ﰡ
وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
تفسير سورة الجاثية عدد ١٥- ٦٥- ٤٥
نزلت بمكة بعد سورة الدخان عدا الآية ١٤، فإنها مدنية، وهي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمانون كلمة، وألفان ومئة وواحد وتسعون حرفا، وتسمى سورة الشريعة وسورة الدهر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: «حم» ١ راجع ما قبله تجد معناه «تَنْزِيلُ الْكِتابِ» القرآن عليك يا سيد الرسل «مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ٢ لتبشر به المؤمنين وتنذر به الكافرين الذين يطلبون منك نزول الآيات «إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ» عظيمات دالات على قدرة القدير كافية «لِلْمُؤْمِنِينَ» ٣ بها فلا حاجة لإنزال غيرها، لأنهم إذا أجالوا النظر وأنعموا الفكر فيها تزيدهم هدى ونورا إذا أرادوا الإيمان، والذين لا يريدونه لا تنفعهم كثرة الآيات لأنهم لا يستدلون بها على موجدها، فلا تزيدهم إلا عمى وضلالا، لأن فيهما «وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ» فيهما «مِنْ دابَّةٍ» صغيرة أو كبيرة ناطقة أو عجماء «آياتٌ» أيضا لأن في هذه الدواب المختلفة الجنس والنوع والعقل والمعاش والفعل والتناسل دلائل كثيرة على الصانع المبدع «لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ٤» أنه الإله الفعال لكل شيء، أما الذين لا يوقنون فلو ملأت لهم الأرض آيات لا يؤمنون لأنهم في غفلة عن ما يؤدي لفوزهم وخلاصهم «وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ» وما يحصل من تعاقبهما من ظلمة ونور، وزيادة ونقص، وطول وقصر بصورة منتظمة لا تنخرم حتى يأذن الله بخراب هذا الكون، آيات أيضا عظيمات دالات علي حكمة الحكيم لمن كان له قلب حي «وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ» غيثفلا يلتفت إليها ولا يعتبر بها «ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً» يأنف عنها ويتجبر «كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها» لشدة عتوه وعناده، وثم هنا للاستبعاد وعليه قول جعفر بن عليه:
لا يكشف النعماء إلا ابن حرة | يرى غمرات الموت ثم يزورها |
قال تعالى «هذا» الكتاب المنزل عليك يا سيد الرسل «هُدىً» لمن عقله يهتدي به ورشد لمن استرشد به «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ» هو عليهم عمى وضلالة «لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ» هو أشد العذاب في الآخرة كما أن الموت أشد عذاب الدنيا ولذلك يطلق عليه لفظ الرجز «أَلِيمٌ» ١١ نعت للزجر على قراءة الجر، وللعذاب على قراءة الرفع، ثم عدد أفضاله على عبده بقوله عز قوله «اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ» التي تركبونها وتحملون أثقالكم عليها «فِيهِ» في البحر «بِأَمْرِهِ» جل أمره لأنها تجري بالرياح، وهي لا تهب إلا بأمر الله والتي تجري بالمحركات كذلك بأمره، إذ لو شاء لما تحركت والتي بقوة البشر أيضا بأمره إذ لو أراد لأعجزهم «وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» من ربح التجارة وزيارة البلدان والاجتماع بالإخوان واستخراج اللآلئ «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ١٢ نعمه عند سيرها وبلوغكم مقاصدكم إذا كنتم لا تشكرونه دائما «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ» من الكواكب وغيرها «وَما فِي الْأَرْضِ» من حيوان ونبات ومعادن لتنتفعوا بها «جَمِيعاً مِنْهُ» وحده وأنى لغيره شيء من ذلك لعجزه عن جزء بعض ما هنالك «إِنَّ فِي ذلِكَ» التسخير من حيث لا حول لكم ولا قوة عليه «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ١٣ في آلائه ومكوناته فيتعظون ويعتبرون، وهذه الآية المدنية قال تعالى يا أكرم الرسل «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ» ولا يتوقعون وقائعه بأعدائه ولا يخافون انتقامه مع استحقاقهم إياه فالرجاء مجاز عن التوقع كما أن الأيام مجاز عن الحوادث واستعمالها شائع في ذلك «لِيَجْزِيَ قَوْماً» أي المؤمنين وتنوينه للتعظيم ولفظ قوم يدل على المدح «بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ١٤ من العمل الصالح الذي من جملته العفو والصفح عمن يعتدي عليهم. وسبب نزول هذه الآية على ما حكاه ابن عباس هو أن النبي صلّى الله عليه وسلم نزل بأصحابه في غزوة بني المصطلق على بئر المريسيع،
العائد لدينك وآتيناك سنة مستوية ومنهاجا قويما وطريقة مستقيمة «فَاتَّبِعْها» أنت وقومك المؤمنين بك «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» ١٨ طريقتك
هذه وأخيرتها مما يدعونك إليه من طرق آبائهم المعوجة «إِنَّهُمْ» هؤلاء الكفرة الذين يريدونك على دينهم وسنة آبائهم الضالة لو أطعتهم على فرض المحال واتبعت أهواءهم «لَنْ يُغْنُوا» يمنعوا ويدفعوا «عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» أراد إيقاعه فيك «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» في الدنيا ولا وليّ لهم في الآخرة ولا يتبعهم إلا ظالم مثلهم «وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ» ١٩ فيها وأنت خلاصتهم، فدم على ما أنت عليه من التوجه إلى الله والإعراض عن وأعدائه أعدائك، وهذا الخطاب الموجه إلى حضرة الرسول مراد به غيره من أصحابه الذين معه لأنه معصوم من اتباع الكفرة، راجع الآية ٦٣ فما بعدها من سورة الزمر المارة، قال تعالى «هذا» القرآن المنزل عليك يا حبيبي «بَصائِرُ لِلنَّاسِ»
في قلوبهم وكما هو نور لأبصارهم وحياة لأرواحهم، هو معالم لحدودهم وأحكامهم «وَهُدىً» من الضلال لمن اتبعه «وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» ٢٠ به ويصدقون بما فيه
«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا»
اكتسبوا بجوارحهم اليد والرجل واللسان والفرج وغيرها ففعلوا فيها «السَّيِّئاتِ»
هي كل ما ساءك فعله فيك من الغير أو خالف أمر دينك أو أغضب غيرك صنعه «أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ»
كلا لا نفعل ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك، وإن كانوا هم يحكمون بالمساواة فقد «ساءَ ما يَحْكُمُونَ»
٢١ وبئس القضاء قضاؤهم ذلك، إذ لا يستوي الخبيث والطيب، كما لا تستوي الظلمات والنور، راجع الآية ١٠٤ من سورة المائدة ج ٣. قال بعض كفرة قريش لإن كان ما تقولونه في البعث حقا لنفضلنكم فيه كما فضلناكم في الدنيا بالمال والنشب والسعة والجاه، فأنزل الله هذه الآية يخبرهم فيها بأنه شتان ما بين المؤمن والكافر في الآخرة، لأن المؤمن مؤمن في حياته ومماته بالدنيا والآخرة، والكافر كافر في حياته ومماته فيهما، ومال الدنيا زائل لا محالة فلا قيمة له ولا عبرة بالتفاضل فيها، أما حال الآخرة الذي هو محل التفاضل والتنافس فهو باق للمؤمنين في نعيم الجنة، وباق للكافرين في جحيم
الآية، ولما بلغها الفضيل جعل يرددها ويبكي ويقول ليت شعري من أي الفريقين أنت يا فضيل؟. قال تعالى «وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» ويعدل فيهما بين خلقه بالحق فينصف المظلوم من الظالم ويظهر التفاوت بين المسيء والمحسن، فإذا لم يكن كل ذلك في الحياة لأمور اقتضتها حكمته فلا بد من كينونها في الممات أي بعده حتما. وهذه الآية بمعرض الإنكار على حسبانهم تساوي الفريقين بدليل قوله «وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ» في دنياها «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» ٢٢ في الآخرة فلا يزاد على جزاء الظالم ولا ينقص من مكافآت المحسن.
مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:
قال تعالى «أَفَرَأَيْتَ» أيها الإنسان الكامل «مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» فصار تبعا لما تهواه نفسه «وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ» منه بعاقبة أمره «وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ» فلم يجعله يسمع الهدى «وَقَلْبِهِ» فلم يدعه يعقله «وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» فلم يتركه يراه فمن هذا شأنه أخبروني «فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ» استفهام إنكاري، أي لا يهديه أحد البتة لأنه لا يجاب إلا بلا «أَفَلا تَذَكَّرُونَ» ٢٣ أيها الناس فنلاحظون وتقولون لا هادي إلا الله، ولا مضل لمن هداه، ولا هادي لمن أضله.
قال الواحدي: لم يبق للقدرية مع هذه الآية عذرا وحيلة لأن الله تعالى صرح بمنعه إياه عن الهوى حتى أخبر بأنه ختم على جوارحه كلها وعطلها عن النظر إلى طريق الهدى، وقيل في هذا المعنى:
إذا طلبتك النفس يوما بشهوة | وكان إليها للخلاف طريق |
فدعها وخالف ما هويت فإنمّا | هواك عدو والخلاف صديق |
نون الهوان من الهوى مسروقة | فأسير كل هوى أسير هوان |
فخالف هواعا واعصها إن من يطع | هوى نفسه ينزع به شر منزع |
ومن يطع النفس اللجوجة ترده | وترم به في؟؟؟ أي مصرع |
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد | لا أتبع النفس اللجوج هواها |
وخالف النفس والشيطان واعصهما | وإن هما محضاك النصح فاتهم |
ولا تطع منهما خصما ولا حكما | فأنت تعرف كيد الخصم والحكم |
هي النفس إن تمهل تلازم خساسة | وإن تنبعث نحو الفضائل تبتهج |
جمع الهواء مع الهوى في مهجتي | فتكاملت في أضلعي ناران |
فقصرت بالممدود عن نيل المنى | ومددت بالمقصور في أكفاني |
وحكما عام في كل من اتبع هواه، وفيها إعلام عن ذم الهوى واتباع الشهوات ما فيها لمن اتبع ذلك، لأن جواهر الأرواح منها ما هو مشرق علوي نوراني، فلا يميل إلا لما يرضي خالقه مبدعه، ومنها ما هو رذيل سفلي ظلماني فلا يميل إلا لما يعجب نفسه، وإن الله تعالى يقابل كلا بما يليق بماهيته وجوهره. ونظير هذه الآية
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.
وفي رواية يؤذيني ابن آدم، ويقول يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما. وفي رواية يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار. وأخرج مسلم لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر. وأخرج أبو داود والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم: يقول الله عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول وا دهراه، وأنا الدهر. وأخرج البيهقي: لا تسبوا الدهر، قال الله عز وجل أنا الأيام والليالي أجودها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك. ومعنى ذلك أن الله تعالى هو الآتي بالحوادث، فإذا سببتم الدهر على أنه فاعل وقع السب على الله تعالى عز وجل، ولهذا عدّ بعض العلماء سب الدهر من الكبائر، لأنه يؤدي إلى سبه تعالى وتنزه وهو كفر، وما أدّى إليه فأدنى مراتبه أن يكون كبيرة، وقالت الشافعية مكروه لا غير. وعندنا نحن الحنفية تفصيل، فمن سب الدهر وأراد به الزمان كما هو المتعارف لدى العامة فلا كلام في الكراهة، وإذا أراد رب الزمن وهو الله عز وجل ولا أظن أحدا يريد ذلك فلا كلام في الكفر، راجع الآية ١٣٩ من سورة الأنعام المارة. ومن هذا القبيل إذا نسب فعل الأشياء إلى الكواكب
الآية ٩ من سورة الزخرف المارة، وهي مكررة كثيرا في القرآن «وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» ٢٤ أي لا علم لهم ولا يقين فيما يقولونه، لأن مصدره الحسبان والميل إلى ما يشتهون من القول من غير موجب، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول من غير حجة أو بينة فاسد باطل، وإن متابعة الشك والوهم منكر. واعلم أن بعض العلماء أنكر قراءة أنا الدهر بضم الراء الوارد في حديث أبي داود المار ذكره بداعي لو كان صحيحا لكان من جملة أسمائه تعالى، ويرويه بفتح الراء ظرفا لأقلب، أي إني أقلب الليل والنهار الدهر، ولكن يردّه رواية مسلم (فإن الله هو الدهر) لذلك إن الجمهور على ضم الراء ولا يلزم أن يكون من أسمائه تعالى، لأنه جار على التجوز ولا مانع لأن الله تعالى له أسماء كثيرة لا يعلمها غيره وهذه التسعة والتسعون المشهورة هي أسماؤه الحسنى، راجع الآية ٨ من سورة طه في ج ١ تعلم أن أسماءه لا تحصى وأن لها مشتقات كثيرة، قال تعالى «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ» واضحات لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير لأنها ظاهرة «ما كانَ حُجَّتَهُمْ» بعدم قبولها والأخذ بها «إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا» الذي ماتوا قبلنا «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ٢٥ أنت وأصحابك يا محمد بأن ربكم الله يحيي بعد الموت، فيا سيد الرسل «قُلِ» لهؤلاء الجهلة «اللَّهُ يُحْيِيكُمْ» من العدم ابتداء من نطفة ضعيفة ميتة «ثُمَّ يُمِيتُكُمْ» عند انقضاء آجالكم من الدنيا «ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ» أنتم ومن قبلكم ومن بعدكم
وقد روى الاستنساخ من اللوح عنه جماعة «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ» و «ذلِكَ» الإدخال «هُوَ الْفَوْزُ» للمؤمنين والظفر العظيم «الْمُبِينُ» ٣٠ الظاهر لهم في الجنة جزاء عملهم
«وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» فيقال لهم يوم الحساب وظهور الحجة عليهم «أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ» في الدنيا من قبل رسلي وتحذركم من هول هذا الموقف «فَاسْتَكْبَرْتُمْ» عن الأخذ بها منهم «وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ» ٣١ معتادين الإجرام حتى صارت ديدنا لكم لا يحتمل انفكاككم عنها «وَ» قد كنتم في الدنيا أيضا «إِذا قِيلَ» لكم «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ» بالبعث «حَقٌّ وَالسَّاعَةُ» هذه التي أنتم فيها الآن حق «لا رَيْبَ فِيها» أيضا «قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ» ولم تلتفتوا إلى أن الذين أخبروكم بها هم رسل الله وأنهم يتكلمون عن الله وبأمر الله وجاوبتموهم بقولكم «إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا» بما تقولونه فلا نعتقده إلا توهما ولا نقول به إلا حدسا كأن الذين يعظونكم بذلك ليسوا بشيء وقد أكدتم تكذيبهم بقولكم «وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» ٣٢ ما تقولونه وبقيتم شاكين بوجود هذه الحياة ومنكرين يوم الجمع هذا لأنه عندكم لا يعقل وإن ما لا يعقل لا يكون، ولم تعلموا أن أفعال الله لا تدرك، وأنها لا تقابل إلا بالخضوع لها، فانظروا الآن إلى ما كان منكم في الدنيا. قال تعالى «وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا» في الدنيا وجزاؤه لأن العقوبة تسيء صاحبها وتقبح منه لذلك سميت سيئات ولما رأوها مجسمة أمامهم دهشوا «وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» ٣٣ من أنواع العقاب الذي كان أخبرهم به رسلهم، إذ كانوا ينكرون ولا يصدقون ويسخرون بهم عند ما يذكرون لهم ذلك ويخوفونهم به «وَقِيلَ» لهم بعد إدخالهم النار وإحاطة العذاب بهم «الْيَوْمَ نَنْساكُمْ» فنترككم في هذا الشقاء ونجعلكم كالمنسيين بالنسبة لكم وهذا من باب المقابلة أي المتروكين لأن الله تعالى لا ينسى شيئا وذلك «كَما نَسِيتُمْ» في الدنيا «لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا» في الآخرة ولم تبالوا به ولم تصفوا
سورة الجاثية
سورةُ (الجاثية) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ اتصاف الله بكمال العِزَّة والحِكْمة، والقدرة والعدل؛ ومن ذلك: قيامُه بجَمْعِ الخلائق يوم القيامة، والفصلِ بينهم على أعمالهم في يوم مَهُولٍ تجثو فيه الناسُ على رُكَبِها، وفي ذلك حثٌّ على صدق العمل في الدنيا؛ فاللهُ مُحْصٍ كلَّ عمل؛ عظُمَ أو صغُرَ، وجاءت السورة بتذكيرِ اللهِ خَلْقَه بنِعَمِه عليهم، والردِّ على الدَّهْريين.
ترتيبها المصحفي
45نوعها
مكيةألفاظها
488ترتيب نزولها
65العد المدني الأول
37العد المدني الأخير
37العد البصري
37العد الكوفي
37العد الشامي
37* قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «كان أهلُ الجاهليَّةِ يقولون: إنَّما يُهلِكُنا الليلُ والنهارُ، وهو الذي يُهلِكُنا ويُمِيتُنا ويُحْيِينا، فقال اللهُ في كتابه: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ} [الجاثية: 24]، قال: فيسُبُّون الدَّهْرَ، فقال اللهُ تبارَكَ وتعالى: يُؤذِيني ابنُ آدَمَ؛ يسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بِيَدي الأمرُ، أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /183).
* سورة (الجاثية):
اختصَّتْ سورةُ (الجاثية) بذكرِ لفظ (جاثية)، الذي يتعلق بيوم القيامة وأهواله، يوم تجثو الناسُ على رُكَبِها من الفزع؛ قال تعالى: {وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدْعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا اْلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28].
* سورة (الشَّريعة):
سُمِّيت بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (شريعة) فيها، ولم يقَعْ في غيرها من القرآن؛ قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ اْلْأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ اْلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
1. مصدر القرآن الكريم، وإثباتُ وَحْدانية الله (١-٦).
2. جزاء المكذِّبين بآيات الله (٧-١١).
3. التذكير بنِعَم الله على عباده (١٢-١٥).
4. نِعَمُه الخاصة ببني إسرائيل، وإنزالُ الشرائع (١٦-٢٠).
5. عدلُه في المحسِنين والمسِيئين (٢١-٢٣).
6. الرد على الدَّهْريِّين (٢٤-٢٧).
7. من مَشاهد يوم القيامة (٢٨-٣٧).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /161).
إثباتُ صِفَتَيِ العِزَّة والحِكْمة لله عز وجل؛ فمن كمال عِزَّته وحِكْمته: جمعُ الخلائق يوم القيامة للفصل بينهم، وجزاؤُهم على أعمالهم، بعد أن بيَّن لهم طريقَيِ الخير والشر، وأقام الحُجة عليهم.
واسمُ السورة دالٌّ أتمَّ الدلالة على هذا المقصد، و(الجاثية) اسمٌ من أسمائها يدل على هولِ ما يحصل فيها.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /476).