بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الضحى وهي مكيةﰡ
قَالَ مُجَاهِد: سجى: اسْتَوَى، وَقَالَ عِكْرِمَة: سكن الْخلق فِيهِ، وَقيل: اسْتَقَرَّتْ ظلمته.
قَالَ الْأَصْمَعِي: سجو اللَّيْل: تَغْطِيَة النَّهَار، يُقَال: ليل داج، وبحر سَاج، وسماء ذَات أبراج، قَالَ الراجز:
(يَا حبذا القمراء وَاللَّيْل (الداج)
وطرق مثل ملاء النساج)
وَقَالَ آخر:
(فَمَا ذنبنا أَن جاش بَحر ابْن عمكم | وبحرك سَاج (مَا) يواري الدعامصا) |
يا حبذا القمراء والليل ( الداج )١ | وطرق مثل ملاء النساج |
فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم | وبحرك ساج ( ما )٢ يواري الدعامصا |
٢ - في اللسان : لا ( ١٤/٣٧١)..
وَرُوِيَ أَن امْرَأَة قَالَت لَهُ: يَا مُحَمَّد، أرى أَن شَيْطَانك قد تَركك؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة، وَأقسم بِمَا ذكرنَا أَنه مَا ودعه وَمَا قلاه.
وروى زُهَيْر، عَن الْأسود بن قيس، عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي فِي غَازِيَة، فدميت أُصْبُعه، فَقَالَ النَّبِي.
﴿هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت | وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت﴾ |
وَذكر بَعضهم: أَن الْآيَة نزلت حِين سَأَلَ الْيَهُود رَسُول الله عَن خبر أَصْحَاب الْكَهْف وَعَن ذِي القرنين، وَعَن الرّوح فَقَالَ: سأخبركم غَدا، وَلم يقل: إِن شَاءَ الله، فَتَأَخر جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - سَبْعَة عشر يَوْمًا، وَقيل: أقل أَو أَكثر، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودعه ربه وقلاه؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة ".
وَقد قرئَ فِي الشاذ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْرُوف بِالتَّشْدِيدِ أَي: مَا قطع عَنْك الْوَحْي، (وَقيل) : مَا أعرض عَنْك.
وبالتخفيف مَعْنَاهُ: مَا تَركك، تَقول الْعَرَب: دع هَذَا، وذر هَذَا، واترك هَذَا بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله: ﴿وَمَا قلى﴾ أَي: مَا قلاك بِمَعْنى: مَا أبغضك، (وَقيل) : مَا تَركك مُنْذُ قبلك، وَمَا أبغضك مُنْذُ أحبك.
قَالَ الأخطل:
(المهديات هُوَ من بَيته | والمحسنات لمن قلين مقَالا) |
فَقَالَ لَهُ النَّبِي: أما ترْضى أَن تكون لَهُم الدُّنْيَا ".
وَقيل: ضَالًّا عَن طَرِيق الْحق فهداك إِلَيْهِ.
وَعَن بَعضهم: وَجدك فِي قوم ضال، وَأولى الْأَقَاوِيل أَن يكون مَحْمُولا على الشَّرَائِع، وَمَا أنزل الله مثل قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان﴾ أَو يكون الْمَعْنى وَجدك ضَالًّا أَي: غافلا عَن النُّبُوَّة وَالْوَحي الَّذِي أنزل إِلَيْهِ مثل قَوْله فِي قصَّة مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ -: ﴿قَالَ فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين﴾ أَي: من الغافلين.
[وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل] : أَغْنَاك بِالرِّضَا والقناعة بِمَا أَعْطَاك، وَهُوَ أولى الْقَوْلَيْنِ، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض، إِنَّمَا الْغنى غنى الْقلب "، وَأنْشد بَعضهم:
(فَمَا يدْرِي الْفَقِير مَتى غناهُ | وَمَا يدْرِي الْغَنِيّ مَتى يعيل) |
وَيُقَال: ﴿ووجدك عائلا﴾ أَي: ذَا عِيَال، فأغنى أَي: كَفاك مؤنتهم، وَمن الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ: " يَا رب، إِنَّك اتَّخذت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا ومُوسَى كليما، وسخرت مَعَ دَاوُد الْجبَال، وَفعلت كَذَا وَكَذَا، فَمَا فعلت بِي؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿ألم يجدك يَتِيما فآوى﴾ وَالسورَة الْأُخْرَى، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {ألم نشرح لَك
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " فَلَا تَكْهَر " أَي: لَا تزجره.
وَقَوله: ﴿فَحدث﴾ أَي: ادْع النَّاس إِلَيْهَا، وَقد كَانَ يكتم زَمَانا ثمَّ أظهرها، وَقيل: هُوَ الْقُرْآن فعلى هَذَا قَوْله: ﴿فَحدث﴾ أَي: اتله على النَّاس، وَيُقَال: جَمِيع النعم.
وَقَوله: ﴿فَحدث﴾ أَي: أظهر بالشكر، وَعَن الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: إِذا أصبت خيرا أَو نعْمَة فَحدث بِهِ الثِّقَات من إخوانك.
وَعَن عَمْرو بن مَيْمُون أَنه قَالَ: من قَامَ لورده فِي اللَّيْل فَلَا بَأْس أَن يحدث بِهِ الثِّقَة من إخوانه، وَيَقُول: رَزَقَنِي الله كَذَا وَكَذَا.
وَفِي
وَقَرَأَ ابْن كثير - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - من هَذَا الْموضع بِالتَّكْبِيرِ فِي خَوَاتِم السُّور إِلَى آخر الْقُرْآن، وَذكر أَنه قَرَأَ على مُجَاهِد فَأمره بذلك، وَقَرَأَ مُجَاهِد على ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَأمره بذلك، وقرأن ابْن عَبَّاس على أبي بن كَعْب - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَأمره بذلك، وَقَرَأَ (ابْن مَسْعُود) على النَّبِي فَأمره بذلك.
وَالتَّكْبِير هُوَ قَوْله: الله أكبر، قَالُوا: وَسبب هَذَا أَن الْمُشْركين لما قَالُوا للنَّبِي إِن ربه ودعه وقلاه، وَفِي رِوَايَة أَنهم قَالُوا: قد هجره شَيْطَانه، فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة وفيهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى﴾ كبر النَّبِي فَرحا بنزول هَذِه السُّورَة، فَصَارَ سنة إِلَى آخر الْقُرْآن.
وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿ألم نشرح لَك صدرك﴾تَفْسِير سُورَة ألم نشرح
وَهِي مَكِّيَّة
سورة الضحى
سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.
ترتيبها المصحفي
93نوعها
مكيةألفاظها
40ترتيب نزولها
11العد المدني الأول
11العد المدني الأخير
11العد البصري
11العد الكوفي
11العد الشامي
11* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:
عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).
* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).
* سورة (الضُّحى):
سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).
1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).
2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).
مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).