﴿ بسم الله ﴾ الظاهر الباطن الملك العلام ﴿ الرحمن ﴾ الذي عمّ المخلوقين بالإنعام ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بدار السلام.
ﰡ
وقيل : إنه إشارة إلى ما روي أنّ جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صباه أو في يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيماناً وعلماً.
فإن قيل : لم قال تعالى صدرك ولم يقل قلبك ؟ أجيب : بأن محل الوسوسة هو الصدر كما قال تعالى :﴿ يوسوس في صدور الناس ﴾ [ الناس : ٥ ] وأبدلها بدواعي الخير فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب. و قال محمد بن علي الترمذي : القلب محل العقل والمعرفة، والشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكاً أغار فيه وثبت جنده فيه وبث فيه الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حينئذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة، فإذا طرد العدوّ في الابتداء حصل الأمن وانشرح الصدر.
فإن قيل : لم قال تعالى :﴿ ألم نشرح لك صدرك ﴾ ولم يقل : ألم نشرح صدرك ؟ أجيب : بوجهين :
أحدهما : كأنه تعالى يقول : لام بلام، فأنت إنما تفعل جميع الطاعة لأجلي، وأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك.
ثانيهما : أنّ فيه تنبيهاً على أنّ منافع الرسالة عائدة إليك لأجلك لا لأجلنا.
الذي سلف منك في الجاهلية وهو قوله تعالى :﴿ ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ﴾ [ الفتح : ٢ ] وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو. وقيل : ذنوب أمتك، وأضافها إليه لاشتغال قلبه بها.
ولو أنّ رجلاً عبد الله تعالى، وصدّق بالجنة والنار، وكل شيء ولم يشهد أنّ محمداً رسول الله لم ينتفع بشيء، وكان كافراً وقيل : أعلينا ذكرك فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.
وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود وكرائم الدرجات. وقال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به، ولا تجوز خطبة إلا به. وقال مجاهد : يعني التأذين. وفيه يقول حسان بن ثابت :
أغرّ عليه للنبوّة خاتم | من الله مشهور يلوح ويشهد |
وضم الإله اسم النبيّ إلى اسمه | إذا قال في الخمس المؤذن أشهد |
وشق له من اسمه ليجله | فذو العرش محمود وهذا محمد |
فإن قيل : ما معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنهما : لن يغلب عسر يسرين، وقد روي مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم «خرج ذات يوم وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين » أجيب : بأن هذا حمل على الظاهر وبناء على قوّة الرجاء، وأنّ موعد الله لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ وأبلغه، والقول عنه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى كما كرر في قوله تعالى :﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ [ المرسلات : ١٥ ] لتقرير معناها في النفوس، وتمكينها في القلوب، وكما تكرر المفرد في قولك : زيد زيد. وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردف بيسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر فهما يسران على تقدير الاستئناف.
وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو إما أن يكون تعريفه للعهد، وهو العسر الذي كانوا فيه فهو هو، لأنّ حكمه حكم زيد في قولك : إنّ مع زيد مالاً إنّ مع زيد مالاً، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضاً.
وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرر فقد تناول بعضاً غير البعض الأوّل بغير إشكال، أو بأن لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعد الله المؤمنين فيها واليسر الذي وعدهم في الآخرة إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فدائم غير زائل، أي : لا يجتمعان في الغلبة كقوله صلى الله عليه وسلم «شهرا عيد لا ينقصان »، أي : لا يجتمعان في النقصان. فإن قيل : فما معنى التنكير ؟ أجيب : بأنه للتفخيم، كأنه قيل : إنّ مع العسر يسراً عظيماً وأي يسر.
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يخرجه ». وللطبراني عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لو كان العسر في جحر لدخل اليسر حتى يخرجه ». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ».
وقيل : تضرع إليه راغباً في الجنة راهباً من النار عصمنا الله تعالى وأحبابنا منها بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله.