"الحجر" بقوله: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [١٥/٦٥].
وقوله تعالى: ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ [١١/٨١]. قرأه جمهور القراء ﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ﴾، بالنصب، وعليه فالأمر واضح؛ لأنه استثناء من الأهل، أي أسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها، واتركها في قومها فإنها هالكة معهم. ويدل لهذا الوجه قوله فيها في مواضع: ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [٢٩/٣٢، ٣٣]، والغابر: الباقي، أي من الباقين في الهلاك.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير: ﴿إِلاَّ امْرَأَتُكَ﴾ بالرفع، على أنه بدل من ﴿أَحَدٌ﴾ وعليه فالمعنى: أنه أمر لوطاً أن ينهى جميع أهله عن الالتفات إلا امرأته فإنه أوحى إليه أنها هالكة لا محالة، ولا فائدة في نهيها عن الالتفات لكونها من جملة الهالكين. وعلى قراءة الجمهور فهو لم يسر بها، وظاهر قراءة أبي عمرو وابن كثير: أنه أسرى بها والتفتت فهلكت. قال بعض العلماء: لما سمعت هدَّة العذاب التفتت وقالت: واقوماه. فأدركها حجر فقتلها.
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن وجه الجمع بين القراءتين المذكورتين أن السر في أمر لوط بأن يسري بأهله هو النجاة من العذاب الواقع صبحاً بقوم لوط، وامرأة لوط مصيبها ذلك العذاب الذي أصاب قومها لا محالة، فنتيجة إسراء لوط بأهله لم تدخل فيها امرأته على كلا القولين، وما لا فائدة فيه كالعدم، فيستوي معنى أنه تركها ولم يسر بها أصلاً، وأنه أسرى بها وهلكت مع الهالكين.
فمعنى القولين راجع إلى أنها هالكة وليس لها نفع في إسراء لوط بأهله؛ فلا فرق بين كونها بقيت معهم، أو خرجت وأصابها ما أصابهم.
فإذا كان الإسراء مع لوط لم ينجها من العذاب، فهي ومن لم يسر معه سواء، والعلم عند الله تعالى.
وقوله: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ [١١/٨١]، قرأه نافع وابن كثير ﴿فَأَسْرِ﴾ بهمزة وصل؛ من سرى يسري، وقرأه جمهور القراء ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ بقطع الهمزة، من أسرى الرباعي على وزن أفعل. وسرى وأسرى: لغتان وقراءتان صحيحتان سبعيتان، ومن سرى الثلاثية، قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [٨٩/٤]، فإن فتح ياء ﴿يَسْرِ﴾ يدل على أنه مضارع سرى