تفسير سورة الضحى

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة الضحى من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الضُّحَى
مكية، وهي إحدى عشرة آية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحَى (١) أي: وقت الضحى، وهو حين ارتفاع الشمس وظهور سلطانه. وقيل: أقسم به؛ لأنه وقت غلبة موسى فرعون؛ لقوله: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى). وقيل: جميع النهار؛ لقوله تعالى: (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى) في مقابلة
" بياتاً "، (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) ستر، متعد من سجيته، أو سكن من فيه، أو سكن ظلامه واستقر. قدّم الليل تارة باعتبار الأصل فإن الليالي غرر الأيام، والنهار أخرى باعتبار الشرف.
(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ... (٣) جواب القسم أي: ما تركك ترك المودِّع. (وَمَا قَلَى) ما أبغضك، من القِلى بكسر القاف مقصوراً. روى البخاري عن جندب البجلي: " أن رسول اللَّه - ﷺ -
اشتكى فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك فأنزل اللَّه تعالى (وَالضحَى) ".
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) أي: الأوقات المستقبلة خير لك من الأيام الماضية، فإنه يعلو شأنك فيها ويظهر دينك على سائر الأديان وترى الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجاً.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ... (٥) في الدارين (فَتَرْضَى) بحيث لا يبقى لك طلب بعد تلك العطية. وإنما حذف المفعول؛ لغرض العموم، فيشمل مقام الشفاعة وسائر المزايا التي تخصه. و " اللام " للابتداء -دخل الخبر بعد حذف المبتدأ، والتقدير: لأنت سوف يعطيك- لا للقسم؛ فإنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون؛ وجمع مع " سوف "؛ للدلالة على أنَّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لحكمة.
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) من الوجود بمعنى: العلم. والاستفهام للتقرير أي: قد كنت يتيما فآواك، مات أبوه وهو جنين أتى عليه ستة أشهر، فلما ولد كان في حجر أمه، ويحوطه عبد المطلب جده إلى أن بلغ عمره ثمان سنين، مات عبد المطلب وأمه، فعطف اللَّه تعالى عليه عمه أبا طالب.
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) قيل: أضلته ظئره حليمة عند باب مكة. وقيل: ضل في بعض شعاب مكة، فردّه أبو جهل إلى عمه أبي طالب. وقيل: ضلّ في طريق الشام أضله إبليس حلِّ راحلته فردّه جبرائيل إلى الركب، أو كنت ضالاًّ عن علم الشرائع والأحكام وما طريقه السمع (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ).
(وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨) كنت عديم المال فأغناك بمال خديجة رضي اللَّه عنها، أو أحلّ لك الغنائم ولم يحِلّها لأحد قبلك، أو كنت مبعوثاً إلى الأحمر والأسود، فأغناك بكنز المعارف وهو القرآن، فسيخرج أمتك من فرائد درّه إلى آخر الدهر. عدّد عليه بعض نعمه السابقة، تقريراً لقوله: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)؛ لأنه إذا كانت هذه عنايته معه ولم يكن لابساً خلعة رسالته، فكيف به وقد أرسله للناس كافة بشيراً ونذيراً.
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) لا تظلمه في حقه وتعطف عليه، واذكر حالك في اليتم.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) لا تزجر، يشمل الفقير والمسترشد في دينه.
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١) فإنَّ إشاعتها شكر لها. روى أبو داود عن جابر - رضي الله عنه -: " أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال: مَن أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فليكاف فإن لَمْ يَجِدْ فَلْيثنِ بهِ فَمَنْ أَثْنَى فَقَد شَكَرَ، وَمَنْ كَتَمَ فَقدْ كَفَرَ ". ولما منَّ اللَّه عليه بثلاث خلال، أرشده وحثَّه على ثلاث في مقابلتها؛ ليكون متخلقاً بأخلاق اللَّه، وتقتدي به في ذلك أمته.
* * *
تمّت سورة الضحى، والحمد لمن له العطاء، والصلاة على المجتبى، وآله وصحبه الأتقياء.
* * *
سورة الضحى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
93
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
11
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:

عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).

* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).

* سورة (الضُّحى):

سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).

1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).

2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).

مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).