وقال بعض الكوفيين جرم أصله الفعل الماضي، فحول عن طريق الفعل، ومنع التصرف، فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر، وجعل مع لا قسما، وتركت الميم على فتحها الذي كان عليها في المضى، كما نقلوا حاشى وهو فعل ماض، مستقبله يحاشى، ودائمه محاش، ومصدره محاشاة من باب الانفعال إلى باب الأدوات، لما أزالوه عن التصرف والصحيح أنه فعل ماض، وتجعل لا داخلة عليه، وهو مذهب سيبويه ومن أصحابه من يجعلها جواباً لما قبله ومثله يقول الرجل كان كذا وكذا، وفعلوا كذا، فيقول لا جرم أنهم سيندمون وبين غير الخليل وقال إنه رد على أهل الكفر فيما قدروه، من اندفاع عقوبة الكفر ومضرته عنهم يوم القيامة وقد ذكر حجاج هؤلاء في المختلف ومن ذلك قوله تعالى "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً" أي، كدعاء بعضكم على بعض فالمصدر في قوله دعاء الرسول مضاف إلى الفاعل، أي كدعاء الرسول عليكم وقيل لا تجعلوا دعاءه إياكم إلى الحرب كدعاء بعضكم بعضا إليها، فيكون أيضاً مضافاً إلى الفاعل وقيل لا تجعلوا دعاءكم الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، أي لا تدعوه ب يا محمد، وادعوه ب يا نبي الله، كقوله تعالى "ولا تجهروا له بالقول" فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول ومن ذلك قوله تعالى "والقمر قدرناه منازل" أي يسير في منازل، سائراً فيها ومن ذلك قوله تعالى "لو تعلمون علم اليقين" قيل التقدير بعلم اليقين لترون، فحذف الجار وقيل بل هو نصب على المصدر ومن ذلك قوله تعالى "فمن تطوع خيراً" أي بخير، فحذف الباء ويجوز أن يكون التقدير فمن تطوع تطوعاً خيراً، فحذف الموصوف ومن ذلك قوله تعالى "آتنا غداءنا" قال أبو علي آتنا ليس من الإعطاء، إنما هو من، أتى الغداء وآتيته، كجاء وأجأته، ومنه قوله تعالى "تؤتى أكلها" أي تجئ و آتنا غداءنا يتعدى إلى غدائنا بإرادة الجار، لا بد من ذلك؛ لأن الهمزة لا تزيده إلا مفعولاً واحداً؛ بخلاف "وآتاكم من كل ما سألتموه" "وما أتاكم الرسول"