…وقال تحت عنوان: الجنة ونعيمها بين الروحي والجسدي: " ونريد أن نقف وقفة قصيرة مع تلك الأوصاف التي ذكرها القرآن الكريم لنعيم الجنّة، والتي تبدو كأنها صورة من النعيم الدنيوي بما فيه من ألوان المآكل والمشارب، والدور والقصور، والملابس، والحلي والأواني والأمتعة والجواري والغلمان، والعيون والأنهار والأشجار والثمار إلى غير ذلك مما اعتاد الناس في الدنيا أن يروه، أو يعيشوا فيه.. وهذا مما دعا بعض الأدعياء أو الأغبياء إلى أن القول بأن هذه الجنّة مما يحلم به المحرومون، ومما يغذي به الدين هذه الأحلام الجائعة! ولنسلم –جدلاً- من أول الأمر بأن نعيم الجنة هو من هذا النعيم الذي يعرف الناس في الدنيا.. فأي قصور يلحق هذا النعيم، وأي مطلب يعوز الذين ينزلون منازل هذه الجنّة فيجدون كل ما كانت تشتهي أنفسهم في الدنيا جاهزاً بين أيديهم لا يتكلفون له جهداً، ولا يريقون من أجله دماً أو عرقاً؟ أهذا نعيم تزهد فيه النفوس؟.. إلى أن يقول: "ولا يقال – كما قيل فعلاً- إن هذا النعيم الأخروي، هو نعيم جسدي، يشبع أحلام الجوعى والمحرومين، ويرضي مطالب البيئات الفقيرة المجدبة، وهذا بدوره يعني أن الدين الذي يَعِدُ أهله بمثل تلك الجنة في الآخرة، إنما هو دين على مستوى هذه الحياة البدائية في الصحراء، التي لا تبعد الحياة فيها كثيراً عن حياة الغابة، وأن الدين ليس إلا أكذوبة خادعة تستهوي الجوعى والمحرومين بهذه الموائد الممدودة لهم في عالم الرؤى والأحلام"(١). وقال: "فهذا القول إن كان من جاهل، فهو جهل يفضح أهله ويخزيهم، وإن كان من عالم فهو زور وبهتان يتخرص به المتخرصون في غير خجل أو حياء ممن يكيدون للإسلام"(٢).
(٢) م١٥، ٢٩/١٣٧٤، ١٣٧٥، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب.