تفسير سورة الضحى

تفسير السمرقندي

تفسير سورة سورة الضحى من كتاب بحر العلوم المعروف بـتفسير السمرقندي.
لمؤلفه أبو الليث السمرقندي . المتوفي سنة 373 هـ
سورة الضحى مكية وهي إحدى عشرة آية.

سورة الضحى
وهي إحدى عشرة آية مكية
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)
قوله تبارك وتعالى: وَالضُّحى يعني: النهار كله، ويقال: الضحى ساعة من ساعات النهار، ويقال: الضحى حر الشمس وَاللَّيْلِ إِذا سَجى يعني: اسودّ وأظلم، ويقال: إذا يكن بالناس، ويقال: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى يعني: عباده الذين يعبدونه في وقت الضحى وعباده الذين يعبدونه بالليل إذا أظلم، ويقال: وَالضُّحى نور الجنة إذا تنور وَاللَّيْلِ إِذا سَجى يعني: ظلمة النار إذا أظلم، ويقال: وَالضُّحى يعني: النور الذي في قلوب العارفين كهيئة النهار، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى يعني: السواد الذي في قلوب الكافرين، كهيئة الليل. وأقسم الله تعالى بهذه الأشياء مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى يعني: ما تركك ربك يا محمد صلّى الله عليه وسلم، منذ أوحى إليك وَما قَلى يعني: ما أبغضك ربك، وذلك أن مشركي قريش، أرسلوا إلى يهود المدينة، وسألوهم عن أمر محمد صلّى الله عليه وسلم، فقالت لهم اليهود: فاسألوه عن أصحاب الكهف، وعن قصة ذي القرنين، وعن الروح، فإن أخبركم بقصة أهل الكهف، وعن قصة ذي القرنين، ولم يخبركم عن أمر الروح، فاعلموا أنه صادق.
فجاؤوه وسألوه فقال لهم: ارجعوا غداً حتى أخبركم، ونسي أن يقول إن شاء الله، فانقطع عنه جبريل خمسة عشرة يوماً في رواية الكلبي، وفي رواية الضحاك، أربعين يوماً. فقال المشركون: قد ودّعه ربه وأبغضه، فنزل فيهم ذلك. وروى أسباط عن السدي قال: فأبطأ جبريل عليه السلام، على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعين ليلة، حتى شكا ذلك إلى خديجة، فقالت خديجة: لعل ربك قد قلاك أو نسيك، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ
وَما قَلى
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى يعني: ما أعطاك الله في الآخرة، خير لك مما أعطاك في الدنيا. ويقال: معناه عن الآخرة، خير من عز الدنيا، لأن عز الدنيا يفنى، وعز الآخرة يبقى.
قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى يعني: يعطيك ثواب طاعتك، حتى ترضى. وسوف من الله تعالى واجب. ويقال: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ الحوض، والشفاعة حتى ترضى. ثم ذكر له ما أنعم عليه في الدنيا وفي الآخرة. فقال عز وجل: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى يعني: كنت يتيماً فضمك إلى عمك أبي طالب، فكفاك المؤنة حين كنت يتيماً مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ فكيف ودعك بعد ما أوحى إليك.
ثم قال عز وجل: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى يعني: وجدك جاهلاً بالنبوة، وبالحكمة وبالكتاب وقراءته، والدعوة إلى الإيمان، فهداك إلى هذه الأشياء. وكقوله: مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب، ولا الإيمان. ويقال: وَوَجَدَكَ ضَالًّا يعني: من بين قوم ضلال فَهَدى يعني:
حفظك من أمرهم، وعن أخلاقهم. ويقال: ووجدك بين قوم ضلال، فهداهم بك. ثم قال عز وجل: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى يعني: وجدك فقيراً بلا مال، فأغناك بمال خديجة. ويقال:
وجدك فقيراً عن القرآن والعلم، فأغناك يعني: أغنى قلبك، وأرضاك بما أعطاك.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٩ الى ١١]
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
ثم قال تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ يعني: لا تظلمه، وادفع إليه حقه. ويقال: معناه واذكر يُتْمك، وارحم اليتيم. وقال مجاهد: فَلا تَقْهَرْ يعني: فلا تقهره. وروي عن ابن مسعود، أنه كان يقرأ فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تكهر يعني: لا تعبس في وجهه. وروي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ضَمَّ يَتِيماً وَكَانَ مُحْسِناً فِي نَفَقَتِهِ، كَانَ لَهُ حِجَاباً مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ». وقوله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ يعني: لا تؤذه ولا تزجره، ويقال: معناه واذكر فقرك، ولا تزجر السائل، ولا تنهره ورده ببذل يسير، وبكلمة طيبة. وفي الآية تنبيه لجميع الخلق، لأن كل واحد من الناس كان فقيراً في الأصل، فإذا أنعم الله عليه، وجب أن يعرف حق الفقراء.
ثم قال عز وجل: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ يعني: بهذا القرآن، فيعلم الناس. وفي الآية تنبيه لجميع من يعلم القرآن، أن يحتسب في تعليم غيره. ويقال: معناه فحدث الناس بما آتاك الله من الكرامة، ويقال: معناه اجهر بالقرآن في الصلاة. وروى أبو سعيد الخدري، - رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تَعَالَى جَمِيلٌ، يُحِبُّ الجَمَالَ، وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ النِّعْمَةَ عَلَى عَبْدِهِ»، يعني: يشكر بما أنعم الله تعالى عليه، ويحدث به، فيظهر على نفسه أثر النعمة، والله أعلم بالصواب.
سورة الضحى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
93
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
11
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:

عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).

* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).

* سورة (الضُّحى):

سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).

1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).

2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).

مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).