غير عطف على عاملين مختلفين. هذا ويرد عليه (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) فإنه عطف على المجرور بـ " الباء ". والحق أنَّ الظرف ليس متعلقاً بفعل القسم؛ لأنَّ التقييد بالزمان غير مراد لا حالاً ولا استقبالاً، بل المعنى: وعظمة الليل وقت غشيانه؛ لأن الإقسام بالشيء إعظام له.
(وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) " ما " ليست مصدرية؛ لقوله: (فَأَلْهَمَهَا) بل موصولة، وإيثارها على " من "؛ لإرادة الوصف، فتفيد فخامة كأنه قال: والسماء، والقادر العظيم الذي بناها، وكذا يقدر ما يناسب في غيرها. والقول بإضمار العائد إليه تعالى للعلم به مفوت لتلك الفخامة. (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (٦) دحاها وبسطها. (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) هي نفس آدم، أو التنكير للتكثير أي: كل نفس، وتسويتها: خلقها في أحسن تقويم.
(فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) أرشدها إلى طريق الخير والشر. وتقديم الفجور؛ للدلالة على أنه بقدرته وإرادته أيضاً، ولا ينافي مدخلية قدرة العبد كسباً. فإن قلت: التسوية خلق الأعضاء وتعديلها، وإفاضة الروح والقوى وإلهام الفجور والتقوى إنما يكون بعد البلوغ وتوجه التكليف، و " الفاء " تقتضي التعقيب من غير تراخ. قلت: التعقيب أمر عرفي، ولما كان تكامل القوى وقت البلوغ، فكان لا تسوية قبله.......
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) طهّرها من درن الأخلاق الذميمة، وأنماها بالأعمال السنية. جواب القسم حذف منه اللام؛ لطول الفصل. وقيل: مستطرد لذكر بعض أحوال النفس. والجواب محذوف أي: ليدمدمنَّ اللَّه على كفار مكة كما دمدم على ثمود.
(وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠) أخفاها، وأطفأ نور الفطرة بظلمات المعاصي. أصله دسس قلبت الثانية ياء كما في أمليت وتقضي البازي. وإسناد التزكية والتدسية إلى العبد إنما يقتضي القيام به لا الاستقلال ولا الإيجاد، فلا دليل فيه للقدرية، على أنَّ الأرجح............
المستتر إليه تعالى، والبارز المنصوب إلى " من " بتأويل النفس؛ لما روى زيد بن أرقم عن رسول اللَّه - ﷺ - أنه قال: " اللَّهمَّ آتِ نَفسِي تَقْوَاهَا وَزَكهَا أَنْت خَيْرُ مَنْ زَكاهَا ".
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (١١) اسم بمعنى الطغيان؛ ولذلك قلبت ياؤه واواً فرقاً بينه وبين الصفة، أي: كذبت بسبب طغيانها، أو بعذابها الموعود ذي الطغوى. كقوله: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) فالباء صلة.
(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (١٢) أشقى ثمود قدار بن سالف، أو هو ومن وافقه؛ لأن اسم التفضيل إذا أضيف صلح لما فوق الواحد.
(فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ... (١٣) نصب على التحذير. ولما أضاف الناقة إليه تشريفاً ذكر صالحاً باسم الرسول وأضافه أيضاً؛ لأنه أولى بالاجلال.
(وَسُقْيَاهَا) لا تذودوها عنه.
(فَكَذَّبُوهُ... (١٤) فيما حذرهم به من نزول العذاب (فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) أطبق عليهم العذاب وعمهم به. تكرير دمّ الشيء كبسه نحو كبكب في كبّ. وقيل: غضب، من الدمدمة وهو: الكلام المزعج. وقيل: أرجف الأرض بهم. (بِذَنْبِهِمْ) بسبب ذنبهم. (فَسَوَّاهَا) أي: العقوبة بينهم عموماً، أو سوى ثمود بالأرض.
(وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (١٥) عقبى الدمدمة، أو التسوية. والواو للحال أي: فعل ذلك والحال أنه غير خائف من عاقبة فعله كبعض الملوك. وقرأ نافع وابن عامر بالفاء، والواو أبلغ.
روى البخارى ومسلم عن عمار بن ياسر أن رسول اللَّه - ﷺ - قال لعلي - رضي الله عنه -. " ألا أخبرك بأشقى الناس، قال. بلى، قال: أحمر ثمود عاقر الناقة، والذي يضربك على هذا، وأشار إلى قرن رأسه حتى تبتل منه هذه " يريد لحيته.
* * *
تمت والحمد لمن آلاؤه عمت.
* * *
سورة الشمس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الشَّمْسِ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشَّمْس)، وبيَّنتْ قدرةَ الله عز وجل، وتصرُّفَه في هذا الكون، وما جبَلَ عليه النفوسَ من الخير والشرِّ، وطلبت السورة الكريمة البحثَ عن تزكيةِ هذه النفس؛ للوصول للمراتب العليا في الدارَينِ، وخُتِمت بضربِ المثَلِ لعذاب الله لثمودَ؛ ليعتبِرَ المشركون، ويستجيبوا لأمر الله ويُوحِّدوه.

ترتيبها المصحفي
91
نوعها
مكية
ألفاظها
54
ترتيب نزولها
26
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
16
العد البصري
15
العد الكوفي
15
العد الشامي
15

* سورة (الشَّمْسِ):

سُمِّيت سورة (الشَّمْسِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشمس).

1. القَسَم العظيم وجوابه (١-١٠).

2. مثال مضروب (١١-١٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /149).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «تهديدُ المشركين بأنهم يوشك أن يصيبَهم عذابٌ بإشراكهم، وتكذيبِهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما أصاب ثمودًا بإشراكهم وعُتُوِّهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم إلى التوحيد.
وقُدِّم لذلك تأكيدُ الخبر بالقَسَم بأشياءَ معظَّمة، وذُكِر من أحوالها ما هو دليلٌ على بديعِ صُنْعِ الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيرُه؛ فهو دليلٌ على أنه المنفرِد بالإلهية، والذي لا يستحِقُّ غيرُه الإلهيةَ، وخاصةً أحوالَ النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضَّلال، والسعادة والشقاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /365).