…ويرى الشيخ رشيد أن تفسير الشيخ محمد عبده يقوم على الإيماء والإشارة. ونقول: هذا سبيل دخلت منه الشوائب إلى التفسير، ولا ضابط له، ولا حدود. والأبلغ من هذا أنهما لم يقفا عند حد الجواز لقبول هذا التحريف لمعنى الملائكة بل تعدّاه للوجوب. فقال الشيخ محمد عبده: "ولست أحيط علماً بما فعلت العادة والتقاليد في أنفس بعض من يظنون أنهم من المتشددين في الدين إذ ينفرون من هذه المعاني كما ينفر المرضى والمخدجون من جيد الأطعمة التي لا تضرهم، وقد يتوقف عليها قوام بنيتهم، ويتشبثون بأوهام مألوفة لهم تشبث أولئك المرضى والمخدجين بأضر طعام يفسد الأجساد، ويزيد الاسقام، لا أعرف ما الذي فهموه من لفظ روح أو ملك؟ وما الذي يتخيلونه من مفهوم لفظ قوة؟ أليس الروح في الآدمي مثلاً هو الذي يظهر لنا في أفراد هذا النوع، بالعقل والحس، والوجدان والإرادة والعمل، وإذا سُلبوا سلبوا ما يسمى بالحياة؟ أوليست القوة هي ما تصدر عنه الآثار فيمن وهبت له، فإذا سمّى الروح لظهور أثر قوة، أو سميت القوة لخفاء حقيقتها روحاً، فهل يضر ذلك بالدين، أو ينقص معتقده شيئاً من اليقين؟(١).
…ثم يعود ليشكك في وجود الملائكة فيقول: "أفلا تزعم أن لله ملائكة في الأرض، وملائكة في السماء؟ هل عرفت أين تسكن ملائكة الأرض؟ وهل حددت أماكنها، ورسمت مساكنها؟ وهل عرفت أين يجلس من يكون منهم عن يمينك؟ ومن يكون عن يسارك هل ترى أجسامهم النورانية تضيء لك في الظلام، أو تؤنسك إذا هجمت عليك الأوهام؟.." إلى أن يقول: "فإن لم تجد في نفسك استعداداً لقبول أشعة هذه الحقائق، وكنت ممن يؤمن بالغيب، ويفوض في إدراك الحقيقة ويقول ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ فلا ترم طلاب العرفان بالريب.. وهم في إيمانهم أعلى منك كعباً"(٢).
(٢) تفسير المنار، ١/٢٧٣.