تفسير سورة الشمس

التفسير الواضح

تفسير سورة سورة الشمس من كتاب التفسير الواضح
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة الشمس
مكية. وآياتها خمس عشرة آية، وهي تتضمن الحث على تزكية النفس، والقسم على أن العذاب واقع على المكذبين لا محالة كما وقع على ثمود قديما.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ١٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤)
وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
المفردات:
وَضُحاها الضحى: الضوء، أو: هو النهار كله، والأصل فيه أنه انبساط الشمس وامتداد النهار. تَلاها: تبعها واستمد نوره منها. جَلَّاها: كشفها وأظهرها وأتم وضوحها. يَغْشاها: يزيل ضوءها. طَحاها أى: بسطها ووسعها. وَما سَوَّاها: عدلها وكملها بخلق القوى والغرائز التي بها الحياة.
فَأَلْهَمَها الإلهام: هو الإفهام أو التمكين والإقدار. فُجُورَها الفجور: هو
867
الإتيان بما يسبب الهلاك والخسران. وَتَقْواها: التقوى دَسَّاها: النقص والإخفاء، ومن سلك طريق الشر والمعصية فقد أنقص نفسه عن مرتبة الكمال.
بِطَغْواها: بسبب طغيانها. انْبَعَثَ: أسرع. وَسُقْياها: شربها الخاص بها. فَدَمْدَمَ: أطبق عليهم. فَسَوَّاها أى: سوى عليهم الأرض، أو لم يفرق بين واحد منهم وواحد.
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى- بالشمس على أنها كوكب سيار مع ضخامتها وكبر حجمها وقوة ضوئها، وبضحاها، أى: ضوئها وحرها، وهما مصدر الحياة، ومبعث الحركة، ومنبع نور الكون في النهار والليل، وأقسم بالقمر إذا تلاها في ارتباط مصالح الناس به، وتبيين المواقيت، وإضاءة الكون، ومن هنا كان حساب السنين إما بالسنة الشمسية أو بالسنة القمرية، والقمر يتلو الشمس ولأنه يستمد نوره منها، والغريب أن هذا الرأى لبعض العلماء القدامى، وجاء العلم مؤيدا له، وأقسم بالنهار إذا جلاها، أى: أظهر الشمس وأتم نورها، والنهار من الشمس، وكلما كان أجلى كانت الشمس كذلك لأن قوة الأثر تدل على قوة المؤثر فصح بهذا قوله- جل شأنه-:
وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ترى أن الله أقسم بالضوء الذي يعم الكون عن طريق مباشر كما في الشمس أو عن طريق غير مباشر كما في القمر، وبالنهار الذي هو زمانه، ثم بعد ذلك أقسم بالليل إذا يغشى الشمس ويستر ضوءها عنا فالنهار يظهرها، والليل يسترها، فسبحان من خلق هذا، وإذا كانت الشمس يجليها النهار ويسترها الليل هل يعقل أن تعبد وتكون إلها؟! وأقسم بالسماء وعوالمها وقد بناها الله وأحكم رباطها، وقوى جاذبيتها فلا ترى فيها خللا ولا عوجا لأنها صنعة الحكيم القادر. وأقسم بالأرض وما طحاها، أى: بسطها في نظر العين ووسعها ليعيش عليها الخلق، وأقسم بالنفس «١» والذي سواها وأحكم
(١) اختلف العلماء في (ما) هذه، فقيل: مصدرية، والأحسن أنها موصولة، والمراد الوصف لا الذات، ولذا حسن التعبير (بما) دون (من).
868
أمرها ومنحها القوى والغرائز التي تستكمل بها الحياة، فترتب على ذلك أن خلق لها عقلا يميز بين الخير والشر وذلك من تمام التسوية، وأقدرها على فعل المعصية التي تهلكها والخير الذي ينجيها ويقيها من السوء، قد أفلح من زكاها ونماها وأعلاها. وقد خاب وخسر من دساها حتى جعلها في عداد نفوس الحيوانات. فإن الإنسان يرتفع عن الحيوان بتحكم العقل والسمو بالنفس عن مزالق الشهوات، أما إذا انحط إلى المعاصي وحكم الشهوة في نفسه كان هو والحيوان سواء. ويصدق عليه: أنه دسى نفسه وأنقص مرتبتها وجعلها في عداد نفوس الحيوانات التي تحكمها شهوتها لا عقلها.
أقسم الله بذلك كله والمقسم عليه محذوف لتذهب فيه النفس إلى كل مذهب، وتقديره: لتبعثن، أو ليحاسبن المسيء على إساءته، والمحسن على إحسانه، وربما كان هذا هو الظاهر والدليل عليه هو ذكر قصة ثمود هنا، وقيل: إن الجواب (قد أفلح من زكاها) واللام حذفت منه، وقصة ثمود مع نبيهم صالح ذكرت قبل هذا.
كذبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاهم الذي عقر الناقة، فقال لهم رسول الله صالح: احذروا ناقة الله وسقياها، وأطبق عليهم العذاب، ولم يترك منهم أحدا لأنهم رضوا عن فعل صاحبهم، والله لا يخاف عاقبة ما فعل بهم، لأنه عادل في حكمه وقوى قادر في عمله.
869
سورة الشمس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الشَّمْسِ) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشَّمْس)، وبيَّنتْ قدرةَ الله عز وجل، وتصرُّفَه في هذا الكون، وما جبَلَ عليه النفوسَ من الخير والشرِّ، وطلبت السورة الكريمة البحثَ عن تزكيةِ هذه النفس؛ للوصول للمراتب العليا في الدارَينِ، وخُتِمت بضربِ المثَلِ لعذاب الله لثمودَ؛ ليعتبِرَ المشركون، ويستجيبوا لأمر الله ويُوحِّدوه.

ترتيبها المصحفي
91
نوعها
مكية
ألفاظها
54
ترتيب نزولها
26
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
16
العد البصري
15
العد الكوفي
15
العد الشامي
15

* سورة (الشَّمْسِ):

سُمِّيت سورة (الشَّمْسِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الشمس).

1. القَسَم العظيم وجوابه (١-١٠).

2. مثال مضروب (١١-١٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /149).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «تهديدُ المشركين بأنهم يوشك أن يصيبَهم عذابٌ بإشراكهم، وتكذيبِهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما أصاب ثمودًا بإشراكهم وعُتُوِّهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم إلى التوحيد.
وقُدِّم لذلك تأكيدُ الخبر بالقَسَم بأشياءَ معظَّمة، وذُكِر من أحوالها ما هو دليلٌ على بديعِ صُنْعِ الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيرُه؛ فهو دليلٌ على أنه المنفرِد بالإلهية، والذي لا يستحِقُّ غيرُه الإلهيةَ، وخاصةً أحوالَ النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضَّلال، والسعادة والشقاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /365).