تفسير سورة الجاثية

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الجاثية وهي مكية كلها.

﴿حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾
﴿إِن فِي السَّمَاوَات وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ﴾] (ل ٣٢١) من تُرَاب؛ يَعْنِي: خلق آدم مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثمَّ من مُضْغَة، وَفِي الأسماع والآذان وَمَا لَا يُحصى من خلق الله فِي الْإِنْسَان.
﴿وَمَا يبث﴾ يخلق.
قَالَ مُحَمَّد: (يبث) فِيهِ لُغَتَانِ تَقول: بَثَثْتُكَ مَا فِي نَفسِي، وأَبْثَثْتُكَ أَي: بسطته لَك.
﴿آيَات لقوم يوقنون﴾.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (آيَاتٌ) بِالرَّفْع فعلى الِاسْتِثْنَاء وَالْمعْنَى: وَفِي خَلقكُم آيَات.
﴿وَاخْتِلَاف﴾ أَي: وَفِي اخْتِلَاف ﴿اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ من رزق﴾ يَعْنِي: الْمَطَر فِيهِ أرزاق الْخلق ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بعد إِذْ كَانَت يابسة لَا نَبَات فِيهَا.
﴿وتصريف﴾ اي: وتلوين ﴿الرِّيَاح﴾ فِي الرَّحْمَة وَالْعَذَاب ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يعْقلُونَ﴾ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤمنُونَ﴾ يصدقون أَي: لَيْسَ بعد ذَلِك إِلَّا الْبَاطِل.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ٧ إِلَى آيَة ١١.
﴿ويل لكل أفاك﴾ أَي كَذَّاب ﴿أثيم﴾ يَعْنِي: الْمُشرك.
﴿ثمَّ يصر﴾ على مَا هُوَ عَلَيْهِ ﴿مُسْتَكْبِرًا﴾ عَن عبَادَة الله ﴿كَأَنْ لَمْ يسْمعهَا﴾ يَعْنِي: آيَات الله، أَي بلَى قد سَمعهَا، وقامتْ عَلَيْهِ الحجَّةُ بهَا.
﴿من ورائهم جَهَنَّم﴾ يَعْنِي أمامهم وَهِي كلمة عَرَبِيَّة، تَقول للرجل: من ورائك كَذَا؛ لأمر سَيَأْتِي عَلَيْهِ.
قَالَ محمدٌ: وَقد يكون " وَرَاء " بِمَعْنى بَعْدُ، وَقد تقدم ذكر هَذَا.
﴿وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا﴾ تَفْسِير الْحسن: مَا عمِلُوا من الْحَسَنَات،
210
يبطل الله أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة ﴿وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله أَوْلِيَاء﴾ آلِهَة؛ يَعْنِي: الْأَوْثَان الَّتِي عبدوها لَا تغني عَنْهُم شَيْئا.
211
قَوْله: ﴿هَذَا﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿هدى﴾ يَهْتَدُونَ بِهِ.
قَوْله: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ من رجز أَلِيم﴾ أَي: موجع.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ١٢ إِلَى آيَة ١٣.
﴿ولتبتغوا من فَضله﴾ يَعْنِي: طلب التِّجَارَة فِي السَّفَر ﴿ولعلكم تشكرون﴾ (لكَي تشكروا) اي: تؤمنوا
﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ يعني : طلب التجارة في السفر ﴿ ولعلكم تشكرون( ١٢ ) ﴾ ( لكي تشكروا ) أي : تؤمنوا.
﴿وسخر لكم﴾ [أَي] خلق لكم ﴿مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ أَي: كل ذَلِك تفضُّلٌ مِنْهُ؛ يَعْنِي: مِمَّا سخّر فِي السَّمَاوَات: الشمسَ وَالْقَمَر والنجوم والمطر، وَبِمَا سخر فِي الأَرْض: الْأَنْهَار والبحار وَمَا ينْبت فِي الأَرْض من النَّبَات، وَمَا يسْتَخْرج من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغير ذَلِك مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَذَلِك كلّه بتسخير الله.
تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة ١٤ إِلَى آيَة ١٥.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يرجون أَيَّام الله﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين؛ فَأمر الله الْمُؤمنِينَ أَن يغفروا لَهُم ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ يعْملُونَ؛ يَجْزِي الْمُؤمنِينَ بحلمهم عَن الْمُشْركين، وَيجْزِي الْمُشْركين بشركهم، وَكَانَ
211
هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِهِمْ، ثمَّ نسخ ذَلِك بِالْقِتَالِ.
212
﴿من عمل صَالحا فلنفسه﴾ أَي: يجده عِنْد الله ﴿وَمَنْ أَسَاءَ فعلَيْهَا﴾ أَي: فعلى نَفسه.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ١٦ إِلَى آيَة ١٧.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ أَي: أَنزَلْنَاهُ عَلَيْهِم ﴿وَالْحكم﴾ قَالَ قَتَادَة: يُرِيد الحِكْمة، وَهِي السّنة ﴿ورزقناهم من الطَّيِّبَات﴾ مَا أحلّ لَهُم ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالمين﴾ يَعْنِي: عالمي زمانهم ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعلم بغيا بَينهم﴾ أَرَادوا الدُّنْيَا ورخاءها، فغيّروا كِتَابهمْ وأحلّوا فِيهِ مَا شَاءُوا وحرموا مَا شَاءُوا، فترأَّسوا على النَّاس يستأكلونهم
﴿إِن رَبك يقْضِي بَينهم﴾ الْآيَة، فَيكون قضاؤُه فيهم أَن يدْخل الْمُؤمنِينَ مِنْهُم الَّذين تمسكوا بدينهم الْجنَّة، وَيدخل الْكَافرين النَّار.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ١٨ إِلَى آيَة ٢٢.
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمر﴾ تَفْسِير الْحسن: الشَّرِيعَة: الْفَرِيضَة
212
﴿فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يعلمُونَ﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين
213
﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئا﴾ أَي: إِن اتبعت أهواءهم عذَّبتك وَلم يغنوا عَنْك شَيْئا، وَقد [عصمه] الله من ذَلِك، وَقضى أَن يثبت على مَا هُوَ عَلَيْهِ ﴿وَإِن الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين ﴿بَعضهم أَوْلِيَاء بعض﴾ فِي الدُّنْيَا، وهم أعداءٌ فِي الْآخِرَة؛ يتبرَّأُ بعضُهم من بعض.
﴿هَذَا بصائر للنَّاس﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿وَهدى﴾ يَهْتَدُونَ بِهِ ﴿وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْبَصَائِرِ: بَصِيرَةٌ.
﴿أم حسب الَّذين اجترحوا﴾ اكتسبوا ﴿السَّيِّئَات﴾ الشّرك.
قَالَ محمدٌ: فَمَعْنَى ﴿اجْتَرَحُوا﴾: [اكتسبوا] وَيُقَال: فلانٌ جارح أَهله، وجارحه أَهله، أَي: [كاسبهم] (ل ٣٢٢) وَمِنْه قيل لذوات الصَّيْد: جوارح.
﴿أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾ أَي: لَا نجعلهم مِثْلَهم، الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فِي الْجنَّة، وَالْمُشْرِكُونَ فِي النَّار، وَهَذَا لقَوْل أحدهم: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ كَمَا يَقُولُونَ: ﴿إِنَّ لِي عِنْدَهُ للحسنى﴾ يَعْنِي: الْجنَّة؛ إِن كَانَت جنَّة ﴿سَوَاء محياهم ومماتهم﴾ مقرأ مُجَاهِد بِالرَّفْع: ﴿سواءٌ﴾ مُبْتَدأ، الْمَعْنى: الْمُؤمن مُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْكَافِر كافرٌ، ومقرأ الْحسن بِالنّصب: ﴿سَوَاء﴾ على معنى: أَن يَكُونُوا سَوَاء، أَي: لَيْسُوا سَوَاء ﴿سَاءَ مَا﴾ بئْسَمَا ﴿يحكمون﴾ أَي يجعلهم سَوَاء
(وَخَلَقَ اللَّهُ
213
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} أَي: للبعث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ٢٣ إِلَى آيَة ٢٤.
214
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ هُوَ الْمُشرك، اتخذ هَوَاهُ إِلَهًا؛ فعبد الْأَوْثَان من دون الله.
قَوْله ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ﴾ فَلَا يسمع الْهدى من الله، يَعْنِي سمع قبُول ﴿وَقَلْبِهِ﴾ أَي: وَختم على قلبه؛ فَلَا يفقه الْهدى.
﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ فَلَا يبصر الْهدى ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ أَي: لَا أحد ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾.
قَالَ محمدٌ: غشاوة: غطاء، وَمِنْه غاشيةُ السَّرْج، وَأنْشد بعضُهم:
(صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا)
وَيُقَال: غُشاوة بِرَفْع الْغَيْن، وغَشْوة بِفَتْحِهَا بِغَيْر ألف، وَقد قرىء بهما.
وَقَوله: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا﴾ أَي: نموت ونُولَد.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: يَمُوت قومٌ ويحيا قومٌ؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى.
﴿وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر﴾ الزَّمَان، أَي: هَكَذَا كَانَ من قبلنَا، وَكَذَلِكَ نَحن.
قَوْله: ﴿وَمَا لَهُم بذلك من علم﴾ بِأَنَّهُم لَا يبعثون ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يظنون﴾ إِن ذَلِك مِنْهُم إِلَّا ظن.
قَالَ مُحَمَّد (إِن) بِمَعْنى (مَا) أَي: مَا هم إِلَّا يظنون.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ٢٥ إِلَى آيَة ٢٨.
قَوْله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾ الْقُرْآن ﴿بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا﴾ أحيوا آبَاءَنَا حَتَّى يصدقوكم بمقالتكم، بِأَن الله يحيي الْمَوْتَى،
قَالَ الله جَوَابا لقَولهم: ﴿قُلِ الله يُحْيِيكُمْ﴾ يَعْنِي: هَذِه الْحَيَاة ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ يَعْنِي: الْمَوْت ﴿ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شكَّ فِيهِ؛ يَعْنِي: الْبَعْث ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَنهم مبعوثون.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ ﴿حجتهم﴾ بِالنّصب جعل اسْم كَانَ (أَن) مَعَ صِلَتِها، وَيكون الْمَعْنى: مَا كَانَ حجتَهم إِلَّا مقالتُهم، وَمن قَرَأَ (حُجّتُهم) بِالرَّفْع جعل (حجّتهم) اسْم كَانَ و ﴿وَأَن قَالُوا﴾ خبر كَانَ.
قَوْله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يخسر المبطلون﴾ المكذبون بِالْبَعْثِ
﴿وَترى كل أمة﴾ يَعْنِي: كفارها؛ فِي تَفْسِير الْحسن.
﴿جاثية﴾ على الرُّكَب؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾ إِلَى حِسَابهَا، وَهُوَ الْكتاب الَّذِي كتبتْ عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: جثا فلَان يجثو إِذا جلس على رُكْبَتَيْهِ، وَمثله جَذَا يَجْذُو، والجَذْوُ أشدُّ استقرارًا من الجثو؛ لِأَن الجذوَ أَن يجلس صَاحبه على أَطْرَاف أَصَابِعه.
وَمن قَرَأَ ﴿كلُّ أمةٍ﴾ بِالرَّفْع رفع (كل) بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر ﴿تُدْعَى إِلَى كتابها﴾ وَمن نصب جعله بَدَلا من (كل) الأول، الْمَعْنى: وَترى كل أُمَّةٍ ﴿تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾.
﴿الْيَوْمَ تُجْزونَ﴾ أَي: يُقَال لَهُم: الْيَوْم تُجْزونَ.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ٢٩ إِلَى آيَة ٣١.
﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَي: ننسخ مَا فِي كتب الْحفظَة، وَنثْبت عِنْد الله - عز وَجل.
يَحْيَى: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
216
قَالَ: " أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ؛ مَا أَكْتُبُ؟! قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ. فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
217
فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وخميس، فيجدونه على مَا فِي الْكتاب.
218
قَوْله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم﴾ يَقُول الله لَهُم يَوْم الْقِيَامَة: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا؟! ﴿فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مجرمين﴾ مُشْرِكين.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ٣٢ إِلَى آيَة ٣٣.
﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حق والساعة﴾ يَعْنِي: الْقِيَامَة ﴿لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ لَا شكّ فِيهَا ﴿قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظنا﴾ مَا نشكُّ إِلَّا شكًّا ﴿وَمَا نَحن بمستيقنين﴾ (ل ٣٢٣) أَن السَّاعَة آتيةٌ.
قَالَ محمدٌ: [(السَّاعَة) ترفع وتنصب فَمن] رفع فعلى معنى [الِابْتِدَاء]،
218
وَمن نصبها عطف على (الْوَعْد)، الْمَعْنى: إِذا قيل: إِن وعد الله حق وَأَن السَّاعَة [آتِيَة.
قَوْله: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ قيل: الْمَعْنى: مَا نعلم ذَلِك إِلَّا شكًّا وَلَا نستيقنه؛ لِأَن الظَّن قد يكون بِمَعْنى الْعلم كَقَوْلِه: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنهم مواقعوها﴾ أَي: علمُوا وَمثل هَذَا فِي الشّعْر - لم يثبت لأحد -:
(فَقُلْتُ:
لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ سَرَاتُهُمُ بِالفَارِسيِّ المُسَرَّدِ)
وَقد يكون الظَّن أَيْضا بِمَعْنى الشَّك.
219
قَوْله ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عمِلُوا﴾ أَي: حِين غضب عَلَيْهِم علمُوا أَن أَعْمَالهم تِلْكَ سيئات، وَلم يَكُونُوا يرَوْنَ أَنَّهَا سيئاتٌ.
﴿وَحَاقَ بهم﴾ نزل بهم ﴿مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ كَانُوا يستهزئون بِالنَّبِيِّ وَالْمُؤمنِينَ؛ فحاق بهم عُقُوبَة ذَلِك الِاسْتِهْزَاء، فصاروا فِي النَّار.
تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ٣٤ إِلَى آيَة ٣٧.
﴿كَمَا نَسِيتُمْ﴾ كَمَا تركْتُم، وَقيل: الْمَعْنى فِي (ننساكم): نترككم ﴿لِقَاء يومكم هَذَا﴾ فَلم تؤمنوا
﴿وغرتكم الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ كُنْتُم لَا تقرون بِالْبَعْثِ ﴿فَالْيَوْمَ لَا يخرجُون مِنْهَا﴾ من النَّار ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أَي: لَا يستعتبوا ليُعْتَبُوا؛ أَي: ليؤمنوا.
﴿وَله الْكِبْرِيَاء﴾ العظمة ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي نقمته ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره.
220
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف
وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٥.
221
سورة الجاثية
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الجاثية) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ اتصاف الله بكمال العِزَّة والحِكْمة، والقدرة والعدل؛ ومن ذلك: قيامُه بجَمْعِ الخلائق يوم القيامة، والفصلِ بينهم على أعمالهم في يوم مَهُولٍ تجثو فيه الناسُ على رُكَبِها، وفي ذلك حثٌّ على صدق العمل في الدنيا؛ فاللهُ مُحْصٍ كلَّ عمل؛ عظُمَ أو صغُرَ، وجاءت السورة بتذكيرِ اللهِ خَلْقَه بنِعَمِه عليهم، والردِّ على الدَّهْريين.

ترتيبها المصحفي
45
نوعها
مكية
ألفاظها
488
ترتيب نزولها
65
العد المدني الأول
37
العد المدني الأخير
37
العد البصري
37
العد الكوفي
37
العد الشامي
37

* قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «كان أهلُ الجاهليَّةِ يقولون: إنَّما يُهلِكُنا الليلُ والنهارُ، وهو الذي يُهلِكُنا ويُمِيتُنا ويُحْيِينا، فقال اللهُ في كتابه: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اْلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا اْلدَّهْرُۚ} [الجاثية: 24]، قال: فيسُبُّون الدَّهْرَ، فقال اللهُ تبارَكَ وتعالى: يُؤذِيني ابنُ آدَمَ؛ يسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بِيَدي الأمرُ، أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /183).

* سورة (الجاثية):

اختصَّتْ سورةُ (الجاثية) بذكرِ لفظ (جاثية)، الذي يتعلق بيوم القيامة وأهواله، يوم تجثو الناسُ على رُكَبِها من الفزع؛ قال تعالى: {وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدْعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا اْلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28].

* سورة (الشَّريعة):

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (شريعة) فيها، ولم يقَعْ في غيرها من القرآن؛ قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ ‌شَرِيعَةٖ مِّنَ اْلْأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ اْلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

1. مصدر القرآن الكريم، وإثباتُ وَحْدانية الله (١-٦).

2. جزاء المكذِّبين بآيات الله (٧-١١).

3. التذكير بنِعَم الله على عباده (١٢-١٥).

4. نِعَمُه الخاصة ببني إسرائيل، وإنزالُ الشرائع (١٦-٢٠).

5. عدلُه في المحسِنين والمسِيئين (٢١-٢٣).

6. الرد على الدَّهْريِّين (٢٤-٢٧).

7. من مَشاهد يوم القيامة (٢٨-٣٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /161).

إثباتُ صِفَتَيِ العِزَّة والحِكْمة لله عز وجل؛ فمن كمال عِزَّته وحِكْمته: جمعُ الخلائق يوم القيامة للفصل بينهم، وجزاؤُهم على أعمالهم، بعد أن بيَّن لهم طريقَيِ الخير والشر، وأقام الحُجة عليهم.

واسمُ السورة دالٌّ أتمَّ الدلالة على هذا المقصد، و(الجاثية) اسمٌ من أسمائها يدل على هولِ ما يحصل فيها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /476).