ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الشرحوهي مكية بإجماع من المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك.
قوله عز وجل:
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
عدد الله على نبيه ﷺ نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوة وهيأه لها، وذهب الجمهور إلى أن شرح الصدر المذكور هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه، وقال ابن عباس وجماعة: هذه إشارة إلى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره، وفي وقت الإسراء إذ التشريح شق اللحم. وقرأ أبو جعفر المنصور «ألم نشرح» بنصب الحاء على نحو قول الشاعر [طرفة] :[المنسرح]
أضرب عنك الهموم طارقها | ضربك بالسيف قونس الفرس |
من أي يومي من الموت أفر | أيوم لم يقدر أم يوم قدر |
وأنقض ظهري ما تطوقت مضهم | وكنت عليهم مشفقا متحننا |
وهذا متجه إلى أن الآية نزلت بمكة قديما. والأذان شرع بالمدينة، ورفع الذكر نعمة على الرسول، وكذلك هو جميل حسن للقائمين بأمور الناس، وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة، وقد جعل الله تعالى النعم أقساما بحسب ما يصلح لشخص شخص، وفي الحديث: «إن الله تعالى يوقف عبدا يوم القيامة فيقول له: ألم أفعل بك كذا وكذا؟ يعدد عليه نعمه، ويقول في جملتها: ألم أحمل ذكرك في الناس»، والمعنى في هذا التعديد الذي على النبي ﷺ أي يا محمد قد فعلنا بك جميع هذا فلا تكترث بأذى قريش، فإن الذي فعل بك هذه النعم سيظفرك بهم وينصرك عليهم ثم قوى رجاءه بقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، أي ما تراه من الأذى فرج يأتي، وكرر تعالى ذلك مبالغة وتثبيتا للخير، فقال بعض الناس:
المعنى إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً في الدنيا، وإن مع العسر يسرا في الآخرة، وذهب كثير من العلماء إلى أن مع كل عسر يسرين بهذه الآية من حيث العسر معروف للعهد واليسر منكر، فالأول غير الثاني، وقد روي في هذا التأويل حديث عن النبي ﷺ أنه قال: «لن يغلب عسر يسرين». وأما قول عمر به فنص في الموطأ في رسالته إلى أبي عبيدة بن الجراح. وقرأ عيسى ويحيى بن وثاب وأبو جعفر: «العسر واليسر» بضمتين، وقرأ ابن مسعود فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً واحدا غير مكرر، ثم أمر تعالى نبيه إذا فرغ من شغل من أشغال النبوة والعبادة أن ينصب في آخر، والنصب التعب، فالمعنى أن يرأب على ما أمر به ولا يفتر، وقال ابن عباس: المعنى فَإِذا فَرَغْتَ من فرضك فَانْصَبْ في النفل عبادة لربك، وقال ابن مسعود: فَانْصَبْ في قيام الليل، وعن مجاهد، فَإِذا فَرَغْتَ من شغل دنياك فَانْصَبْ في عبادة ربك، وقيل المعنى إذا فرغت من الركعات فاجلس في التشهد وانصب في الدعاء، وقال ابن عباس وقتادة: معنى الكلام فَإِذا فَرَغْتَ من العبادة فَانْصَبْ في الدعاء. وقال الحسن بن أبي الحسن:
المعنى فَإِذا فَرَغْتَ من الجهاد فَانْصَبْ في العبادة، ويعترض هذا التأويل بأن الجهاد فرض بالمدينة، وقرأ أبو السمال «فرغت» بكسر الراء وهي لغة، وقرأ قوم «فانصبّ» بشد الباء وفتحها، ومعناه إذا
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ أمر بالتوكل على الله تعالى وصرف وجه الرغبات إليه لا إلى سواه، وقرأ ابن أبي عبلة «فرغّب» بفتح الراء وشد الغين مكسورة.
نجز تفسيرها والحمد لله على كل حال.