تفسير سورة الشرح

مختصر تفسير ابن كثير

تفسير سورة سورة الشرح من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- ١ - أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
- ٢ - وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
- ٣ - الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ
- ٤ - وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
- ٥ - فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
- ٦ - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
- ٧ - فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ
- ٨ - وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ يعني قد شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ أَيْ نَوَّرْنَاهُ، وَجَعَلْنَاهُ فَسِيحًا رَحِيبًا وَاسِعًا كَقَوْلِهِ: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صدره للإسلام﴾، وَكَمَا شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ كَذَلِكَ جَعَلَ شَرْعَهُ فسيحاً سَمْحًا سَهْلًا، لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا إِصْرَ وَلَا ضِيقَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ شرح صدره ليلة الإسراء، وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء، وَلَكِنْ لَا مُنَافَاةَ، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ شَرْحِ صدره الحسي الشرح المعنوي أيضاً، وقوله تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾ بِمَعْنَى ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخر﴾، ﴿الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ الإنقاض الصوت أي أثقلك حمله، وقوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»
، وَقَالَ قَتَادَةُ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ وَلَا مُتَشَهِّدٌ وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ إِلَّا يُنَادِي بِهَا، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، روى ابن جرير عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ: كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِذَا ذكرتُ ذكرتَ معي» (رواه ابن جرير). وَحَكَى الْبَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ المراد بذلك الأذان، يعني ذكره فيه، كما قال حسان بن ثابت:
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه * إذ قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ * فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
وَقَالَ آخَرُونَ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَنَوَّهَ بِهِ حِينَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَنْ يَأْمُرُوا أُممهم بِالْإِيمَانِ بِهِ، ثُمَّ شَهَرَ ذِكْرَهُ فِي أُمَّتِهِ، فَلَا يُذْكَرُ اللَّهُ إِلَّا ذُكِرَ معه.
652
وقوله تَعَالَى: ﴿فَإِن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يوجد اليسر،
ثم أكد هذا الخبر، بقوله: ﴿إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾، قال الحسن: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَغْلِبُ عُسْرٌ وَاحِدٌ يُسْرَيْنِ اثنين، وعن قَتَادَةُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ أَصْحَابَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فقال: «لن يغلب عسر يسرين» (رواه ابن جرير)، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْعُسْرَ مُعَرَّفٌ فِي الْحَالَيْنِ، فَهُوَ مُفْرَدٌ، وَالْيُسْرُ مُنَكَّرٌ، فَتَعَدَّدَ، وَلِهَذَا قَالَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ فالعسر الاول عين الثاني، واليسر تعدّد، ومما يروى عن الشافعي أَنَّهُ قَالَ:
صَبْرًا جَمِيلًا مَا أَقْرَبَ الْفَرَجَا * مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِي الْأُمُورِ نَجَا
مَنْ صَدَقَ اللَّهَ لَمْ يَنَلْهُ أَذًى * وَمَنْ رَجَاهُ يكون حيث رجا
وقال الشاعر:
وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى * ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ
كَمُلَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا * فرجت وكان يظنها لا تفرج
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ أَيْ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أُمور الدُّنْيَا وَأَشْغَالِهَا، وَقَطَعْتَ علائقها فانصب إلى الْعِبَادَةِ، وَقُمْ إِلَيْهَا نَشِيطًا فَارِغَ الْبَالِ، وَأَخْلِصْ لربك النية والرغبة، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَقُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْصَبْ لربك. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرَائِضِ فانصب في قيام الليل، وفي رواية عنه ﴿فانصب﴾ بَعْدَ فَرَاغِكَ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ جَالِسٌ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ يَعْنِي فِي الدعاء، وقال الضحّاك ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ﴾ أَيْ مِنَ الْجِهَادِ ﴿فَانْصَبْ﴾ أَيْ فِي الْعِبَادَةِ ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ قَالَ الثَّوْرِيُّ: اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
653
- ٩٥ - سورة التين.
654

[مقدمة]

روى مالك عن البراء بن عازب قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في سفره فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ» أَخْرَجَهُ الجماعة.
654
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
654
سورة الشرح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الشَّرْحِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الضُّحى)، واتفقت معها في موضوعها العامِّ؛ فجاءت بذكرِ إنعام الله على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وذكَرتْ مظاهرَ عناية الله به صلى الله عليه وسلم، فكأنها تكملة لسورة (الضُّحى).

ترتيبها المصحفي
94
نوعها
مكية
ألفاظها
27
ترتيب نزولها
12
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* (الشَّرْح) أو (الانشراح):

سُمِّيت سورة (الشَّرْح) أو (الانشراح) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1].

1. نِعَمُ الله تعالى على نبيِّه صلى الله عليه وسلم (١-٦).
2. ما تستوجبه تلك النِّعَم (٧-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /220).

عنايةُ الله بنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وفضلُه وإنعامه عليه؛ رفعًا لقدره، وتسليةً وتصبيرًا له.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /407).