تفسير سورة الجاثية

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن

تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبثّ من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار... ﴾ إلى ﴿ آيات لقوم يعقلون ﴾ [ الجاثية : ١-٥ ].
إن قلتَ : لم ختم الآية الأولى ب " المؤمنين " والثانية بقوله :﴿ يوقنون ﴾ والثالثة بقوله :﴿ يعقلون ﴾( ١ ) ؟
قلتُ : لأنه تعالى لما ذكر العالم ضمنا، ولا بدّ له من صانع، موصوف بصفات الكمال، ولا بدّ من الإيمان بالصانع، ناسب ختم الأولى بالمؤمنين، ولما كان الإنسان أقرب إلى الفهم من غيره، وكان فكره في خلقه، وخلق الدواب، مما يزيده يقينا في إيمانه، ناسب ختم الثانية بقوله :﴿ يوقنون ﴾ ولما كان جزئيات العالم، من اختلاف الليل والنهار وما ذكره معهما، مما لا يُدرك إلا بالعقل، ناسب ختم الثالثة بقوله :﴿ يعقلون ﴾.
١ - الأولى: أن يقال: إن وجه التغيير في التعبير في الآيات الثلاث، أن الإنسان إذا تأمل في السموات والأرض، وأنه لا بدّ لهما من خالق مبدع آمن، وإذا نظر في خلق نفسه، وفي خلق الحيوانات والدواب، على سطح هذه المعمورة، ازداد إيمانا فأيقن، وإذا نظر في سائر الحوادث والأطوار، في تعاقب الليل والنهار، وإرسال الرياح والأمطار، وخروج الزروع والثمار، ازداد علمه، وكمل عقله، فاهتدى وعقل، فختمت كل آية بما يناسب المقام، والله أعلم بأسرار كتابه العزيز..
قوله تعالى :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات ما كان حجّتهم إلا أن قالوا ائتوا بآياتنا إن كنتم صادقين قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه... ﴾ [ الجاثية : ٢٥، ٢٦ ].
إن قلتَ : ما وجه مطابقة الجواب، وهو قوله :﴿ قل الله يحييكم ﴾ إلى آخره وهو ﴿ ائتوا بآياتنا إن كنتم صادقين ﴾ ؟
قلتُ : وجهه أنهم أُلزموا بما هم مقرّون به، من أن الله تعالى هو الذي أحياهم أولا، ثم يميتهم، ومن قدر على ذلك، قدر على جمعهم يوم القيامة، فيكون قادرا على إحياء آبائهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:قوله تعالى :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات ما كان حجّتهم إلا أن قالوا ائتوا بآياتنا إن كنتم صادقين قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه... ﴾ [ الجاثية : ٢٥، ٢٦ ].
إن قلتَ : ما وجه مطابقة الجواب، وهو قوله :﴿ قل الله يحييكم ﴾ إلى آخره وهو ﴿ ائتوا بآياتنا إن كنتم صادقين ﴾ ؟
قلتُ : وجهه أنهم أُلزموا بما هم مقرّون به، من أن الله تعالى هو الذي أحياهم أولا، ثم يميتهم، ومن قدر على ذلك، قدر على جمعهم يوم القيامة، فيكون قادرا على إحياء آبائهم.

قوله تعالى :﴿ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها... ﴾ [ الجاثية : ٢٨ ] أي إلى قراءة كتاب أعمالها.
فإن قلتَ : كيف أضاف الكتاب إلى الأمة( ١ )، ثم أضافه إليه تعالى في قوله :﴿ هذا كتابنا ﴾ ؟ [ الجاثية : ٢٩ ].
قلتُ : الإضافة تحصل بأدنى ملابسة، فأضافه إلى الأمة، لكون أعمالهم مثبتة فيه، وأضافه إليه تعالى، لكونه مالكه، وآمر ملائكته بكتابته.
١ - في قوله تعالى: ﴿كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون﴾ حيث أضاف الكتاب إلى الأمة، أي كل أمة تدعى إلى كتاب أعمالها، ثم أضافه تعالى إليه في قوله: ﴿هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق.. ﴾ أي هذا كتاب أعمالكم، الذي سجلته عليكم ملائكتنا، يشهد عليكم بالحقّ، من غير زيادة ولا نقصان، فأضافه إليه لأنه سبحانه هو الآمر بكتابته، كما يقال: بنى الخليفة المدينة أي أمر ببنائها، فينسب الفعل إليه لأنه.
سورة الجاثية
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الجاثية) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ اتصاف الله بكمال العِزَّة والحِكْمة، والقدرة والعدل؛ ومن ذلك: قيامُه بجَمْعِ الخلائق يوم القيامة، والفصلِ بينهم على أعمالهم في يوم مَهُولٍ تجثو فيه الناسُ على رُكَبِها، وفي ذلك حثٌّ على صدق العمل في الدنيا؛ فاللهُ مُحْصٍ كلَّ عمل؛ عظُمَ أو صغُرَ، وجاءت السورة بتذكيرِ اللهِ خَلْقَه بنِعَمِه عليهم، والردِّ على الدَّهْريين.

ترتيبها المصحفي
45
نوعها
مكية
ألفاظها
488
ترتيب نزولها
65
العد المدني الأول
37
العد المدني الأخير
37
العد البصري
37
العد الكوفي
37
العد الشامي
37

* قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «كان أهلُ الجاهليَّةِ يقولون: إنَّما يُهلِكُنا الليلُ والنهارُ، وهو الذي يُهلِكُنا ويُمِيتُنا ويُحْيِينا، فقال اللهُ في كتابه: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ} [الجاثية: 24]، قال: فيسُبُّون الدَّهْرَ، فقال اللهُ تبارَكَ وتعالى: يُؤذِيني ابنُ آدَمَ؛ يسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بِيَدي الأمرُ، أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /183).

* سورة (الجاثية):

اختصَّتْ سورةُ (الجاثية) بذكرِ لفظ (جاثية)، الذي يتعلق بيوم القيامة وأهواله، يوم تجثو الناسُ على رُكَبِها من الفزع؛ قال تعالى: {وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدْعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا اْلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28].

* سورة (الشَّريعة):

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (شريعة) فيها، ولم يقَعْ في غيرها من القرآن؛ قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ ‌شَرِيعَةٖ مِّنَ اْلْأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ اْلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

1. مصدر القرآن الكريم، وإثباتُ وَحْدانية الله (١-٦).

2. جزاء المكذِّبين بآيات الله (٧-١١).

3. التذكير بنِعَم الله على عباده (١٢-١٥).

4. نِعَمُه الخاصة ببني إسرائيل، وإنزالُ الشرائع (١٦-٢٠).

5. عدلُه في المحسِنين والمسِيئين (٢١-٢٣).

6. الرد على الدَّهْريِّين (٢٤-٢٧).

7. من مَشاهد يوم القيامة (٢٨-٣٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /161).

إثباتُ صِفَتَيِ العِزَّة والحِكْمة لله عز وجل؛ فمن كمال عِزَّته وحِكْمته: جمعُ الخلائق يوم القيامة للفصل بينهم، وجزاؤُهم على أعمالهم، بعد أن بيَّن لهم طريقَيِ الخير والشر، وأقام الحُجة عليهم.

واسمُ السورة دالٌّ أتمَّ الدلالة على هذا المقصد، و(الجاثية) اسمٌ من أسمائها يدل على هولِ ما يحصل فيها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /476).