بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [١٧/٣٤]، أي عنه.
قوله تعالى: ﴿أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ﴾ الآية، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن من حكم إنزال القرآن العظيم قطع عذر كفار مكة، لئلا يقولوا: لو أنزل علينا كتاب لعلمنا به، ولكنا أهدى من اليهود والنصارى، الذين لم يعملوا بكتبهم، وصرح في موضع آخر أنهم أقسموا على ذلك، وأنه لما أنزل عليهم ما زادهم نزوله إلا نفوراً وبعداً عن الحق، لاستكبارهم ومكرهم السيىء، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً، اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [٣٥/٤٢].
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ الآية.
قال بعض العلماء: إن هذا الفعل أعني صدف في هذه الآية لازم، ومعناه أعرض عنها، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد، وقتادة.
وقال السدي: صدف في هذه الآية متعدية للمفعول، والمفعول محذوف، والمعنى أنه صد غيره عن اتباع آيات الله، والقرآن يدل لقول السدي، لأن إعراض هذا الذي لا أحد أظلم منه عن آيات الله صرح به في قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ [٦/١٥٧]، إذا لا إعراض أعظم من التكذيب، فدل ذلك على أن المراد بقوله: ﴿وَصَدَفَ عَنْهَا﴾، أنه صد غيره عنها فصار جامعاً بين الضلال والإضلال.
وعلى القول الأول فمعنى: ﴿صَدَفَ﴾ مستغنى عنه بقوله: ﴿كَذَّبَ﴾، ونظير الآية على القول الذي يشهد له القرآن، وهو قول السدي.
قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ اهـ.
وقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ الآية [١٦/٨٨].
وقد يوجه قول ابن عباس وقتادة ومجاهد بأن المراد بتكذيبه، وإعراضه أنه لم يؤمن بها قلبه، ولم تعمل بها جوارحه، ونظيره قوله تعالى: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [٧٥/٣٢، ٣١]، ونحوها من الآيات الدالة على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه، وترك العمل بجوارحه، قال ابن كثير في تفسيره، بعد أن أشار إلى هذا:


الصفحة التالية
Icon