تفسير سورة الضحى

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة الضحى من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة الضحى
هذه السورة مكية. ولما ذكر فيما قبلها ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى ﴾
وكان سيد الأتقين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر تعالى هنا نعمه عليه.

سورة الضّحى
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
سَجَا اللَّيْلُ: أَدْبَرَ، وَقِيلَ: أَقْبَلَ، وَمِنْهُ:
يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ السَّاجِ وَطُرُقٌ مِثْلُ مِلَاءِ النَّسَّاجِ
وَبَحْرٌ سَاجٍ: سَاكِنٌ، قَالَ الْأَعْشَى:
وَمَا ذَنْبُنَا إِنْ جَاشَ بِحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ وَبَحْرُكَ سَاجٍ لَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا
وَطَرَفٌ سَاجٍ: غَيْرُ مُضْطَرِبٍ بِالنَّظَرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَجَا اللَّيْلُ: أَظْلَمَ وَرَكَدَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: سَجَا اللَّيْلُ: اشْتَدَّ ظَلَامُهُ.
وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.
495
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى «١»، وَكَانَ سَيِّدُ الْأَتْقَيْنَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ تَعَالَى هُنَا نِعَمَهُ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَا وَدَّعَكَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُهُ هِشَامٌ وَأَبُو حَيْوَةَ وَأَبُو بَحْرِيَّةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِخَفِّهَا، أَيْ مَا تَرَكَكَ.
وَاسْتَغْنَتِ الْعَرَبُ فِي فَصِيحِ كَلَامِهَا بِتَرَكَ عَنْ وَدَعَ وَوَذَرَ، وَعَنِ اسْمِ فَاعِلِهِمَا بِتَارِكٍ، وَعَنِ اسْمِ مَفْعُولِهِمَا بِمَتْرُوكٍ، وَعَنْ مَصْدَرِهِمَا بِالتَّرْكِ، وَقَدْ سُمِعَ وَدَعَ وَوَذَرَ. قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ:
لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلِي مَا الَّذِي غَالَهُ فِي الْحُبِّ حَتَّى وَدَعَهُ
وَقَالَ آخَرُ:
وَثَمَّ وَدَعْنَا آلَ عَمْرٍو وَعَامِرٍ فَرَائِسَ أَطْرَافِ الْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ
وَالتَّوْدِيعُ مُبَالَغَةٌ فِي الْوَدْعِ، لِأَنَّ مَنْ وَدَّعَكَ مُفَارِقًا فَقَدْ بَالَغَ فِي تَرْكِكَ. وَما قَلى:
مَا أَبْغَضَكَ، وَاللُّغَةُ الشَّهِيرَةُ فِي مُضَارِعِ قَلَى يَقْلِي، وطيىء تُعْلِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحَذْفِ الْمَفْعُولِ اخْتِصَارًا فِي قَلى، وَفِي فَآوى وَفِي فَهَدى، وَفِي فَأَغْنى، إِذْ يُعْلَمُ أَنَّهُ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ، وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَبْطَأَ الْوَحْيُ مَرَّةً عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّ جَمِيلٍ، امْرَأَةِ أَبِي لَهَبٍ: يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا تَرَكَكَ؟ فَنَزَلَتْ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِنَّمَا احْتَبَسَ عَنْهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لجر وكلب كَانَ فِي بَيْتِهِ.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى: يُرِيدُ الدَّارَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ حَالَتَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ السُّورَةِ وَبَعْدَهَا، وَعَدَهُ تَعَالَى بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ اهْتِمَالًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ اتَّصَلَ قَوْلُهُ: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى بِمَا قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَمَّا كَانَ فِي ضِمْنِ نَفْيِ التَّوْدِيعِ وَالْقِلَى أَنَّ اللَّهَ مُوَاصِلُكَ بِالْوَحْيِ إِلَيْكَ، وَأَنَّكَ حَبِيبُ اللَّهِ، وَلَا تُرَى كَرَامَةٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نِعْمَةٌ أَجَلُّ مِنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّ حَالَهُ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَجَلُّ، وَهُوَ السَّبْقُ وَالتَّقَدُّمُ عَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَشَهَادَةُ أُمَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَرَفْعُ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِعْلَاءُ مَرَاتِبِهِمْ بِشَفَاعَتِهِ. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى، قَالَ الْجُمْهُورُ: ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رِضَاهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ. وَقَالَ أَيْضًا: رِضَاهُ أَنَّهُ وَعَدَهُ بِأَلْفِ قَصْرٍ فِي الْجَنَّةِ بِمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ وَالْخَدَمِ. وَقِيلَ: فِي الدُّنْيَا بِفَتْحِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا مَوْعِدٌ شَامِلٌ لِمَا أَعْطَاهُ فِي
(١) سورة الليل: ٩٢/ ١٧.
496
الدُّنْيَا مِنَ الظَّفَرِ، وَلِمَا ادَّخَرَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ. وَاللَّامُ فِي وَلَلْآخِرَةُ لَامُ ابْتِدَاءٍ أَكَّدَتْ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ، وَكَذَا فِي وَلَسَوْفَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ وَلَأَنْتَ سَوْفَ يُعْطِيكَ.
وَلَمَّا وَعَدَهُ هَذَا الْمَوْعُودَ الْجَلِيلَ، ذَكَّرَهُ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِ فِي حَالِ نَشْأَتِهِ. أَلَمْ يَجِدْكَ:
يَعْلَمْكَ، يَتِيماً:
تُوُفِّيَ أَبُوهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ جَنِينٌ، أَتَتْ عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَمَاتَتْ أُمُّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَأَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ. وَقِيلَ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ: لِمَ يُتِّمَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ أَبَوَيْهِ؟ فَقَالَ: لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ يَدَّعِ التَّفَاسِيرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: أَلَمْ يَجِدْكَ وَاحِدًا فِي قُرَيْشٍ عَدِيمَ النَّظِيرِ فَآوَاكَ، انْتَهَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَآوى رُبَاعِيًّا وَأَبُو الْأَشْهَبِ الْعُقَيْلِيُّ: فَأَوَى ثُلَاثِيًّا، بِمَعْنَى رَحِمَ. تَقُولُ: أَوِيتُ لِفُلَانٍ: أَيْ رَحِمْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أُرَانِي وَلَا كُفْرَانَ لِلَّهِ أَنَّهُ لِنَفْسِي قَدْ طَالَبْتُ غَيْرَ مُنِيلِ
وَوَجَدَكَ ضَالًّا: لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الضَّلَالِ الَّذِي يُقَابِلُهُ الْهُدَى، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ ضَلَالُهُ وَهُوَ فِي صِغَرِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقِيلَ: ضَلَالُهُ مِنْ حَلِيمَةِ مُرْضِعَتِهِ. وَقِيلَ: ضَلَّ فِي طَرِيقِ الشَّامِ حِينَ خَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ، وَلِبَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَقْوَالٌ فِيهَا بَعْضُ مَا لَا يَجُوزُ نِسْبَتَهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي أُفَكِّرُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَأَقُولُ عَلَى الْفَوْرِ:
وَوَجَدَكَ، أَيْ وَجَدَ رَهْطَكَ، ضَالًّا، فَهَدَاهُ بِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: عَلَى حَذْفِ مضاف، نحو: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١». وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: عائِلًا: أَيْ فَقِيرًا. قَالَ جَرِيرٌ:
اللَّهُ نَزَّلَ فِي الْكِتَابِ فَرِيضَةً لِابْنِ السَّبِيلِ وَلِلْفَقِيرِ الْعَائِلِ
كَرَّرَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ. وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ: عَيِّلًا، كَسَيِّدٍ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ، وَمِنْهُ قول أجيحة بْنِ الْحَلَّاجِ:
وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ
عَالَ: افْتَقَرَ، وَأَعَالَ: كَثُرَ عِيَالُهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فَأَغْنى رِضَاكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ.
وَقِيلَ: أَغْنَاكَ بِالْقَنَاعَةِ وَالصَّبْرِ. وَقِيلَ: بِالْكَفَافِ. وَلَمَّا عَدَّدَ عَلَيْهِ هَذِهِ النِّعَمَ الثَّلَاثَ، وَصَّاهُ بِثَلَاثٍ كَأَنَّهَا مُقَابِلَةٌ لَهَا. فَلا تَقْهَرْ، قال مجاهد: لا تحتقره. وَقَالَ ابْنُ سَلَّامٍ: لَا تَسْتَزِلَّهُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا تَظْلِمْهُ بِتَضْيِيعِ مَالِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا تَمْنَعْهُ حَقَّهُ، وَالْقَهْرُ هُوَ التَّسْلِيطُ بِمَا
(١) سورة يوسف: ١٢/ ٨٢. [.....]
497
يُؤْذِي. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَقْهَرْ بِالْقَافِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: بِالْكَافِ بَدَلَ الْقَافِ، وَهِيَ لُغَةٌ بِمَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا السَّائِلَ: ظَاهِرُهُ الْمُسْتَعْطِي، فَلا تَنْهَرْ: أَيْ تَزْجُرْهُ، لَكِنْ أَعْطِهِ أَوْ رُدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تُغْلِظُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ فِي مُقَابَلَةِ وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى فَالسَّائِلُ، كَمَا قُلْنَا: الْمُسْتَعْطِي، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا: السَّائِلُ هُنَا: السَّائِلُ عَنِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، لَا سَائِلَ الْمَالِ، فَيَكُونُ بِإِزَاءِ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ بُثَّ الْقُرْآنَ وَبَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: هِيَ النُّبُوَّةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ النِّعَمِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّحْدِيثُ بِالنِّعَمِ: شَكْرُهَا وَإِشَاعَتُهَا، يُرِيدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ نِعْمَةِ الْإِيوَاءِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِغْنَاءِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الِامْتِنَانِ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الثَّلَاثَةِ، أَمَرَهُ بِثَلَاثَةٍ: فَذَكَرَ الْيَتِيمَ أَوَّلًا وَهِيَ الْبِدَايَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّائِلَ ثَانِيًا وَهُوَ الْعَائِلُ، وَكَانَ أَشْرَفُ مَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ هِيَ الْهِدَايَةَ، فَتَرَقَّى مِنْ هَذَيْنِ إِلَى الْأَشْرَفِ وَجَعَلَهُ مَقْطَعَ السُّورَةِ، وَإِنَّمَا وَسَّطَ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيَتِيمِ هُوَ زَمَانُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومٌ مِنَ اقْتِرَافِ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْعَقِيدَةِ، فَكَانَ ذِكْرُ الِامْتِنَانِ بِذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْيَتِيمِ وَحَالَةِ التَّكْلِيفِ، وَفِي الْآخَرِ تَرَقَّى إِلَى الْأَشْرَفِ، فَهُمَا مَقْصِدَانِ فِي الْخِطَابِ.
498
سورة الضحى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
93
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
11
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:

عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).

* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).

* سورة (الضُّحى):

سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).

1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).

2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).

مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).