تفسير سورة الضحى

تفسير البيضاوي

تفسير سورة سورة الضحى من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي.
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة الضحى مكية وآيها إحدى عشرة آية.

(٩٣) سورة والضحى
مكية، وآيها إحدى عشرة آية
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)
وَالضُّحى ووقت ارتفاع الشمس وتخصيصه لأن النهار يقوى فيه، أو لأن فيه كلم موسى ربه وألقى السحرة سجداً، أو النهار ويؤيده قوله: أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى في مقابلة بَياتاً.
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى سكن أهله أو ركد ظلامه من سجا البحر سجواً إذا سكنت أمواجه، وتقديم اللَّيْلِ في السورة المتقدمة باعتبار الأصل، وتقديم النهار ها هنا باعتبار الشرف.
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ما قطعك قطع المودع، وقرئ بالتخفيف بمعنى ما تركك وهو جواب القسم. وَما قَلى وما أبغضك، وحذف المفعول استغناء بذكره من قبل ومراعاة للفواصل. روي أن الوحي تأخر عنه أياماً لتركه الاستثناء كما مر في سورة «الكهف»، أو لزجره سائلاً ملحاً، أو لأن جرواً ميتاً كان تحت سريره أو لغيره فقال المشركون: إن محمداً ودعه ربه وقلاه فنزلت ردا عليهم.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٤ الى ٥]
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى فإنها باقية خالصة عن الشوائب وهذه فانية مشوبة بالمضار، كأنه لما بين أنه سبحانه وتعالى لا يزال يواصله بالوحي والكرامة في الدنيا وعد له ما هو أعلى وأجل من ذلك في الآخرة، أو لنهاية أمرك خير من بدايته، فإنه صلّى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواه، واللام للابتلاء دخل الخبر بعد حذف المبتدأ والتقدير: ولأنت سوف يعطيك لا للقسم فإنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة، وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإِعطاء كائن لا محالة وإن تأخر لحكمة.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٦ الى ٨]
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى تعديد لما أنعم عليه تنبيهاً على أنه كما أحسن إليه فيما مضى يحسن إليه فيما يستقبل وإن تأخر. ويَجِدْكَ من الوجود بمعنى العلم ويَتِيماً مفعوله الثاني أو المصادفة ويَتِيماً حال.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا عن علم الحكم والأحكام. فَهَدى فعلمك بالوحي والإِلهام والتوفيق للنظر. وقيل وجدك ضالاً في الطريق حين خرج بك أبو طالب إلى الشام أو حين فطمتك حليمة وجاءت بك لتردك إلى جدك، فأزال ضلالك عن عمك أو جدك.
وَوَجَدَكَ عائِلًا فقيراً ذا عيال. فَأَغْنى بما حصل لك من ربح التجارة.

[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٩ الى ١١]

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ فلا تغلبه على ماله لضعفه، وقرئ «فلا تكهر» أي فلا تعبس في وجهه.
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ فلا تزجره.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ فإن التحدث بها شكرها، وقيل المراد بالنعمة النبوة والتحديث بها تبليغها.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة والضحى جعله الله سبحانه وتعالى فيمن يرضى لمحمد صلّى الله عليه وسلم أن يشفع له وعشر حسنات، يكتبها الله سبحانه وتعالى له بعدد كل يتيم وسائل».
سورة الضحى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
93
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
11
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:

عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).

* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).

* سورة (الضُّحى):

سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).

1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).

2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).

مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).