تفسير سورة الجاثية

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿حم﴾ يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
﴿تَنْزِيل الْكتاب﴾ إِن هَذَا الْكتاب تكليم ﴿من الله الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ أَمر أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الْعَزِيز فِي ملكه وسلطانه الْحَكِيم فِي أمره وقضائه
﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَات﴾ مَا فِي السَّمَوَات من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب وَغير ذَلِك ﴿وَالْأَرْض﴾ وَمَا فِي الأَرْض من الشّجر وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات وعبراً ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين فى إِيمَانهم
﴿وَفِي خَلْقِكُمْ﴾ فِي تَحْويل أحوالكم حَالا بعد حَال آيَة وعبرة لكم ﴿وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾ وَفِيمَا خلق من ذَوي الْأَرْوَاح ﴿آيَاتٌ﴾ عَلَامَات وَعبر ﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يصدقون
﴿وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ فِي تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما آيَة وعبرة لكم ﴿وَمَآ أَنَزَلَ الله﴾ فِيمَا أنزل الله ﴿مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ﴾
419
من مطر ﴿فَأَحْيَا بِهِ﴾ بالمطر ﴿الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ قحطها ويبوستها عَلَامَات وعبراً لكم ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح﴾ وَفِي تقليب الرِّيَاح يَمِينا وَشمَالًا قبولاً ودبورا عذَابا وَرَحْمَة ﴿آيَاتٌ﴾ عَلَامَات وَعبر ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يصدقون أَنَّهَا من الله
420
﴿تَلْكَ﴾ هَذِه ﴿آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ نزل عَلَيْك جِبْرِيل بهَا ﴿بِالْحَقِّ﴾ لتبيان الْحق وَالْبَاطِل ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ﴾ كَلَام ﴿بَعْدَ الله﴾ بعد كَلَام الله ﴿وَآيَاتِهِ﴾ كِتَابه وَيُقَال عجائبه ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْقُرْآن
﴿وَيْلٌ﴾ شدَّة الْعَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم ﴿لِّكُلِّ أَفَّاكٍ﴾ كَذَّاب ﴿أَثِيمٍ﴾ فَاجر وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث
﴿يَسْمَعُ آيَاتِ الله﴾ قِرَاءَة آيَات الله ﴿تتلى عَلَيْهِ﴾ تقْرَأ عَلَيْهِ بِالْأَمر والنهى ﴿ثُمَّ يُصِرُّ﴾ يُقيم على كفره ﴿مُسْتَكْبِراً﴾ متعظماً عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ لم يعها ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وجيع فَقتل يَوْم بدر صبرا
﴿وَإِذَا عَلِمَ﴾ سمع ﴿مِنْ آيَاتِنَا﴾ القرآنِ ﴿شَيْئاً اتخذها هُزُواً﴾ سخرية ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ شَدِيد وَهُوَ النَّضر
﴿مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ من قدامهم بعد الْمَوْت جَهَنَّم ﴿وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً﴾ مَا جمعُوا من المَال وَلَا مَا عمِلُوا من السَّيِّئَات شَيْئا من عَذَاب الله ﴿وَلاَ مَا اتَّخذُوا﴾ عبدُوا ﴿مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ﴾ أَرْبَابًا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أعظم مَا يكون وكل هَذَا الْعَذَاب للنضر
﴿هَذَا﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿هُدىً﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَالَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ النَّضر وَأَصْحَابه ﴿لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾ وجيع
﴿الله الَّذِي سَخَّرَ﴾ ذلل ﴿لَكُمُ الْبَحْر لِتَجْرِيَ الْفلك﴾ السفن ﴿فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾ بِإِذْنِهِ ﴿وَلِتَبْتَغُواْ﴾ لتطلبوا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من رزق ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا نعْمَته
﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ﴾ ذلل لكم ﴿مَّا فِي السَّمَاوَات﴾ من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب ﴿وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار ﴿جَمِيعاً مِّنْهُ﴾ من الله ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا ذكرت ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات وعبراً ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فِيمَا خلق الله
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ عمر وَأَصْحَابه ﴿يَغْفِرُواْ﴾ يتجاوزوا ﴿لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ﴾ لَا يخَافُونَ ﴿أَيَّامَ الله﴾ عَذَاب الله يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً﴾ يَعْنِي عمر وَأَصْحَابه ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ يعْملُونَ من الْخيرَات وَهَذَا الْعَفو قبل الْهِجْرَة ثمَّ أمروا بِالْقِتَالِ
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ خَالِصا فِي الْإِيمَان ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ ثَوَاب ذَلِك ﴿وَمَنْ أَسَآءَ﴾ أشرك بِاللَّه ﴿فَعَلَيْهَا﴾ فعلى نَفسه عُقُوبَة ذَلِك ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿بني إِسْرَائِيلَ الْكتاب وَالْحكم﴾ الْعلم والفهم ﴿والنبوة﴾ وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء والكتب ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات﴾ من الْمَنّ والسلوى وَيُقَال من الْغَنَائِم ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالمين﴾ عالمي زمانهم بِالْكتاب وَالرَّسُول
﴿وَآتَيْنَاهُم﴾ أعطيناهم ﴿بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمر﴾ واضحات من أَمر الدّين
420
﴿فَمَا اخْتلفُوا﴾ فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم﴾ بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ حسدا مِنْهُم كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِن رَبك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يقْضِي بَينهم﴾ بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُؤمنِينَ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ﴾ فِي الدّين ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾ يخالفون فِي الدُّنْيَا
421
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ﴾ اخترناك ﴿على شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمر﴾ على سنة ومنهاج من أَمْرِي وطاعتي ﴿فاتبعها﴾ اسْتَقِم عَلَيْهَا واعمل بهَا وَيُقَال أكرمناك بِالْإِسْلَامِ وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذين﴾ دين الَّذين ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ تَوْحِيد الله يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين
﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً﴾ إِن اتبعت أهواءهم ﴿وَإِنَّ الظَّالِمين﴾ الْكَافرين ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ على دين بعض ﴿وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿هَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿بَصَائِرُ﴾ بَيَان ﴿لِلنَّاسِ وَهُدىً﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب ﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
﴿أَمْ حَسِبَ﴾ أيظن ﴿الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات﴾ أشركوا بِاللَّه يَعْنِي عتبَة وَشَيْبَة والوليد بن عتبَة الَّذين بارزوا يَوْم بدر عليا وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث وَقَالُوا إِن كَانَ لَهُم مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآخِرَة حَقًا وثواباً لنفضلن عَلَيْهِم فِي الْآخِرَة كَمَا فضلنَا عَلَيْهِم فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله أيظنون ﴿أَن نَّجْعَلَهُمْ﴾ نجْعَل الْكفَّار فِي الْآخِرَة بالثواب ﴿كَالَّذِين آمَنُواْ﴾ عَليّ وصاحبيه ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿سَوَآءً﴾ لَيْسُوا بِسَوَاء ﴿مَّحْيَاهُمْ﴾ محيا الْمُؤمنِينَ على الْإِيمَان ﴿وَمَمَاتُهُمْ﴾ على الْإِيمَان ومحيا الْكَافرين على الْكفْر ومماتهم على الْكفْر وَيُقَال محيا الْمُؤمنِينَ وممات الْمُؤمنِينَ سَوَاء بِسَوَاء على الْإِيمَان وَالطَّاعَة ومرضاة الله ومحيا الْكَافرين ومماتهم سَوَاء بِسَوَاء على الْكفْر وَالْمَعْصِيَة وَغَضب الله ﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ
﴿وَخَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ للحق ﴿ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة فاجرة ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ من خير أَو شَرّ ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم
﴿أَفَرَأَيْتَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ من عبد الْآلهَة بهوى نَفسه كلما هويت نَفسه شَيْئا عَبده وَهُوَ النَّضر وَيُقَال هُوَ أَبُو جهل وَيُقَال هُوَ الْحَارِث ابْن قيس ﴿وَأَضَلَّهُ الله﴾ عَن الْإِيمَان ﴿على عِلْمٍ﴾ كَمَا علم الله أَنه من أهل الضَّلَالَة ﴿وَخَتَمَ على سَمْعِهِ﴾ لكَي لَا يسمع الْحق ﴿وَقَلْبِهِ﴾ لكَي لَا يفهم الْحق ﴿وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ غطاء لكَي لَا يبصر الْحق ﴿فَمَن يَهْدِيهِ﴾ فَمن يرشده إِلَى دين الله ﴿مِن بَعْدِ الله﴾ من بعد أَن أضلّهُ الله ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون بِالْقُرْآنِ أَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ
﴿وَقَالُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ يعنون تَمُوت الْآبَاء وتحيا الْأَبْنَاء ﴿وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْر﴾ يعنون طول اللَّيَالِي وَالْأَيَّام والشهور والساعات ﴿وَمَا لَهُم بذلك﴾ بِمَا يَقُولُونَ ﴿من علم﴾ من حجَّة وَلَا بَيَان ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ مَا يَقُولُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ
﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ﴾ على أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ﴾ عذرهمْ وجوابهم لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا﴾ أحى يَا مُحَمَّد آبَاءَنَا حَتَّى نسألهم عَن قَوْلك أَحَق هُوَ أم بَاطِل ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت
﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد لأبي جهل وَأَصْحَابه ﴿الله يُحْيِيكُمْ﴾ فِي الْقَبْر ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ فِي الْقَبْر ﴿ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة﴾ وَيُقَال قل الله يميتكم مقدم ومؤخر ثمَّ يجمعكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات﴾ خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر ﴿وَالْأَرْض﴾ النَّبَات
421
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ﴾ يغبن ﴿المبطلون﴾ الْمُشْركُونَ بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
422
﴿وَترى كُلَّ أُمَّةٍ﴾ كل أهل دين ﴿جَاثِيَةً﴾ جَامِعَة ﴿كُلُّ أمَّةٍ﴾ كل أهل دين ﴿تدعى إِلَى كتابها﴾ إِلَى قِرَاءَة كتابها كتاب الْحَسَنَات والسيئات فَمنهمْ من يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ وَمِنْهُم من يعْطى كِتَابه بِشمَالِهِ ﴿الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فِي الدُّنْيَا
﴿هَذَا كِتَابُنَا﴾ يَعْنِي ديوَان الْحفظَة ﴿يَنطِقُ عَلَيْكُم﴾ يشْهد عَلَيْكُم ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ﴾ نكتب ﴿مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فِي الدُّنْيَا
﴿فَأَما الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ فِي جنته ﴿ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْمُبين﴾ النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا وهم الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم
﴿وَأَمَّا الَّذين كفرُوا﴾ يُقَال لَهُم ﴿أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى﴾ تقْرَأ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿فاستكبرتم﴾ فتعظمتم عَن الْإِيمَان بهَا ﴿وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ﴾ مُشْرِكين
﴿وَإِذَا قِيلَ﴾ لَهُم فِي الدُّنْيَا ﴿إِنَّ وعْدَ الله﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت ﴿حَقٌّ والساعة﴾ قيام السَّاعَة ﴿لاَ رَيْبَ﴾ لَا شكّ ﴿فِيهَا﴾ كائنة ﴿قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَة﴾ مَا قيام السَّاعَة ﴿إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً﴾ أَن نقُول مَا نقُول إِلَّا بِالظَّنِّ ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ بِقِيَام السَّاعَة
﴿وَبَدَا لَهُمْ﴾ ظهر لَهُم ﴿سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ﴾ قبح أَعْمَالهم ﴿وَحَاقَ بِهِم﴾ نزل بهم ﴿مَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤون﴾ عُقُوبَة استهزائهم بالرسل والكتب
﴿وَقِيلَ﴾ لَهُم ﴿الْيَوْم نَنسَاكُمْ﴾ نترككم فِي النَّار ﴿كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ كَمَا تركْتُم الْإِقْرَار بيومكم هَذَا ﴿وَمَأْوَاكُمُ﴾ مستقركم ﴿النَّار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ من مانعين من عَذَاب الله
﴿ذَلِكُم﴾ الْعَذَاب ﴿بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيَاتِ الله﴾ كتاب الله وَرَسُوله ﴿هُزُواً﴾ سخرية ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا عَن طَاعَة الله ﴿فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ من النَّار ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ﴾ يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا وهم الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم
﴿فَللَّه الْحَمد﴾ الشُّكْر والْمنَّة ﴿رب السَّمَاوَات وَرَبِّ الأَرْض﴾ خَالق السَّمَوَات وخالق الأَرْض ﴿رَبِّ الْعَالمين﴾ رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض
﴿وَلَهُ الكبريآء﴾ العظمة وَالسُّلْطَان ﴿فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ على أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي ملكه وسلطانه ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره وقضائه
422
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَحْقَاف وهى مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله ﴿وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل﴾ ألخ الْآيَة وَثَلَاث آيَات فى أَبى بكر وَابْنه عبد الرَّحْمَن من قَوْله ﴿وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ﴾ إِلَى قَوْله فَيَقُول ﴿مَا هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين﴾ فانهن مدنيات آياتها اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها سِتّمائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وسِتمِائَة حرف
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
423
سورة الجاثية
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الجاثية) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ اتصاف الله بكمال العِزَّة والحِكْمة، والقدرة والعدل؛ ومن ذلك: قيامُه بجَمْعِ الخلائق يوم القيامة، والفصلِ بينهم على أعمالهم في يوم مَهُولٍ تجثو فيه الناسُ على رُكَبِها، وفي ذلك حثٌّ على صدق العمل في الدنيا؛ فاللهُ مُحْصٍ كلَّ عمل؛ عظُمَ أو صغُرَ، وجاءت السورة بتذكيرِ اللهِ خَلْقَه بنِعَمِه عليهم، والردِّ على الدَّهْريين.

ترتيبها المصحفي
45
نوعها
مكية
ألفاظها
488
ترتيب نزولها
65
العد المدني الأول
37
العد المدني الأخير
37
العد البصري
37
العد الكوفي
37
العد الشامي
37

* قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «كان أهلُ الجاهليَّةِ يقولون: إنَّما يُهلِكُنا الليلُ والنهارُ، وهو الذي يُهلِكُنا ويُمِيتُنا ويُحْيِينا، فقال اللهُ في كتابه: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ} [الجاثية: 24]، قال: فيسُبُّون الدَّهْرَ، فقال اللهُ تبارَكَ وتعالى: يُؤذِيني ابنُ آدَمَ؛ يسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بِيَدي الأمرُ، أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /183).

* سورة (الجاثية):

اختصَّتْ سورةُ (الجاثية) بذكرِ لفظ (جاثية)، الذي يتعلق بيوم القيامة وأهواله، يوم تجثو الناسُ على رُكَبِها من الفزع؛ قال تعالى: {وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدْعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا اْلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28].

* سورة (الشَّريعة):

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (شريعة) فيها، ولم يقَعْ في غيرها من القرآن؛ قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ ‌شَرِيعَةٖ مِّنَ اْلْأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ اْلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

1. مصدر القرآن الكريم، وإثباتُ وَحْدانية الله (١-٦).

2. جزاء المكذِّبين بآيات الله (٧-١١).

3. التذكير بنِعَم الله على عباده (١٢-١٥).

4. نِعَمُه الخاصة ببني إسرائيل، وإنزالُ الشرائع (١٦-٢٠).

5. عدلُه في المحسِنين والمسِيئين (٢١-٢٣).

6. الرد على الدَّهْريِّين (٢٤-٢٧).

7. من مَشاهد يوم القيامة (٢٨-٣٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /161).

إثباتُ صِفَتَيِ العِزَّة والحِكْمة لله عز وجل؛ فمن كمال عِزَّته وحِكْمته: جمعُ الخلائق يوم القيامة للفصل بينهم، وجزاؤُهم على أعمالهم، بعد أن بيَّن لهم طريقَيِ الخير والشر، وأقام الحُجة عليهم.

واسمُ السورة دالٌّ أتمَّ الدلالة على هذا المقصد، و(الجاثية) اسمٌ من أسمائها يدل على هولِ ما يحصل فيها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /476).