تفسير سورة الضحى

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الضحى من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

إجماعًا؛ لأن البسملة لأول السورة، فلا يجوز أن تجعل منفصلة عنها متصلة بآخر السورة قبلها.
واعلم أن القارئ إذا وصل التكبير بآخر السورة، فإن كان آخرها ساكنًا، كسره للساكنين؛ نحو: (فَحَدِّثِ اللهُ أكبرُ)، و (فَارْغَبِ اللهُ أكبرُ)، وإن كان منونًا، كسره أيضًا للساكنين، وسواء كان الحرف المنون مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا، نحو: (تَوَّابًا اللهُ أكبرُ) و (لَخَبِيرٌ اللهُ أكبرُ)، و (مِنْ مَسَدٍ اللهُ أكبرُ)، وإن كان آخر السورة مفتوحًا، فتحه، وإن كان مكسورًا، كسره، وإن كان مضمومًا، ضمه، نحو: قولِه: (إِذَا حَسَدَ الله أَكبرُ)، (والنَّاسِ اللهُ أَكبرُ)، و (الأَبْتَرُ اللهُ أكبرُ)، وشبهه، وإن كان آخر السورة هاء كناية موصولة بواو، حذف صلتها للساكنين؛ نحو: (رَبَّهُ اللهُ أكبرُ) و (شَرًّا يَرَهُ اللهُ أكبرُ)، وأسقطت ألف الوصل التي في أول اسم الله -عز وجل- في جميع ذلك استغناءً عنها، والله أعلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَالضُّحَى (١)﴾.
[١] ﴿وَالضُّحَى﴾ هو سطوعُ الضوء وعِظَمُه، وتقدم ذكرُ وقته أول سورة الشمس، أقسم الله به، وأراد به النهارَ كلَّه؛ بدليل أنه قابله بالليل.
...
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)﴾.
[٢] فقال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أقبل بظلامه.
﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)﴾.
[٣] وجواب القسم: ﴿مَا وَدَّعَكَ﴾ ما قطعك (١) ﴿رَبُّكَ﴾ قطعَ المودَّعِ.
﴿وَمَا قَلَى﴾ أي: ما أبغضَكَ، وحذفت الكاف من قلاك؛ لدلالة الكلام.
...
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)﴾.
[٤] ﴿وَلَلْآخِرَةُ﴾ وما أعدَّ لك فيها من الكرامة ﴿خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ لأن الآخرة باقية، والأولى فانية.
...
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)﴾.
[٥] ﴿وَلَسَوْفَ﴾ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ولأنت سوف.
﴿يُعْطِيكَ رَبُّكَ﴾ في الآخرة عطاء ﴿فَتَرْضَى﴾.
عن ابن عباس، وعلي، والحسين: "هو الشفاعة" (٢).
و (سَوْفَ) إذا كان في قصة المؤمنين، فمعناه الوعد، وإذا كان في قصة المشركين، فمعناه الوعيد.
وقال الأزرق (٣): ومما يرضيه بعد إخراج كل مؤمن من النار ألَّا يسوءَهُ في أمه وأبيه، وإن منع من الاستغفار لهما، وأذن له في زيارة قبرهما في وقت دون وقت؛ لأنهما من أهل الفترة، وقال سبحانه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، ومن لم يقنعه هذا، فحظ المؤمن منهما الوقف
(١) "ما قطعك" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٦٣٤).
(٣) في "ت": "الفهري".
فيهما، وألَّا يحكم عليهما بنار إلا بنص كتاب أو سنة أو إجماع الأمة، بخلاف ما ثبت في عمه أبي طالب (١).
...
﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦)﴾.
[٦] ثم عدَّد تعالى نعمه على نبيه - ﷺ -، فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا﴾ مات أبوك ﴿فَآوَى﴾ أي: آواك إلى عمك بعد موت أبيك.
...
﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)﴾.
[٧] وقوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ﴾ معناه: قد وجدك، ودليله عطف قوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا﴾ عن معالم الشرع (٢) ﴿فَهَدَى﴾ أي: فهداك إليها.
...
﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)﴾.
[٨] ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا﴾ فقيرًا ﴿فَأَغْنَى﴾ فقنَّعك بما أعطاك من الغنائم والرزق.
قال - ﷺ - "ليس الغِنى عن كثرةِ العَرَض، ولكنَّ الغِنى غِنى النَّفْس" (٣).
(١) قلت: قد ثبت في "صحيح مسلم" (٢٠٣) وغيره قول النبي - ﷺ - لذاك الرجل الذي أتى يسأل عن أبيه، فأجابه النبي - ﷺ - بأنه في النار، ثم قال له: "إن أبي وأباك في النار". قال النووي في "شرح مسلم" (٣/ ٧٩): فيه أنه من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار.
(٢) في "ت": "الشرائع".
(٣) رواه البخاري (٦٠٨١)، كتاب: الرقاق، باب: الغنى غنى النفس، ومسلم (١٠٥١)، كتاب: الزكاة، باب: ليس الغنى عن كثرة العرض، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)﴾.
[٩] ثم أوصاه باليتامى والفقراء، فقال: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ بأخذ ماله.
...
﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ لا تزجر، فإما أن تطعمه، وإما أن ترده ردًّا لينًا.
...
﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)﴾.
[١١] ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ عليك بالنبوة وغيرها من الصلاح ﴿فَحَدِّثْ﴾ به الناس.
قال - ﷺ -: "التحدُّث بالنعم شكرٌ" (١).
أمال رؤوس آي هذه السورة ورش، وأبو عمرو بخلاف عنهما، وافقهما على الإمالة: حمزة، والكسائي، وخلف، واختص الكسائي دونهما بإمالة (سَجَى) (٢).
وأما حكم صلاة الضحى، فهي سنة بالاتفاق، ووقتها إذا علت الشمس إلى قبيل وقت الزوال، وهي عند أبي حنيفة ركعتان، أو أربع بتسليمة،
(١) رواه بهذا اللفظ: ابن أبي الدنيا في "الشكر" (ص: ٢٥)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٤٤)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٩٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٣)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٧٩).
389
وعند مالك: لا تنحصر، وعند الشافعي وأحمد: أقلها ركعتان، واختلفا في أكثرها، فقال الشافعي: اثنتا عشرة، وقال أحمد: ثمان، وهو الذي عليه الأكثرون من أصحاب الشافعي، وصححه النووي في التحقيق، والله أعلم.
* * *
390
سورة الضحى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الضُّحى) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفجر)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الضُّحى)، وقد نزلت بسببِ قول المشركين: إن اللهَ عز وجل قد ودَّعَ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ترَكَه، بعدما أبطأ جِبْريلُ في النزول عليه صلى الله عليه وسلم، فأخبره اللهُ عز وجل بهذه السورة أنَّ اللهَ معه، وناصرُه، وكافيه، ومعطيه عطاءً يَلِيقُ بجلال الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
93
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
11
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* قوله تعالى: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]:

عن جُنْدُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: «أبطَأَ جِبْريلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد وُدِّعَ مُحمَّدٌ؛ فأنزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَاْلضُّحَىٰ ١ وَاْلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} [الضحى: 1-3]». أخرجه مسلم (١٧٩٧).

* قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «عُرِضَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوحٌ على أُمَّتِه مِن بعدِه كَفْرًا كَفْرًا، فسُرَّ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ} [الضحى: 5]، قال: فأعطاه في الجَنَّةِ ألفَ قَصْرٍ، في كلِّ قَصْرٍ ما ينبغي له مِن الأزواجِ والخَدَمِ». أخرجه الطبراني (١٠٦٥٠).

* سورة (الضُّحى):

سُمِّيت سورة (الضُّحى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(الضُّحى).

1. بيان لبعض حاله عليه السلام، ومكانته (١-٥).

2. دلائل الرعاية، وحقها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /202).

مقصد سورة (الضُّحى) هو إبطالُ قول المشركين إذ زعَموا أنَّ ما يأتي من الوحيِ للنبي صلى الله عليه وسلم قد انقطَع عنه، وبشارةُ اللهِ للنبي صلى الله عليه وسلم بالعطاء العظيم منه عز وجل.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /394).