تلك الأحاديث الواردة في الصحيح ليس فيها ذكر النسيان ولا الجهل، فيجب استصحاب عمومها حتى يدل دليل على التخصيص بالنسيان والجهل، وقد تقرر أيضا في علم الأصول أن جواب المسؤول لمن سأله لا يعتبر فيه مفهوم المخالفة؛ لأن تخصيص المنطوط بالذكر لمطابقة الجواب للسؤال، فلم يتعين كونه لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، وقد أشار له في "مراقي السعود"، في مبحث موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله عاطفا على ما يمنع اعتباره: [الرجز]

أو جهل الحكم أو النطق انجلب للسؤل أو جرى على الذي غلب
كما يأتي بيانه في الكلام على قوله تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ الآية [٢/٢٢٩]. وبه تعلم أن وصف عدم الشعور الوارد في السؤال لا مفهوم له.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره به حتى يقال: إنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور، ولا يجوز اطراحها بإلحاق العمد بها.
ولهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب، انتهى محل الغرض منه بلفظه.
قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾، لم يبين هنا ما هذا الفضل الذي لا جناح في ابتغائه أثناء الحج.
وأشار في آيات أخر إلى أنه ربح التجارة كقوله: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [٧٣/٢٠]، الضرب في الأرض عبارة عن السفر للتجارة، فمعنى الآية يسافرون يطلبون ربح التجارة. وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [٦٢/١٠]، أي: بالبيع والتجارة، بدليل قوله قبله: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [٦٢/٩]، أي: فإذا انقضت صلاة الجمعة فاطلبوا الربح الذي كان محرما عليكم عند النداء لها.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أن غلبة إرادة المعنى المعين في القرآن تدل على أنه المراد؛ لأن الحمل على الغالب أولى، ولا خلاف بين العلماء في أن المراد بالفضل المذكور في الآية ربح التجارة، كما ذكرنا.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [٢/١٩٩]، لم يبين هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة


الصفحة التالية
Icon