تفسير سورة الجاثية

تفسير ابن أبي حاتم

تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب تفسير ابن أبي حاتم المعروف بـتفسير ابن أبي حاتم.
لمؤلفه ابن أبي حاتم الرازي . المتوفي سنة 327 هـ

سُورَةُ الْجاثية
٤٥
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ
١٨٥٣٥ - عَنْ عِكْرَمَةَ قَالَ: لَمْ يُفَسِّرِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْآيَةَ إِلا لِنُدْبَةَ الْقَارِئِ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ «١».
١٨٥٣٦ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقُلانِيُّ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابيُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أَرَاكَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ النُّورِ وَالنَّارِ وَالظَّلْمَةِ وَالثَّرَى. قَالَ: وَائْتِ ابْنَ عَبَّاسِ فَاسْأَلْهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَسَلْهُ: مِمَّ خُلِقَ ذَلِكَ كُلُّهُ؟
فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَتَلا: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا «٢».
١٨٥٣٧ - عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، مِثْلَهُ ثُمَّ رَوَى عن يونس عن بن وَهْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبيِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسِبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
١٨٥٣٨ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في الْآيَةِ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ قَالَ: ذَاكَ الْكَافِرُ اتَّخَذَ دِينَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ وَلا بُرْهَانٍ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ يقول: أضله الله في سابق علمه «٤».
(١) الدر ٧/ ٤٢٣.
(٢) ابن كثير ٨/ ٤٥١.
(٣) ابن كثير ٨/ ٤٥٤ قال: هذا أثر غريب وفيه نكاره.
(٤) الدر ٧/ ٤٢٩. [.....]
قوله تعالى :﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴾ آية ٢٣
عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية ﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴾ قال : ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان ﴿ وأضله الله على علم ﴾ يقول : أضله الله في سابق علمه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ
١٨٥٣٩ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَقَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَقَالَ اللَّهُ: «يُؤْذِيَنِي ابْنُ آدَمَ يَسِبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِيَ الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» «١».
١٨٥٤٠ - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نموت وتحيى «٢».
قَوْلُهُ تَعَالَى: جَاثِيَةً
١٨٥٤١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهْ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «كَأَنِّي أَرَاكُمْ جَاثِينَ بِالْكَتُومِ دَوْنَ جَهَنَّمَ» «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا
١٨٥٤٢ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالَ: تَرَكْتُمْ ذِكْرِي وَطَاعَتِي فَكَذَا أَتْرُكُكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالَ: تَرَكْتُمْ ذِكْرِي وَطَاعَتِي، فَكَذَا تُرِكْتُمْ فِي النَّارِ.
(١) الدر ٧/ ٤٢٩.
(٢) الدر ٧/ ٤٢٩.
(٣) ابن كثير ٨/ ٢٥٥ والدر ٧/ ٤٢٨.
قوله تعالى :﴿ جاثية ﴾ آية ٢٨
حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عبد الله بن باباه : أن رسول الله قال : " كأني أراكم جاثين بالكتوم دون جهنم ".
قوله تعالى :﴿ وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ آية ٣٤
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ قال : تركتم ذكري وطاعتي فكذا أترككم ﴿ كما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ قال : تركتم ذكري وطاعتي، فكذا تركتم في النار.
سورة الجاثية
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الجاثية) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ اتصاف الله بكمال العِزَّة والحِكْمة، والقدرة والعدل؛ ومن ذلك: قيامُه بجَمْعِ الخلائق يوم القيامة، والفصلِ بينهم على أعمالهم في يوم مَهُولٍ تجثو فيه الناسُ على رُكَبِها، وفي ذلك حثٌّ على صدق العمل في الدنيا؛ فاللهُ مُحْصٍ كلَّ عمل؛ عظُمَ أو صغُرَ، وجاءت السورة بتذكيرِ اللهِ خَلْقَه بنِعَمِه عليهم، والردِّ على الدَّهْريين.

ترتيبها المصحفي
45
نوعها
مكية
ألفاظها
488
ترتيب نزولها
65
العد المدني الأول
37
العد المدني الأخير
37
العد البصري
37
العد الكوفي
37
العد الشامي
37

* قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «كان أهلُ الجاهليَّةِ يقولون: إنَّما يُهلِكُنا الليلُ والنهارُ، وهو الذي يُهلِكُنا ويُمِيتُنا ويُحْيِينا، فقال اللهُ في كتابه: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ} [الجاثية: 24]، قال: فيسُبُّون الدَّهْرَ، فقال اللهُ تبارَكَ وتعالى: يُؤذِيني ابنُ آدَمَ؛ يسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بِيَدي الأمرُ، أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /183).

* سورة (الجاثية):

اختصَّتْ سورةُ (الجاثية) بذكرِ لفظ (جاثية)، الذي يتعلق بيوم القيامة وأهواله، يوم تجثو الناسُ على رُكَبِها من الفزع؛ قال تعالى: {وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدْعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا اْلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28].

* سورة (الشَّريعة):

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (شريعة) فيها، ولم يقَعْ في غيرها من القرآن؛ قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ ‌شَرِيعَةٖ مِّنَ اْلْأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ اْلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

1. مصدر القرآن الكريم، وإثباتُ وَحْدانية الله (١-٦).

2. جزاء المكذِّبين بآيات الله (٧-١١).

3. التذكير بنِعَم الله على عباده (١٢-١٥).

4. نِعَمُه الخاصة ببني إسرائيل، وإنزالُ الشرائع (١٦-٢٠).

5. عدلُه في المحسِنين والمسِيئين (٢١-٢٣).

6. الرد على الدَّهْريِّين (٢٤-٢٧).

7. من مَشاهد يوم القيامة (٢٨-٣٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /161).

إثباتُ صِفَتَيِ العِزَّة والحِكْمة لله عز وجل؛ فمن كمال عِزَّته وحِكْمته: جمعُ الخلائق يوم القيامة للفصل بينهم، وجزاؤُهم على أعمالهم، بعد أن بيَّن لهم طريقَيِ الخير والشر، وأقام الحُجة عليهم.

واسمُ السورة دالٌّ أتمَّ الدلالة على هذا المقصد، و(الجاثية) اسمٌ من أسمائها يدل على هولِ ما يحصل فيها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /476).