ﰡ
قوله: ﴿فَظَلَّتْ﴾ عطفٌ على «نُنَزِّلْ» فهو في محلِّ جزمٍ. ويجوز أن يكونَ
قوله: ﴿خَاضِعِينَ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه خبرٌ عن «أعناقُهم». واستُشْكِلَ جمعُه جمعَ سلامةٍ لأنه مختصٌّ بالعقلاءِ. وأُجيب عنه بأوجهٍ، أحدُها: أنَّ المرادَ بالأعناق الرؤساءُ، كما قِيل: لهم وجوهٌ وصدورٌ قال:
٣٥٠٥ -............................ | في مَجْمَعٍ مِنْ نواصِي الخيلِ مَشْهودِ |
٣٥٠٦ -.......................... | كما شَرِقَتْ صَدْرُ القناةِ من الدمِ |
٣٥٠٧ - أنَّ العراقَ وأهلَه | عُنُقٌ إليك فَهَيْتَ هَيْتا |
والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ من الضميرِ في» أعناقُهم «قاله
قال الزمخشري:» فإنْ قلتَ: ما معنى الجمعِ بين كم وكل؟ ولو قيل: أنبتنا فيها مِنْ كل زوج؟ قلت: قد دَلَّ «كل» على الإِحاطةِ بأزواجِ النباتِ
قوله: ﴿أَنِ ائت﴾ يجوزُ أن تكونَ مفسِّرةً، وأن تكونَ مصدريةً أي بأن.
قوله: ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾ العامَّةُ على الياء في «يتَّقون» وفتحِ النون، والمرادُ قومُ فرعونَ. والمفعولُ محذوفٌ أي: يتقون عقابَ. قرأ عبد الله بن مسلم ابن يسار وحماد وشقيق بن سلمة بالتاء من فوق على الالتفات، خاطبهم بذلك توبيخاً، والتقدير: يا قومَ فرعونَ/ وقرأ بعضُهم «يتقونِ» بالياءِ مِنْ تحتُ وكسرِ النونِ. وفيها تخريجان، أحدهما: أنَّ يتَّقونِ «مضارعٌ، ومفعولُه ياءُ المتكلم، اجتُزِىءَ عنها بالكسرةِ. الثاني: جَوَّزَه الزمخشري أن تكونَ» يا «للنداء. و» اتقون «فعلُ أمرٍ كقوله:» ألا يا اسْجدوا «أي يا قومِ اتقونِ. أو ياناسُ اتقونِ. وسيأتي تحقيقُ مثلِ هذا في النمل. وهذا تخريجٌ بعيد.
والظاهرُ أن» ألا «للعرض. وقال الزمخشري:» إنها لا النافيةُ دخلت عليها همزةُ الإِنكار «. وقيل: هي للتنبيهِ.
قوله: ﴿فَأَرْسِلْ﴾ أي: فأَرْسِلْ جبريلَ أو المَلَكَ، فحذف المفعولَ به.
٣٥٠٨ - لقد كَذَبَ الواشُون ما فُهْتُ عندهمْ | بِسِرٍّ ولا أَرْسَلْتُهُمْ برسولِ |
٣٥٠٩ - أفرحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ.......... | ........................... |
قوله: ﴿أَنْ عَبَّدتَّ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنها في محلِّ رفعٍ عطفَ بيان ل «تلك»، كقوله: ﴿وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ﴾ [الحجر: ٦٦]. الثاني: أنها في محلِّ نصبٍ مفعولاً مِنْ أجلِه. والثالثَ: أنها بدلٌ من «نعمةٌ». الرابع: أنها بدلٌ من «ها» في «تَمُنُّها». الخامس: أنها مجرورةٌ بباءٍ مقدرةٍ أي: بأَن عَبَّدْت. السادس: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هي. السابعُ: أنها منصوبةٌ بإضمار أعني. والجملة مِنْ «تَمُنُّها» صفةٌ لنعمة. و «تُمُنُّ» يتعدَّى بالباء فقيل: هي محذوفةٌ أي: تمُنُّ بها، وقيل: ضَمَّنَ «تَمُنُّ» معنى تَذْكُرُ.
٣٥١٠ -........................ | بين رِماحَيْ مالِكٍ ونَهْشَلِ |
٣٥١١ -......................... | وإنْ مالِكٌ كانَتْ كرامَ المعادنِ |
٣٥١٢ - جاء الشتاءُ وقميصي أُخْلاقْ | شراذِمٌ يضحكُ منه الخَلاَّقْ |
٣٥١٣ -[يُحْذَيْنَ] في شَراذِمِ النِّعالِ...
٣٥١٤ - حَذِرٌ أموراً لا تَضِيْرُ وآمِنٌ | ما ليسَ مُنْجِيَه من الأَقْدارِ |
٣٥١٥ - وإني حاذِرٌ أَنْمِيْ سِلاحي | إلى أوصالِ ذَيَّالٍ مَنيعِ |
٣٥١٦ - وعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ | ...................... |
٣٥١٧ - أُحِبُّ الغلامَ السَّوْءَ من أجلِ أُمِّه | وأُبْغِضُهُ من بُغْضِها وهو حادِرُ |
قوله: ﴿مُّشْرِقِينَ﴾ منصوبٌ على الحالِ. والظاهرُ أنه من الفاعلِ. ومعنى مُشْرِقين أي: داخِلين في وقتِ الشروقِ كأصبح وأمسى أي: دخَلَ في هذين الوقتين، وقيل: داخلين نحو: المَشْرق كأَنْجَدَ وأَتْهَمَ، وقيل: مُشْرقين بمعنى مُضيئين. وفي التفسير: أنَّ بني إسرائيل كانوا في نُوْر، والقِبْطَ في ظُلمة، فعلى هذا يكون «مُشْرِقين» حالاً من المفعول، وعندي أنه يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل والمفعول، إذا جَعَلْنا «مُشرِقين» داخلين في وقتِ الشُّروق، أو في مكانٍ المَشْرِق؛ لأنَّ كلاً من القبيلين كان داخِلاً في ذلك الزمانِ، أو في ذلك المكان.
وغيرُه من القُرَّاءِ لا يُميل شيئاً من ذلك، وقياسُ مذهبِ الكسائيِّ أَنْ يُميلَ الألفَ الأخيرةَ وفتحةَ الهمزةِ قبلها. وكذا نقله ابنُ الباذش عنه وعن حمزةَ.
وإنْ وُصِلَ: فإنَّ ألفَه الأخيرةَ تَذْهَبُ لالتقاءِ الساكنين، ولذهابِها تَذْهَبُ إمالةُ فتحةِ الهمزة وتبقى إمالةُ الألف الزائدة. وإمالةُ فتحةِ الراءِ قبلَها عنده اعتداداً بالألفِ المحذوفةِ. وعند ذلك يُقال: حُذِفَ السببُ وبقي المُسَبَّبُ؛ لأن إمالةَ الألفِ الأولى إنما كان لإِمالةِ الألفِ الأخيرةِ كما تقدَّم تقريرُه، وقد ذَهَبَتِ الأخيرةُ، فكان ينبغي أَنْ لا تُمال الأولى لذهابِ المُقْتضي لذلك، ولكنه راعى المحذوفَ، وجعلَه في قوةِ المنطوقِ، ولذلك نحا عليه أبو حاتمٍ فقال: «وقراءةُ هذا الحرفِ بالإِمالةِ مُحالٌ: قلت: وقد تقدَّم في الأنعام عند» رأى القمر «و» رأى الشمس «ما يُشْبه هذا العملَ فعليك باعتبارِه ثَمَّة.
قوله: ﴿لَمُدْرَكُونَ﴾ العامَّةُ على سكونِ الدالِ اسمَ مفعولٍ مِنْ أَدْرك أي: لمُلْحَقُون. وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدالِ مشدَّدةً وكسرِ الراء. قال الزمخشري:» والمعنى: متتابِعُون في الهَلاك على أيديهم. ومنه بيت الحماسة:
٣٥١٨ - أَبَعْدَ بَني أمِّي الذين تتابَعُوا | أُرَجِّيْ الحياةَ أم مِنْ الموتِ أجْزَعُ |
واختلفَ القُراء في ترقيقِ راءِ «فِرْق» عن ورشٍ لأجلِ القاف. وقُرِىء «فِلْق» بلامٍ بَدَلِ الراءِ لموافقةِ «فانفلقَ». والطَّوْدُ: الجبلُ العظيمُ/ المتطاولُ في السماءِ.
قوله: ﴿وَقَوْمِهِ﴾ الهاءُ تعودُ على «إبراهيم» لأنَّه المُحَدَّثُ عنه. وقيل: تعودُ على أبيه، لأنَّه أقربُ مذكورٍ، أي: قال لأبيه وقومِ أبيه، ويؤيِّده ﴿إني أَرَاكَ وَقَوْمَكَ﴾ [الأنعام: ٧٤]، حيث أضافَ القومَ إليه.
قوله: ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾ منصوبٌ بما قبلَه، فما قبله وما بعده ماضيان معنىً، وإنْ كانا مستقبلَيْنِ لفظاً، لعملِ الأولِ في «إذ»، ولعَمَلِ «إذ» في الثاني. وقال بعضُهم: «إذ» هنا بمعنى إذا. وقال الزمخشري: «إنه على حكاية الحالِ الماضيةِ، ومعناه: اسْتَحْضِروا الأحوالَ [الماضيةَ] التي كنتم تدَّعُونها فيها، [وقولوا] : هل سَمِعُكم أو أَسْمَعُوا، وهو أبلغ في التَّبْكِيْتِ». وقد تقدَّم أنه قُرِىءَ بإدغامِ ذال «إذا» وإظهارِها في التاء. وقال ابنُ عطيةَ: ويجوز فيه قياسُ «مُدَّكِر» ونحوِه. ولم يَقْرَأْ به أحدٌ. والقياسُ أن يكون اللفظُ به «إدَّدْعون» والذي مَنَعَ من هذا اللفظِ اتصالُ الدالِ الأصلية في الفعل، فكَثُرَتْ المتماثلاتُ «قلت: يَعْني فيكون اللفظُ بدالٍ مشددةٍ مهملةٍ ثم بدالٍ ساكنةٍ مهملةٍ أيضاً».
قال الشيخ: «وهذا لا يَجُوز؛ لأنَّ هذا الإِبدالَ إنما هو في تاءِ الافتعالِ بعد الدالِ والذالِ والزايِ نحو: ادَّهَنَ وادَّكَرَ وازْدَجَر، وبعد جيمٍ
قوله: ﴿إِلاَّ رَبَّ العالمين﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه منقطعٌ أي: لكنْ ربُّ العالمين ليس بعدُوّ لي. وقال الجرجاني: «فيه تقديمٌ وتأخيرٌ أي: أفَرَأَيْتُمْ ما كنتم تَعْبُدُوْنَ أنتم وآباؤكم الأَقْدمون، إلاَّ ربَّ العالمين فإنهم عدوٌّ لي، و» إلاَّ «بمعنى/» دون «و» سوى «. والثاني: أنه متصلٌ. وهو قول الزجاج؛ لأنهم كانوا يَعْبدون اللهَ تعالى والأصنامَ.
و [قوله] :﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ جملةٌ اسميةٌ في محلِّ رفعٍ خبراً له. قال الحوفي: «ودَخَلَتِ الفاءُ لِما تَضَمَّنه المبتدأُ مِنْ معنى الشرط». وهذا مردودٌ؛ لأنَّ الموصولَ مُعَيَّنٌ ليس عامَّاً، ولأنَّ الصلةَ لا يمكنُ فيها التجدُّدُ، فلم يُشْبِهِ الشرطَ. وتابع أبو البقاء الحوفيَّ ولكنه لم يتعرَّضْ للفاء. فإنْ عنى ما عناه الحوفيُّ فقد تقدَّمَ ما فيه. وإن لم يَعْنِهِ فيكونُ تابعاً للأخفش في تجويزِه زيادةَ الفاءِ في الخبر مطلقاً نحو: «زيدٌ فاضربه»، وقد تقدَّم تحريرُه.
٣٥١٩ - إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ | وليثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ |
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ | وليثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ |
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ | وليثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ |
قال الشيخ: «ولا ضرورةَ تَدْعُو ألى حذفِ المضافِ كما ذكر». قلت: إنما قَدَّرَ المضافَ ليُتَوَهَّمَ دخولُ المستثنى في المستثنى منه؛ لأنه متى لم يُتَوَهَّمْ ذلك لم يَقعِ الاستثناءُ، ولهذا مَنَعوا: «صَهَلَتِ الخيلُ إلاَّ الإِبِلَ» إلاَّ بتأويلٍ.
٣٥٢٠ -....................... | ولم يَنْجُ إلاَّ جَفْنَ سيفٍ ومِئْزرا |
قلت: وأبو البقاء خَلَط وجهاً بوجهٍ: وذلك أنه إذا أرَدْنا أن نجعلَه بدلاً من فاعل «ينفع» فلنا فيه طريقان، أحدهما: طريقةُ التغليب أي: غَلَّبْنا البنين على المالِ، فاستثنى من البنين، فكأنه قيل: لا ينفعُ البنونَ إلاَّ مَنْ أتى مِن البنين بقلبٍ سليم فإنه ينفع نفسَه بصلاحِه، وغيرَه بالشفاعةِ.
والطريقة الثانية: أَنْ تُقَدِّر مضافاً محذوفاً قبل «مَنْ» أي: إلاَّ مالُ مَنْ أو بنو مَنْ فصارَتِ الأوجُه خمسةً.
ووجَّه الزمخشريُّ اتصالَ الاستثناءِ، بوجهين، أحدُهما: إلاَّ حالَ مَنْ أتى اللهِ بقلبٍ سليمٍ، وهو مِنْ قوله:
٣٥٢١ -.........................
«وما ثوابُه إلاَّ السيفُ» ومثاله أن يقال: هل لزيدٍ مالٌ وبنون؟ فيقال: مالُه وبَنُوه سلامةُ قلبِه. تريد نَفْيَ المالِ والبنين عنه، وإثباتَ سلامةِ قلبِه بدلاً عن ذلك. والثاني قال: «وإن شِئْتَ حَمَلْتَ الكلامَ على المعنى وجَعَلْتَ المالَ والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل: يومَ لا يَنْفع غِنَى إلاَّ غَنى مَنْ أتى، لأنَّ غِنى الرجلِ في دينِه بسلامةِ قلبِه، كما أنَّ غِناه في دنياه بمالِه وبنيه.».
وواو «كُبْكِبوا» قيل: للأصنام؛ إجراءً لها مُجْرى العقلاءِ. وقيل: لعابديها.
٣٥٢٢ - على لاحِبٍ لا يهتدى بمنارِه | ......................... |
٣٥٢٣ - لَلُبْسُ عَباءةٍ وتَقَرَّ عيني | .......................... |
٣٥٢٤ - طِراقُ الخَوافي مُشْرِفٌ فوقَ رِيْعَةٍ | ندى ليلِه في رِيْشه يَتَرَقْرَقُ |
٣٥٢٥ - في الآلِ يَخْفِضُها ويَرْفَعُهما | رِيْعٌ يَلُوْحُ كأنه سَحْلُ |
٣٥٢٦ - وهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعِيْدٌ مُخَلَّدٌ | قليلُ الهُمومِ ما يَبِيْتُ بأَوْجالِ |
والمصانِعُ: جمعُ مَصْنَعَة، وهي بِرَكُ الماء. وقيل: القصور. وقيل: بُروجُ الحَمام.
وقرأ العامَّةُ» أَوَعَظْتَ «باظهارِ الظاءِ قبل التاءِ، ورُوِيَ عن أبي عمرٍو والكسائيِّ وعاصمٍ، وبها قرأ الأعمشُ وابن محيصن بالإِدْغامِ، وهي ضعيفةٌ؛ لأنَّ الظاءَ أقوى ولا يُدْغَمُ الأقوى في الأضعفِ، على أنَّه قد جاء من هذا في القرآنِ العزيزِ أشياءُ متواترةٌ يجبُ قَبولُها نحو: ﴿زُحْزِحَ عَنِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] و ﴿لَئِن بَسَطتَ﴾ [المائدة: ٢٨].
٣٥٢٧ - كأنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلةٍ | من النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقا |
قوله: ﴿فَارِهِينَ﴾ قرأ الكوفيون وابنُ عامر «فارِهيْنَ» بالألف كما قرؤوا «حاذِرون» بها والباقونَ «فَرِهين» بدون ألف، كما قرؤوا «حَذِرُون» بدونِها. والفَراهَةُ: النشاطُ والقوةُ. وقيل: الحِذْقُ. يقال: دابَّة فارِهٌ، ولا يقال: فارِهَة، وقد فَرُه يَفْرُه فَراهة.
٣٥٢٨ - وتَرْمِيْنَنِيْ بالطَّرْفِ أي: أنتَ مُذْنِبٌ... وتَقْلِينني لكنَّ إياكِ لا أَقْلي
وقال آخر:
٣٥٢٩ - واللهِ ما فارَقْتُكم عَنْ قِلَىً لكمْ... ولكنَّ ما يقضى فسوفَ يكونُ
واسمُ المفعولِ منه: مَقْلِيّ. والأصلُ مَقْلُوْي. فأُدْغِمَ ك مَرْمِيّ قال:
٣٥٣٠ -........................ وَلسْتُ بمَقْلِيِّ الخِلالِ ولا قالِ
أي: لا يَبْغُضُني غيري ولا أَبْغَضُه. وغَلِط بعضُهم فَجَعَلَ ذلك مِنْ قولهم قلا اللحمَ أي: شواه، فكأنه: قلا كَبِدَه بالبُغْض. ووَجْهُ الغَلَطِ: أنَّ هذا من
وقد اضْطَرَبَتْ أقوالُ الناسِ في القراءةِ الأُولى. وتجرَّأَ بعضُهم على قارئها، وسأذكر لك من ذلك طرفاً. فَوَجْهُها على ما قال أبو عُبيد: «أَنَّ لَيْكَةَ اسمٌ للقريةِ التي كانوا فيها، والأيْكَةَ اسمٌ للبلدِ كله. قال أبو عبيد:» لا أُحِبُّ مفارقَةَ الخَطِّ في شيءٍ من القرآنِ إلاَّ ما يَخْرُج من كلامِ العربِ، وهذا ليسَ بخارجٍ من كلامِها مع صحةِ المعنى في هذه الحروفِ؛ وذلك أنَّا وَجَدْنا في بعضِ التفسيرِ الفرقَ بين لَيْكة والأَيْكة فقيل: لَيْكة هي اسمُ القرية التي كانوا فيها، والأَيْكَةُ: البلادُ كلُّها فصار الفرقُ بينهما شبيهاً بما بين بَكَّة ومَكَّة، ورَأَيْتُهُنَّ مع هذا في الذي يقال: إنه الإِمامُ مصحفُ عثمانَ مفتَرِقاتٍ، فوجَدْتُ التي في الحجر والتي في ق «الأَيْكَة»، ووَجَدْتُ التي في الشعراءِ والتي في ص «لَيْكَة»، ثم اجْتَمَعَتْ عليها مصاحفُ الأمصارِ بعدُ، فلا نَعْلَمُها اختلفَتْ فيها. وقرأ أهلُ المدينةِ على هذا اللفظِ الذي قَصَصْنا يعني بغيرِ ألفٍ ولامٍ ولا إجراءٍ «. انتهى
وقد تُعُقِّبَ قولُ أبي عبيدٍ، وأنكروا عليه، فقال أبو جعفر:» أَجْمع القرَّاءُ على خفضِ التي في الحجر وق فيجبُ أَنْ يُرَدَّ ما اخْتُلِفَ/ فيه إلى ما اتُّفِقَ عليه إذا كان المعنى واحداً. فأمَّا ما حكاه أبو عبيدٍ مِنْ أَنَّ «ليكَةَ» اسمُ القرية، وأن الأَيْكَةَ اسمُ البلدِ كلِّه فشيْءٌ لا يَثْبُتُ ولا يُعْرَفُ مَنْ قاله، ولو عُرِفَ لكان في نظرٌ؛ لأنَّ أهلَ العلمِ جميعاً من المفسِّرين والعالِمين بكلامِ العرب على خلافِه. ولا نَعْلم خلافاً بين أهلِ اللغة أنَّ الأَيْكَة الشجرُ الملتفُّ. فأمَّا احتجاجُ بعضِ منِ احتجَّ لقراءة مَنْ قَرَأ في هذين الموضعين بالفتح أنَّه في السَّوادِ «لَيْكة» فلا حجَّةَ فيه. والقولُ فيه: أنَّ أصلَه: الأَيْكَة، ثم خُفِّفَتِ الهمزةُ فَأُلْقِيَتْ حركتُها على اللامِ فسَقَطَتْ واستَغْنَيْتَ عن ألفِ الوصلِ؛ لأنَّ اللامَ قد تحرَّكَتْ، فلا يجوزُ على هذا إلاََّ الخفضُ، كما تقول: مررتُ بالأَحْمَرِ على تحقيقِ الهمزةِ، ثم تُخَفِّفُها فتقول: بِلَحْمَرِ فإنْ شِئْتَ كَتَبْتَه في الخَطِّ على ما كتبتَه أولاً، وإن شِئْتَ كَتَبْتَه بالحَذْفِ ولم يَجُزْ إلاَّ الخفضُ، فلذلك لا يجوزُ في «الأَيْكَةِ» إلاَّ الخفضُ.
قال سيبويه: «واعلَمْ أنَّ كلَّ ما لم يَنْصَرِفْ إذا دَخَلَتْه الألفُ واللامُ أو أَضَفْتَه انصرَفَ»، ولا نعلمُ أحداً خالَف سيبويه في هذا «.
وقال أبو إسحاق:» القراءة بجَرِّ قوله: «ليكةِ» وأنت تريد «الأيكة» أجودُ مِنْ أَنْ تجعلَها «لَيْكَةَ»، وتفتَحها؛ لأنَّها لا تنصرفُ؛ لأنَّ لَيْكَة لا تُعَرَّفُ، وإنما هي أَيْكة للواحدِ، وأَيْك للجمعِ مثل: أَجَمَة وأَجَم. والأَيْكُ: الشجرُ الملتفُّ فأجودُ القراءةِ فيها الكسرُ، وإسقاطُ الهمزة، لموافقة المصحف ولا أعلمه إلاَّ قد قُرِىء به «.
وقال الفارسيُّ:» قولُ مَنْ قال «ليكةَ» ففتحَ التاءَ مُشْكِلٌ، لأنه فَتَحَ معِ لَحاقِ اللامِ الكلمةَ. وهذا في الامتناعِ كقولِ مَنْ قال: «مَرَرْتُ بِلَحْمَرَ» ففتحَ
قلت: يعني أنَّ وَرْشاً نَقَلَ عن نافعٍ نَقْلَ حركةِ الهمزةِ إلى الساكنِ قبلَها، حيث وُجِد بشروطٍ مذكورةٍ، ومن جملةِ ذلك: ما في سورةِ الحجر وق مِنْ لفظِ» الأيكة «فقرَأ على قاعدتِه في السورتين بنَقْلِ الحركةِ وطَرْحِ الهمزةِ وخَفْضِ الياءِ، فكذلك ينبغي أَنْ يكونَ الحكمُ في هذين الموضعينِ أيضاً.
وقال الزمخشري:» قُرِىءَ «أصحابُ الأَيْكة» بالهمزة وتخفيفها وبالجرِّ على الإِضافةِ، وهو الوجهُ. ومَنْ قَرَأَ بالنصبِ وزعَمَ أنَّ لَيْكَة بوزنِ لَيْلة اسمُ بلد، فَتَوَهُّمٌ قاد إليه خطُّ المصحفِ، وإنما كُتبت على حكمِ لفظِ اللافظ كما يكتب أَصحاب [النحو]، لأن.
.. على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف، وقد كُتِبَتْ في سائرِ القرآنِ على الأصلِ، والقصة واحدةٌ. على أنَّ لَيْكَة اسمٌ لا يُعْرَفُ. ورُوي أنَّ أصحابَ الأَيْكة كانوا أصحابَ شجرٍ مُلْتَفٍّ وكان شجرُهم الدَّوْمَ، يعني أنَّ مادةَ لام ي ك مفقودةٌ في لسانِ العرب كذا قال النُّقَّابُ مِمَّنْ تَتَبَّع ذلك قال: «وهذا كما نَصُّوا على أن الخاء والذال المعجمتين لم يُجامعا الجيمَ في لغةِ العربِ» ولذلك لم يَذْكرها صاحب «
وقال الزجاج أيضاً: «أهلُ المدينة يفتحون على ما جاء في التفسيرِ: أن اسمَ المدينة التي كان فيها شعيبٌ لَيْكة» قال أبو علي: «لو صَحَّ هذا فلِمَ/ أجمعَ القرَّاءُ على الهمزِ في قوله: ﴿وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيكة﴾ [الآية: ٧٨] في الحجر. والأَيْكة التي ذُكِرَتْ ههنا هي الأَيْكَةُ التي ذُكِرَتْ هناك. وقد قال ابن عباس:» الأَيْكَةُ: الغَيْضَةُ «ولم يُفَسِّرْها بالمدينةِ ولا البلدِ».
قلت: وهؤلاء كلُّهم كأنَّهم زعموا أن هؤلاء الأئمةَ الأثباتَ إنما أَخَذوا هذه القراءةَ مِنْ خَط المصاحفِ دونَ أفواهِ الرجالِ، وكيف يُظَّنُّ بمثلِ أَسَنِّ القراءِ وأعلاهُمْ إسناداً، الآخذِ للقرآن عن جملةٍ من جُلَّة الصحابةِ أبي الدرداء وعثمان بن عفان وغيرهما، وبمثل إمامِ مكةَ شَرَّفها الله تعالى وبمثل إمامِ المدينةِ؟ وكيف يُنْكَرُ على أبي عبيدٍ قولُه، أو يُتَّهَمُ في نَقْلِه؟ ومَنْ حَفِظَ حجةٌ على مَنْ لم يَحْفَظْ، والتواتُرُ قَطْعِيٌّ فلا يُعارَضُ بالظنِّي.
وأمَّا اختلافُ القراءةِ مع اتحادِ القصةِ فلا يَضُرُّ ذلك، عَبَّر عنها تارةً
٣٥٣١ - وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ | لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعيسِ |
٣٥٣٢ - والمَوْتُ أعظمُ حادِثٍ | فيما يَمُرُّ على الجِبِلَّهْ |
وإنْ كانَتْ ناقصةً جاز فيها أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يكونَ اسمُها مضمراً فيها بمعنى القصةِ، و «آيةٌ أَنْ يَعْلَمَه» جملةٌ قُدِّم فيها الخبرُ واقعةٌ موقعَ خبر «تكن». الثاني: أن يكونَ اسمُها ضميرَ القصةِ أيضاً، و «لهم» خبرٌ مقدمٌ، و «آيةٌ» مبتدأٌ مؤخر، والجملةُ خبر «تكن» و «أَنْ يعلَمَه» : إمَّا بدلٌ من «آيةٌ»، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي أَنْ يعلَمه. الثالث: أَنْ يكونَ «لهم» خبرَ «تكنْ» مقدَّماً على اسمها، و «آيةٌ» اسمُها و «أَنْ يعلَمَه» على الوجهين المتقدِّمين:
٣٥٣٣ -....................... | ولا يَكُ مَوْقِفٌ منكِ الوَداعا |
٣٥٣٤ -......................... | يكون مزاجَها عَسَلٌ وماءُ |
وأمَّا قراءةُ الباقينَ فواضحةٌ جداً ف «آيةً» خبرٌ مقدمٌ، و «أَنْ يَعْلَمه» اسمُها مؤخرٌ، و «لهم» متعلِّقٌ بآية حالاً مِنْ «آية».
وأمَّا قراءةُ ابنِ عباس فكقراءةِ ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهم إلاَّ أَنْ قَالوا﴾ [الأنعام: ٢٣] وكقول لبيد:
٣٥٣٥ - فمضَى وقدَّمها وكانت عادَةً | منه إذا هي عَرَّدَتْ إقدامُها |
٣٥٣٦ - قالَتْ بنو عامرٍ خالُوا بني أَسَدٍ | يا بؤسَ للجَهْلِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ |
٣٥٣٧ -....................... | حلائلَ أَسْوَدِيْنَ وأَحْمَرينا |
وقال الزمخشريُّ:» الأعجمُ: الذي لا يُفْصِحُ، وفي لسانِه عُجْمَةٌ أو استعجامٌ. والأعجميُّ مثلُه، إلاَّ أنَّ فيه زيادةَ النسَبِ توكيداً «قلت: وقد تقدَّم نحوٌ مِنْ هذا في سورة النحلِ. وقد صَرَّح أبو البقاء بمَنْع أن يكون»
قلت: وقد تقدَّم ذلك. ففيما قال ابنُ عطية نظرٌ. وأمَّا الزمخشري فليس في كلامِه أنه جمع أَعْجم مخففاً أو غيرَ مخففٍ، وإنْ كان ظاهرُه أنَّه جمع أعجم مِنْ غيرِ تخفيفٍ. ولكن الذي قاله ابن عطية تَبِعَ فيه الفراء فإنه قال:» الأعجمين جمعَ أَعْجم أو أعجمي على حَذْفِ ياءِ النِّسَبِ كما قالوا: الأشعرين وواحدهم أشعري. وأنشد للكميت:
٣٥٣٨ - ولو جَهَّزْتَ قافيةً شَرُوْدا | لقد دَخَلَتْ بيوتَ الأَشْعَريْنا |
و [قرأ] الحسن وابن مقسم «الأَعْجميِّين» بياءَي النسب، وهي مؤيدةٌ لتخفيفِه منه في قراءةِ العامَّة.
وقرأ الحسن «بَغَتَةً» بفتحِ الغين.
وقرىء «يُمْتَعُون» بإسكانِ الميم وتخفيف التاءِ، مِنْ أَمْتَع اللهُ زيداً بكذا.
ومذهبُ الجمهورِ أنه لا تجيءُ الصفةُ بعد «إلاَّ» معتمدةً على أداةِ الاستثناءِ نحو: ما جاءَني أحدٌ إلاَّ راكبٌ. وإذا سُمِع مثلُ هذا خَرَّجوه على البدلِ، أي: إلاَّ رجلٌ را كبٌ. ويَدُلُّ على صحةِ هذا المذهبِ أنَّ العربَ تقولُ: «ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ قائماً» ولا يُحْفَظُ عنهم «إلاَّ قائمٍ» بالجرِّ. فلو كانت الجملةُ صفةً بعد «إلاَّ لَسُمِعَ الجرُّ في هذا. [وأيضاً فلو كانَتْ الجملةُ صفةً
ثم قال:» فإنْ كانَتِ الصفةُ غيرَ معتمدةٍ على الأداةِ جاءَتِ الصفةُ بعد «إلاَّ» نحو: «ما جاءني أحدٌ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمروٍ». التقدير: ما جاءني أحدٌ خيرٌ من عمرٍو إلاَّ زيدٌ. وأمَّا كونُ الواوِ تُزاد لتأكيد وَصْلِ الصفةِ بالموصوفِ فغيرُ معهودٍ في عبارةِ النَّحْويين. لو قلتَ: «جاءني رجلٌ وعاقلٌ» أي: «رجلٌ عاقلٌ» لم يَجُزْ. وإنما تدخل الواوُ في الصفاتِ جوازاً إذا عُطِفَ بعضُها على بعضٍ، وتَغَايَرَ مدلُولها نحو: مررت بزيدٍ الشجاعِ والشاعرِ. وأمَّا ﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] فتقدَّم الكلامُ عليه «.
قلت: أمَّا كونُ الصفةِ لا تقعُ بعد» إلاَّ «معتمدةً، فالزمخشريُّ يختارُ غيرَ هذا، فإنَّها مسألةً خلافيةً. وأمَّا كونُه لم يُقَلْ» إلاَّ قائماً «بالنصبِ دونَ» قائم «بالجرِّ فذلك على أحدِ الجائزين وليس فيه دليلٌ على المَنْعِ مِنْ قَسيمِه. وأمَّا قولُه» فغيرُ معهودٍ من كلامِ النحويين «فمَمنوعٌ. هذا ابنُ جني نَصَّ عليه في بعضِ كتبه. وأمَّا إلزامُه أنها لو كانَتِ الجملةُ صفةً بعد» إلاَّ «للنكرةٍ لجاز أَنْ تقعَ صفةُ المعرفة بعد» إلاَّ «فغيرُ لازمٍ؛ لأنَّ ذلك مختصٌّ بكونِ الصفةِ جملةً. وإذا كانت جملةً تعذَّر كونُها صفةً للمعرفةِ. وإنما اختصَّ ذلك بكونِ الصفةِ جملةً؛ لأنها لتأكيدِ وَصْلِ الصفةِ، والتأكيد لائقٌ بالجملةِ. وأمَّا قولُه:» لو قلتَ: جاءني رجلٌ وعاقلٌ لم يَجُزْ «فمُسَلَّمٌ، ولكن إنما امتنع ذلك في جملةً، فإنَّ اللَّبْسَ مُنْتَفٍ. وقد تقدَّم ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ﴾ فَلْيُلْتَفَتْ إليه ثَمَّة.
قال الشيخ «وهذا لا مُعَوَّلَ عليه؛ فإنَّ مذهبَ الجمهورِ أنَّ ما قبل» إلاَّ «لا يعمل فيما بعدها، إلاَّ أَنْ يكونَ مستثنى، أو مستثنى منه، أو تابعاً له غيرَ معتمدٍ على الأداة نحو:» ما مررت بأحدٍ إلاَّ زيدٌ من عمروٍ «، والمفعولُ له ليس واحداً من هذه. ويتخرَّج مذهبُه على مذهبِ الكسائي والأخفشِ، وإن كانا لم يَنُصَّا على المفعولِ له بخصوصيَّته». قلت: والجواب ما تقدَّم قبلَ ذلك مِنْ أنَّه يختارُ مذهبَ الأخفش.
الثاني: من الأوجهِ الأُوَلِ: أنَّها في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي: هذه ذكرى. وتكونُ الجملةُ اعتراضيةً. الثالث: أنها صفةٌ ل مُنْذِرُوْن: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على الحذفِ أي: مُنْذروْن ذَوو ذكرى، أو على وقوعِ المصدرِ وقوعَ اسمِ الفاعلِ أي: مُنْذِرون مُذكِّرون. وقد تقدَّم تقريرُ ذلك. الرابع: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال أي: مُذَكِّرين، أو ذوي ذكرى، أو جُعِلوا نفسَ الذكرى مبالغةً. الخامس: أنها منصوبةٌ على المصدرِ المؤكِّد.
وقد أَثْبَتَ هذه القراءةَ جماعةٌ من أهلِ العلمِ، ودفعوا عنها الغَلَطَ، فإنَّ القارىءَ بها من العلمِ بمكانٍ مَكينٍ، وأجابوا عنها بأجوبةٍ صالحةٍ. فقال: النضر بن شميل: «قال يونس بن حبيب: سمعتُ أعرابياً يقول:» دَخلتُ بساتينَ من ورائِها بساتُون «فقلت: ما أشبَه هذا بقراءةِ الحسنِ» وخرَّجها بعضُهم على أنها جمعُ شَيَّاط بالتشديد مِثالَ مبالغةٍ، مثلَ «ضَرَّاب» و «قتَّال»، على أَنْ يكونَ مشتقاً من شاط يَشِيْط أي: أَحْرَقَ، ثم جُمِع جَمْعَ سلامةٍ مع تخفيفِ الياءِ فوزنُه
والهاء في «به» تعود على القرآن.
وجاءت هذه الجمل الثلاث منفيةً على أحسنِ ترتيبٍ نفى أولاً تنزيلَ الشياطين به؛ لأنَّ النفيَ في الغالبِ يكونُ في الممكنِ، وإنْ كان الإِمكانُ هنا منتفياً. ثم نفى ثانياً انْبِغاءَ ذلك أي: ولو فُرِضَ الإِمكانُ لم يكونوا أهلاً له، ثم نفى ثالثاً الاستطاعةَ والقُدْرَةَ، ثم ذكر علةَ ذلك، وهي انعزالهُم عن السَّماع من الملأِ الأعلى؛ لأنهم يُرْجَمُون بالشُّهُبِ لو تَسَمَّعوا.
وقال الشيخ حالَ عَوْدِ الضميرِ على " الشياطين "، وبعدما ذكر المعنيين المتقدِّمين في إلقاءِ السَّمْعِ قال :" فعلى معنى الإِنْصاتِ يكونُ " يُلْقُون " استئنافَ إخبار، وعلى إلقاءِ المسموع إلى الكَهَنَةِ يُحْتَمَلُ الاستئنافُ، واحْتُمِلَ الحالُ من " الشياطين " أي : تَنَزَّل على كلِّ أَفَّاكٍ أثيمٍ مُلْقِِيْنَ ما سَمِعُوا ". انتهى وفي تخصيصه الاستئنافَ بالمعنى الأولِ، وتجويزِه الوجهين في المعنى الثاني نظرٌ ؛ لأنَّ جوازَ الوجهين جارٍ في المعنَيَيْن فيُحتاج في ذلك إلى دليلٍ.
وقال الشيخ حالَ عَوْدِ الضميرِ على «الشياطين»، وبعدما ذكر المعنيين المتقدِّمين في إلقاءِ السَّمْعِ قال: «فعلى معنى الإِنْصاتِ يكونُ» يُلْقُون «استئنافَ إخبار، وعلى إلقاءِ المسموع إلى الكَهَنَةِ يُحْتَمَلُ الاستئنافُ، واحْتُمِلَ الحالُ من» الشياطين «أي: تَنَزَّل على كلِّ أَفَّاكٍ أثيمٍ مُلْقِِيْنَ ما سَمِعُوا». انتهى وفي تخصيصه الاستئنافَ بالمعنى الأولِ، وتجويزِه الوجهين في المعنى الثاني نظرٌ؛ لأنَّ جوازَ الوجهين جارٍ في المعنَيَيْن فيُحتاج في ذلك إلى دليلٍ.
والعامَّةُ على رَفْعِ «الشعُراءُ» بالابتداءِ. والجملةُ بعدَه الخبرُ. وقرأ عيسى بالنصبِ على الاشتغال.
والهائِمُ: الذي يَخْبِط في سَيْرِه ولا يَقْصِدُ موضعاً معيَّناً. هام على وجهه: أي ذَهَبَ. والهائِمُ: العاشِقُ من ذلك. والهيمانُ: العَطْشانُ. الهُيام: داءُ يأخذُ الإِبلَ من العطشِ. وجمل أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ. والجمع فيهما: هِيم. قال تعالى: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم﴾ [الواقعة: ٥٥]. والهَيام من الرَّمْلِ: اليابسُ كأنهم تَخَيَّلُوا فيه معنى العطشِ.
وقرأ ابن عباس والحسن «أي مُنْفَلَتٍ يَنْفَلِتُون» بالفاءِ والتاءِ من فوقُ. من الانفلاتِ، ومعناها واضحٌ. والله أعلم.
سورة الشعراء
سورةُ (الشُّعَراء) سورةٌ مكِّية، افتُتِحت بتعظيم القرآن، وخُتِمت بذلك، وتخلَّلَ البدايةَ والخاتمة ذِكْرُ قِصَصِ عددٍ من الأنبياء، ومقصودُ السورة الأعظم: بيانُ عُلُوِّ هذا الكتاب وإعجازِه، وسُمُوِّه عن أن يكونَ شِعْرًا، أو مِن كلامِ بشَرٍ، وجاءت الآيةُ على وصفِ الشُّعَراء وطريقِهم بالغَواية في أصلها إلا مَن اتَّقَى؛ وذلك شأنُ الأقلِّ من الشُّعَراء.
ترتيبها المصحفي
26نوعها
مكيةألفاظها
1320ترتيب نزولها
47العد المدني الأول
226العد المدني الأخير
226العد البصري
226العد الكوفي
227العد الشامي
227* سورة (الشُّعَراء):
سُمِّيت سورةُ (الشُّعَراء) بهذا الاسم؛ لاختتامِها بذِكْرِهم في قوله: {وَاْلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ اْلْغَاوُۥنَ} [الشعراء: 224].
* سورة (الظُّلَّةِ):
سُمِّيت بذلك؛ لقوله تعالى فيها: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ اْلظُّلَّةِۚ} [الشعراء: 189].
جاءت موضوعات سورة (الشُّعَراء) على النحو الآتي:
1. تعظيم القرآن، وتَسْريةٌ للرسول عليه السلام (١-٩).
2. قصص الأنبياء (١٠-١٩١).
3. قصة موسى عليه السلام (١٠-٦٨).
4. قصة إبراهيمَ عليه السلام (٦٩-١٠٤).
5. قصة نُوحٍ عليه السلام (١٠٥- ١٢٢).
6. قصة هُودٍ عليه السلام (١٢٣-١٤٠).
7. قصة صالح عليه السلام (١٤١-١٥٩).
8. قصة لُوطٍ عليه السلام (١٦٠- ١٧٥).
9. قصة شُعَيبٍ عليه السلام (١٧٦-١٩١).
10. تعظيم القرآن، وإثبات نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم، وتفنيد شُبهات المشركين (١٩٢-٢٢٧).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /327).
مقصودُ سورةِ (الشُّعَراءِ): إعلاءُ شأنِ هذا الكتاب، وأنَّه بيِّنٌ في نفسه: بإعجازه أنه من عند الله، مُبيِن لكل ملتبِس: بالإشارة إلى إهلاك مَن عَلِمَ منه دوامَ العصيان، ورحمةِ من أراده للهداية والإحسان.
وتسميتُها بـ(الشُّعَراء) أدلُّ دليلٍ على ذلك؛ بما يفارِقُ به القرآنُ الشِّعْرَ من عُلُوِّ مقامه، واستقامةِ مناهجه، وعِزِّ مَرامِه، وصِدْقِ وعده ووعيده، وعدلِ تبشيره وتهديده، وفيه وصفُ طريقِ القرآن بكمال الهداية والرَّشاد.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /326).