تفسير سورة الضحى

الهداية الى بلوغ النهاية

تفسير سورة سورة الضحى من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية.
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة والضحى
مكية( ١ )
١ بالإجماع. انظر تفسير الماوردي ٤/١٥٤ والبحر ٨/٤٨٥..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة والضحى
مكية
قوله تعالى: ﴿والضحى * والليل إِذَا سجى﴾ إلى آخرها.
أقسم الله جل ذكره بالضحى، وهو النهار كله عند الفراء.
وعند غيره: هو أول (النهار)، قال قتادة: الضحى: " ساعة من ساعات النهار "، والمعنى: ورب الضحى، وخالق الضحى، ونحوه.
وقوله: ﴿إِذَا سجى﴾ قال ابن عباس: ﴿سجى﴾: أقبل. وعنه أيضاً: " سجى ": ذهب.
وقال مجاهد: ﴿سجى﴾ استوى. وقال قتادة: ﴿سجى﴾: " سكن بالخلق ".
وقال الضحاك: ﴿سجى﴾: استقر وسكن. وهو قول ابن زيد.
8323
ثم قال تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ/ وَمَا قلى﴾.
هذا جواب القسم، أي: ما تركك ربك يا محمد وما أبغضك.
فالمفعول من " قلى " محذوف.
وروي أن الوحي أبطأ على النبي ﷺ فقالت قريش: قد ودع محمداً ربه وقلاه، فأنزل الله جل ذكره: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ/ وَمَا قلى﴾.
وروى هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أبطأ جبريل عن النبي ﷺ، فقالت له خديجة: أحسب ربك قد [قلاك]، فأنزل الله: ﴿والضحى﴾ إلى آخرها.
وقال ابن عباس: أري النبي ﷺ ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك، فأنزل الله ﴿والضحى﴾ إلى قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ (قال) فأعطاه الله ألف قصر في الجنة، ترابها المسك في كل قصر ما ينبغي (له) من الأزواج والخدم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾ أي: ولنعيم الآخرة خير لك من نكد (الدنيا).
8324
(ثم) قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ أي: ولسوف يعطيط يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه حتى ترضى.
قال ابن عباس: عرض على النبي ﷺ ما هو مفتوح على أمته من بعد، فسر بذلك، فانزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾، قال: فأعطاه (الله) ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك، وفيها ما يصلحها.
وعن ابن عباس أنه قال: ما رضي محمد ﷺ أن يدخل أحد من أهل بيته النار.
وروى جابر من عبد الله " أن النبي ﷺ دخل على بنته فاطمة وعليها كساء (من [جلة]) الإبل وهي تطحن بيدها، فلما رآها دمعت عيناه، قال: يا فاطمة، تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، فأنزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ ".
8325
[وروي عن بعض أن النبي ﷺ [ قال]: " ليس في القرآن أرجى من قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾]، ولا يرضى رسول الله ﷺ أن يدخل أحد من أمته النار ".
هذا معنى قوله المروي عنه.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى﴾.
أي: كنت يا محمد يتيماً في حجر عمك أبي طالب فجعل الله لك مأوى تأوي إليه، ومنزلاً تنزله.
وقيل: كنت يتيماً فآواك إلى عمك أبي طالب.
﴿وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى﴾.
أي: ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم فهداك (للذي أنت عليه. وقيل: وجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها. وقال الفراء: معناه ووجدك في قوم ضلال فهداك) للإيمان.
8326
وقيل: ضالاً عن الشريعة.
وقيل: ضالاً، أي: منسوباً إلى الضلالة. وقيل: معنى فهدى: فبين أمرك بالبراهين.
ثم قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى﴾.
أي: فقيراً فأغناك، يقال: عال يعيل عيلة: إذا افتقر، وأعال يعيل: إذا كثر عياله.
وفي مصحف عبد الله: " ووجدك عديماً فأغنى ".
وهذه كلها نعم من الله على النبي ﷺ يذكه بها وينبهه على شكرها ويعددها عليه ليذكرها.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ﴾.
أي: لا تظلمه فتذهب بحقه استضعافاً منك له.
قال قتادة: ﴿فَلاَ تَقْهَرْ﴾: فلا تظلم. وفي مصحف عبد الله: " فلا تكهر ". وقال الأخفش: هما لغتان بمعنى، وقال غيره: معنى [تكهر]: لا تشدد عليه.
8327
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ﴾.
أي: وأما من سألك من ذوي الحاجة فلا تنهره، (ولكن أعطه، أو رده رداً جميلاً. قال مجاهد: " فلا تنهر ": فلا تغضبه.
[قال الحسن: ليس سائل الطعام والشراب، ولكنه سائل العلم إذا أتاك، فأنزل الله كيف، ليفهم عنك وتفهم عنه].
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
قال مجاهد: بنعمة ربك فحدث، أي: بالنبوة التي أعطاكها، فاذكره.
قال [أبو نضرة]: " كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها ".
وفي الحديث: " إن الله يجب أن يرى أثر نعمته على عبده ".
8328
فالمعنى: وأما بنعمة ربك يا محمد فحدث الناس بها وأظهرها وأحمد الله عليها، فإن ذلك من الشكر، وهو لفظ خاص للنبي ﷺ، ( عام) في جميع أمته.
8329
سورة الضحى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
93
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
11
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:

عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).

* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).

* سورة (الضُّحى):

سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).

1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).

2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).

مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).